العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ

الجابري... المثقف قبل السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما توفي المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري صباح الإثنين 3 مايو/ أيار 2010 كنت من بين المشاركين في مؤتمر جمع صحافيين من أكثر من عشرة بلدان عربية في الدار البيضاء بالمغرب للاتفاق على إطلاق لجنة للإعلاميين العرب تهدف إلى تفعيل شعار اليونيسكو الذي أطلق بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو) هذا العام، وهو «الحق في الحصول على المعلومات». وأثناء المداخلات كان أحد المشاركين بمداخلة نوعية أستاذ الإعلام الذي يشغل منصب «كرسي اليونيسكو» في الصحافة والاتصال الجماهيري جمال الدين ناجي، طلب حينها الوقوف للإعلان عن نبأ، تسلمه للتو، والنبأ كان يتعلق بوفاة الجابري، ووقف الحضور دقيقة حداد وقرأوا الفاتحة على روحه التي التحقت بالرفيق الأعلى بعد أن تركت بصمات واضحة من المغرب إلى المشرق.

الجابري رحل بعد أن وجه أشد انتقاد للعقل العربي، وكان يرى أن المثقف يجب أن يتقدم على السياسي، وهو نفسه كان ناشطاً سياسياً وفي الوقت ذاته مثقفاً وفيلسوفاً، وقد ثبتت مقولته بأن المثقف يظل فوق السياسي؛ لأن الذين يعرفونه إنما عرفوه من خلال أطروحاته الفكرية النقدية أكثر من انتماءاته السياسية.

أحد الصحافيين المغاربة كتب عن «القاعدة الجابرية» بشأن علاقة المثقف بالسلطة، موضحاً ما قاله الجابري «لم يحدث في التاريخ أن وجد حاكم مستبد أو ناجح أو فاشل بمفرده... من يدورون حوله من مثقفين وفنيين وغيرهم هم المسئولون إلى حد كبير جداً عن الفشل أو عن النجاح». الجابري كان يرى بأن المثقف الحقيقي هو المندمج في هموم وطنه ومجتمعه، وهذا المثقف تخشاه السلطة، مستشهداً بمقولة جنرال فرنسي «عندما أسمع كلمة مثقف أضع يدي في مسدسي».

الجابري انتقد الذين يحاولون دخول الحداثة من خلال إلغاء التاريخ والتراث الخاص بأمتهم، وانتقد الذين يغلقون أبواب الحداثة بهدف الالتزام الحرفي بما لديهم من تراث، واعتبر أن الاتجاهين أوصلا مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى طريق مسدود، واعتبر أن المخرج من هذه الطرق المسدودة لا يتم إلا على أيدي المثقفين المعتزين بتراثهم ولكنهم في الوقت ذاته يبنون جسوراً بين تاريخ الأمة ومستقبلها.

إن المثقف الحقيقي - بحسب الجابري - هو الذي ينزل إلى مجتمعه ولا يعيش في برج عاجي، وهو الذي يلتزم بمبادئه ولا يقتات بها على الموائد السمان، وهو الذي يناضل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً لأمته بالعلم والعمل.

سمعة الجابري وأثره في العالم العربي ربما أكثر منها في المغرب، وذلك لأنه عرف في المغرب بعمله السياسي أولاً، بينما عرف في العالم العربي بعمله الثقافي أولاً، وهذا يثبت أن المثقف يقود السياسي.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:31 ص

      أعجبني

      واعتبر أن المخرج من هذه الطرق المسدودة لا يتم إلا على أيدي المثقفين المعتزين بتراثهم ولكنهم في الوقت ذاته يبنون جسوراً بين تاريخ الأمة ومستقبلها

    • زائر 1 | 1:04 ص

      الله يرحمه

      مع اني ماسمعت عنه الا يوم وفاته وعتبي على الاعلام العربي الفاشل اللي يهتم بالمطربين ومايسمى با(الفن) أكثر من المثقفين

اقرأ ايضاً