العدد 2378 - الثلثاء 10 مارس 2009م الموافق 13 ربيع الاول 1430هـ

هل انحسر عصر القوة؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البون الشاسع بين السياسة والقوة هو الذي حدا بالدول الديمقراطية لوضع الساسة في أماكنهم والعساكر في ثكناتهم. وعلى رغم أهمية القوة لحماية إنجازات السياسة إلا أن القوة بمفهومها الواسع لا تقتصر على القوة العسكرية فقط بل تتعداها لتشمل القوة الاقتصادية وقوة الإجماع الوطني. فأي خلل في ميزان المعادلة يدمي الدولة والمجتمع ويستنزف مختلف قواها. ولنا في التاريخ عبر.

في فيتنام اختارت الولايات المتحدة الأميركية حسم معركتها هناك بالقوة فاستنزفت وأدميت حتى الهزيمة. وحاول غريمها الاتحاد السوفياتي السابق تكرار الفعل نفسه في أفغانستان فكانت غلطة كبرى ساهمت في تفكك الإمبراطورية. ولم تتعلم الولايات المتحدة من أخطائها وأخطاء غريمها فكررت الخطأ ذاته في أفغانستان والعراق مع صنائعها هذه المرة الذين تبنوا نهجها ولكن لإخضاع شعوبهم.

والآن تعكف الولايات المتحدة الأميركية على مراجعة نهجها. فإذا برئيسها الجديد يخرج في خطاب تنصيبه برؤية جديدة تقول: «إن الأجيال الماضية أدركت بأن قوتنا وحدها لا تستطيع أن تحمينا وهي لا تخولنا أن نعمل ما نريد... إن قوتنا تنمو عبر استعمالها بحكمة، وإن أمننا ينبعث من عدالة قضيتنا، وقوة مثلنا وشيم التواضع وضبط النفس. وإذ نسترشد بهذه المبادئ مرة أخرى، نستطيع أن نواجه تلك التهديدات الجديدة لأننا ذقنا الطعم المرير للحرب الأهلية والفصل العنصري... لا يسعنا إلا أن نؤمن بأن الكراهية لابد وأن تزول يوما ما، وأن الخطوط القبلية سوف تندثر قريبا، وأنه إذ يصبح العالم أصغر حجما فإن إنسانيتنا المشتركة سوف تتجلى.

ثم خاطب أوباما العالم الإسلامي قائلا: «اعلموا أن شعبكم سيحكم عليكم على ما تستطيعون أن تبنوه، لا على ما تدمرونه، ولأولئك الذين يمسكون بالسلطة عن طريق الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف أقول، اعلموا إنكم في الجانب الخاطئ من التاريخ، ولكننا سنمد أيدينا إليكم إذا كنتم مستعدون لأن ترخوا قبضتكم.

وختم خطابه بالقول «لم يعد في استطاعتنا ألا نأبه للمعاناة خارج حدودنا، ولا أن نستهلك موارد العالم بدون اعتبار النتائج، ذلك إن العالم قد تغير، ويجب أن نتغير معه.

هذا إذا ما يعتقده رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم. فالقوة لا تحسم الصراع.

وفي أول خطاب له أمام الكونجرس أردف أوباما قائلا: «صار الفائض ذريعة لنقل الثروة للأغنياء بدلا من أن يكون فرصة للاستثمار في مستقبلنا... سنعيد هيكلة موازنة الدفاع لدينا كي لا ندفع ثمن أسلحة لا نستخدمها... وتابع القول إن بلادنا لن تستعين بالتعذيب سبيلا لاستجواب الإرهابيين».

هناك محاور عدة في خطاب حليفنا الأميركي يجدر بنا التوقف عندها بسبب علاقتنا الإستراتيجية به، هذه العلاقة التي تؤثر فينا شئنا أم أبينا. وهذه المحاور تعيش مجتمعاتنا إرهاصاتها كل يوم، وكثير منها يرسم واقعنا في ماضينا وحاضرنا.

وعندما نستعرض هذه المحاور يتضح لنا وجه التشابه بين ما ورد في خطاب أوباما وبين ما نعايشه في واقعنا. فنحن كذلك في حاجة ماسة لاستخدام إمكانياتنا الأمنية بحكمة، ونحن في حاجة لنبذ خطاب الكراهية ومحاربة الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف.

كما إننا لسنا في حاجة للتمييز وسياسة الفصل العنصري أو الاستعانة بالتعذيب لاستجواب المناوئين، ولكننا في حاجة ماسة لنبذ سياسة الاستئثار بالسلطة والعمل بمبدأ التوزيع العادل للثروة. وباختصار نحن في حاجة لأن نتغير لأن العالم قد تغير وإلا أصبحنا في الجانب الخطأ من التاريخ.

لقد شخص أوباما أمراض بلاده وعزا أسباب انحدارها لهذه الأمراض، هذا الانحدار الذي لم تمنع وقوعه سياسة القوة المتمثلة في ترسانة هائلة من الأسلحة الفتاكة. والسبب هو أن القوة العسكرية وحدها لا توفر الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي ما لم تتكامل مع العناصر الأخرى التي تطرق إليها أوباما في خطابه.

لهذه الأسباب يعمل الرئيس الأميركي الجديد على إعادة هيكلة إستراتيجية بلاده بتبني ما يطلق عليه بالدبلوماسية الذكية وهي القوة التي تتبعها الأجهزة، حيث يتم ربط المخابرات بالخارجية خلافا لما كان عليه الوضع في عهد سلفه الذي اعترف بتضليله من قبل المخابرات عندما قرر غزو العراق بناء على معلومات استخباراتية مضللة. فقد اكتشفت الولايات المتحدة الآن بعد استنزاف قوتها العسكرية والاقتصادية إن الحل في العراق هو سياسي وليس عسكري.

وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميلباند من جهته يكرر الشيء ذاته حينما صرح بأن الجيش وحده غير قادر على هزيمة قوات طالبان في أفغانستان لأن الخيار العسكري ما لم يكن مرفقا بإستراتيجية اقتصادية وسياسية واضحة سيدفع طالبان للاختباء وممارسة لعبة الانتظار. ورأى أن الحل يكمن في جعل الأفغان العاديين يثقون بحكومتهم إذا ما أريد وقف دعمهم لطالبان، وهذه الثقة تتوفر بمساعدة الحكومة الأفغانية لتوفير احتياجات شعبها.

فالقوة العسكرية تكون قادرة على دعم حل سياسي إذا جاءت مقرونة بتوجهات للضغط على الرافضين التعاون مع الدولة وحماية مؤيدها.

إن التعويل على القوة لحل مشكلات سياسية يقوض اقتصاديات الدول ويرهق ميزانياتها، فسياسة القوة تولد الحرائق والشـعور بالخوف الذي بدوره يولد الحاجة لمزيد من السلاح وأدوات القمع لإطفاء الحرائق، وهكذا يعيش المجتمع في حلقة مستمرة من العنف وعدم الاستقرار. وهذه الصورة تتضح من خلال قراءة ما تخصصه الدول الديمقراطية المستقرة من موازنة الدفاع والأمن والتي تعادل 10 في المئة من موازنتها العامة مقابل ما تخصصه الدول الأخرى من موارد تصل إلى 35 في المئة. فكلما زاد الاستبداد ازدادت الحاجة للسلاح. وعوضا عن حماية الاستقرار بالعدالة والإصلاح يستنزف السلاح الموارد لمزيد من المواجهة والعنف.

لقد جربت مجتمعات كثيرة كالمغرب وجنوب إفريقيا والبحرين استخدام الحل الأمني لمشكلات سياسية، وأثبتت التجربة فشل هذا النموذج. وعندما جربنا الحل السياسي في العام 2001 بتدشين مشروع للإصلاح والمصالحة الوطنية جاءت النتائج مبهرة.

واليوم وكأننا نعود للمربع الأول فنلجأ للعصي مرة أخرى ونرجح كفتها على الجزرة، فإذا بالنتائج السلبية التي تركناها وراء ظهورنا تطفو إلى السطح مرة أخرى.

إن دول عظمى كالولايات المتحدة وبريطانيا تعيد هيكلة استراتيجياتها بأتباع الدبلوماسية الذكية لحل مشكلاتها الخارجية والداخلية. وهذا التوجه العالمي سيصبح واقعا لا يمكننا تجاهله لأن التعويل على القوة وحدها لحسم خلافات سياسية نهج أثبت فشله، لذا حري بنا التأمل في إيجابيات تجاربنا وقراءة الساحة العالمية بتمعن لكي لا نصبح في الجانب الخطأ من التاريخ.

فليس أصلح من إصلاح ذات البين لدرء الأخطار بجميع أنواعها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2378 - الثلثاء 10 مارس 2009م الموافق 13 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً