اجتمع الديمقراطيون الأحرار أمس (السبت) لدراسة عرض تقاسم السلطة الذي قدمه لهم المحافظون بهدف الخروج من الأزمة الدستورية الناتجة عن الانتخابات التشريعية البريطانية التي انبثق عنها برلمان يسيطر عليه المحافظون من دون تحقيق غالبية مطلقة.
والتقى النواب الديمقراطيون الأحرار ظهراً في لندن غير أن سايمن هيوز، أحد مفاوضي الحزب حذر من عدم توقع التوصل إلى اتفاق رسمي سريع. وقال: «لن يكون هناك اتفاق على الطاولة لأن المفاوضات بدأت للتو وستتواصل المناقشات على مدى نهاية الأسبوع». وقال زعيم الديمقراطيين الأحرار نك كليغ أثناء توجهه (السبت) إلى اجتماع تمهيدي مع مسئولي حزبه: «إن المحادثات ستتواصل في الساعات والأيام المقبلة».
وقدم زعيم المحافظين ديفيد كاميرون (الجمعة) للديمقراطيين الأحرار عرضاً كبيراً ومفتوحاً وشاملاً لتشكيل حكومة قوية.
لندن - رويترز
قال حزب المحافظين البريطاني المعارض أمس (السبت) إنه سيجري مع حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض أيضا مزيدا من المحادثات اليوم (الأحد) للتوصل إلى اتفاق بعد الانتخابات غير الحاسمة، لكن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق قبل يوم غد (الاثنين).
وفاز المحافظون بأكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات، لكنهم لم يتمكنوا من الفوز بغالبية مطلقة ويسعون للحصول على دعم من حزب الديمقراطيين الأحرار الأصغر لإنهاء 13 عاما من حكم حزب العمال.
وقال المتحدث باسم حزب المحافظين إن المحادثات ستجرى وجها لوجه بين الحزبين لكن على مستوى أقل من زعيمي الحزبين. لكنه أضاف أن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق بحلول (الاثنين)، مشيرا إلى أن نواب المحافظين في البرلمان الذين سيجرى إطلاعهم على فحوى المحادثات لن يجتمعوا قبل مساء (الاثنين).
وسعى زعيم الديمقراطيين الأحرار نك كليغ أمس للحصول على تأييد أعضاء كبار في حزبه لاتفاق محتمل مع المحافظين. ويجب أن يتغلب كليغ على تشكك بين كثيرين من أعضاء حزبه يخشون أن يضطر الحزب وهو ثالث أكبر الأحزاب في بريطانيا إلى التضحية بالكثير من السياسات التي يعتز بها حتى يبرم اتفاقا.
وصرح كليغ أمس بأن القضايا الأربع الرئيسية في محادثات حزبه مع المحافظين هي الضرائب والتعليم والانتعاش الاقتصادي والإصلاح السياسي الجذري.
وقال قبل اجتماع مع سياسيين كبار في حزب الديمقراطيين الأحرار «هذه التغييرات الأربعة على وجه التحديد هي التي ستقودنا في المشاورات».
وتريد الأسواق المالية المتضررة بالفعل بسبب أزمة الديون في اليونان أن تتشكل الحكومة البريطانية الجديدة في أسرع وقت حتى يمكنها السعي لتقليل العجز بسرعة وبحسم.
وترك زعيم المحافظين ديفيد كاميرون الباب مفتوحا أمام صيغة الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه وذلك عندما عرض أمس الأول العمل مع الديمقراطيين الأحرار.
وقد يشمل الاتفاق تشكيل ائتلاف وهو أمر نادر في بريطانيا لكن من المرجح بشكل أكبر أن يتضمن معاهدة يوافق بموجبها الديمقراطيون الأحرار على دعم حكومة أقلية يقودها المحافظون وتنفيذ برنامج تشريعي متفق عليه مقابل تقديمهم تنازلات.
والعقبة الأهم هي الاتفاق على وتيرة الحد من العجز في الموازنة. وتعهد المحافظون بالبدء في تقليلها على الفور بينما يرى الديمقراطيون الأحرار أن ذلك قد يضر بانتعاشة بريطانية من ركود عميق أصاب البلاد في عامي 2008 و2009 .
وإذا فشلت المشاورات بين الديمقراطيين الأحرار والمحافظين فسيكون هناك احتمال إبرام اتفاق بين الديمقراطيين الأحرار وحزب العمال، لكنه سيكون أكثر تعقيدا لان الحزبين معا لا يملكان عددا يكفي من النواب لتشكيل غالبية في مجلس العموم البريطاني الذي يضم 650 مقعدا.
ويجب على الاتفاق بين الديمقراطيين الأحرار والعمال في هذه الحالة أن يشمل أحزابا إقليمية صغيرة مثل حزب بليد سيمرو في ويلز والحزب القومي الاسكتلندي.
وذكر زعيم حزب العمال غوردن براون أن المحافظين والديمقراطيين الأحرار لهم الحق في محاولة تشكيل حكومة أولا على الرغم من أنه يحق له بموجب الدستور وبحكم منصبه كرئيس حالي للوزراء في بريطانيا أن يحاول أولا تشكيلها.
ومن جهته، وصف المؤرخ ديفيد ستاركي «هذه انتخابات غير تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى... لم يكن هناك اختيار حقيقي». وما ينتظرنا هو تقشف دون أفق ولكن خلافا ممتدا حول الإصلاح الانتخابي قد يرجئ أو يحجب الاختيارات الأساسية بشأن مجالات خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب.
وبعد الحرب العالمية الثانية ألقت بريطانيا نفسها بقوة وراء بناء دولة رفاهة حديثة ترتكز إلى اقتصاد مختلط وقطاع عام كبير. وعبر وزير الخارجية الأميركي دين اتشيسون آنذاك عن حالة بريطانيا بعبارة قاسية بقوله إن بريطانيا فقدت إمبراطورية لكنها لم تعثر على دور بعد. وسعت بريطانيا إلى الحفاظ على نفوذ دولي كشريك صغير للولايات المتحدة وكعضو في السوق الأوروبية في وقت متأخر وعلى مضض.
وفي أواخر السبعينيات أدار الناخبون المستاؤون - من إضرابات لا نهاية لها والضرائب المرتفعة والتخبط الاقتصادي - ظهورهم للديمقراطية الاجتماعية وصوتوا لصالح الإثراء الشخصي.
ودفع ذلك إلى الهزة الجذرية للاقتصاد التي أحدثتها رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر إذ قامت بخصخصة معظم الشركات المملوكة للدولة وحدت من قوة النقابات العمالية وباعت المساكن العامة وحررت الأسواق وخفضت الضرائب.
ومزجت سياستها الخارجية بين القومية المتحدية باستعادة جزر فوكلاند من الأرجنتين ودافعت عن المصالح المالية البريطانية في أوروبا إلى جانب عقد شراكة قوية مع الولايات المتحدة إبان حقبة الحرب الباردة.
صرح مراقبون من دول نامية بأن الانتخابات البريطانية غير الحاسمة أظهرت ضرورة إصلاح النظام الانتخابي في بريطانيا، وكذلك انتهاك الإجراءات بشكل كبير.
وكثيرا ما تنتقد بريطانيا المخالفات الديمقراطية في الدول النامية، لكن الأوضاع انقلبت عندما راقب، وللمرة الأولى، أشخاص من دول في منظمة الكومنولث الانتخابات البريطانية وشاهدوا إبعاد مئات الناخبين عن مراكز الاقتراع المزدحمة.
ويقوم النظام الانتخابي في بريطانيا على أن يفوز المرشح الذي يحصل على العدد الأكبر من الأصوات في الدائرة الانتخابية بمقعد في البرلمان، لكن الانتخابات لم تسفر عن نتيجة واضحة للمرة الأولى منذ العام 1974.
وقال المراقبون في بيان «بشكل عام توصلنا إلى أن النتائج عكست إرادة الشعب وأظهرت أن عملية التصويت تمت بسلاسة... وعلى الرغم من أن فريقا تابعا لنا سمع شيئا عن أعمال «بلطجة» وترويع فإن الجو يوم الانتخابات كان هادئا عموما».
وذكر إينوسنت تشوكوما وهو نشط نيجيري في مجال الحقوق المدنية أن المراقبين أكدوا الثقة في النظام البريطاني ولم يجدوا إشارة إلى فساد. وأضاف في مؤتمر صحافي «لكن هل النظام عرضة للفساد وللانتهاك وسوء الاستخدام؟ نعم... ربما حان الوقت لإعادة النظر في النظام مجددا. لا توجد ديمقراطية معصومة من الخطأ حتى وإن كانت عريقة وعتيدة».
وفتحت جهة مراقبة الانتخابات في بريطانيا تحقيقا يوم (الجمعة) الماضي بعد إبعاد مئات الناخبين عن مراكز اقتراع مزدحمة.
وأثنى أبابو ناموامبا وهو نائب كيني على نزاهة وهدوء وسلمية الانتخابات البريطانية، لكنه أشار إلى نقاط ضعف في النظام الانتخابي. وذكر أنه لم يطلب من الناخبين إظهار هويتهم وأن التصويت عن طريق البريد كان عرضة للتزوير، كما أشار إلى نقص في عدد العاملين بمراكز اقتراع مما قد يسبب تجاوزات في أوقات التكدس.
وصرحت ليزا هانا وهي نائبة من جاميكا بأن النظام الانتخابي في بريطانيا لم يسفر عن فائز هذه المرة كما كان يحدث. وقالت «ظهرت على الساحة الان الحاجة للإصلاح الانتخابي وعودة الجدل حول العملية الانتخابية».
العدد 2802 - السبت 08 مايو 2010م الموافق 23 جمادى الأولى 1431هـ