العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ

وما أنت عليهم بجبار

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

المناقشات التي شهدتها ندوة دبي عن الإعلام الخليجي في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي كانت نوعية من حيث العمق والجرأة، ولاسيما اذا أخذنا في الاعتبار أن الحديث كان في مدينة خليجية ويحضرها رسميون ومقربون من دوائر القرار. وأشار أحد المتخصصين في الشريعة والقانون من جامعة الإمارات (محمد عبدالله الركن) في مداخلة له إلى الآية القرآنية «وما أنت عليهم بجبار» (ق: 45) لينطلق منها ويتحدث عن أصالة حرية التعبير في الإسلام، ثم عرج على حرية التعبير بمفهومها المتداول حالياً وكيف أن جميع الأمم المتقدمة تفسح المجال أمام حرية الرأي والتعبير.

وبما أن الحديث عن حرية التعبير فإن الأمثلة من الدول الخليجية، الواحدة بعد الأخرى، كان ملازماً للمناقشات، والبحرين أخذت نصيبها من الحوار. فقناعة المراقبين أن البحرين هي ثاني دولة بعد الكويت يتمتع شعبها بهامش من الحرية، ولكن الكويت والبحرين ليستا محصنتين من العودة إلى الوراء. أمثلة من الكويت شملت مشروع القانون الجديد للصحافة والنشر الذي سيعدل القانون الصادر في 1961، فمنذ صدور ذلك القانون كانت هناك عدة قضايا وصدرت أحكام من القضاء اتُخذت مرجعاً بديلاً عن القانون في حال كان القرار القضائي أكثر رحمة بحرية التعبير. ولكن المقترحات الجديدة ليست كلها حسنة، لأن اللجنة المسئولة عن اعداده طلبت رأياً «شرعياً» عن العقوبات التي ستفرض على من يُتهم بأنه تعرض للدين. والمشكلة هي أن «المدعي» على هذا الكاتب أو ذاك سيكون أي شخص وأي جمعية تعتقد أن فلاناً من الناس قال أو كتب شيئاً ضد الدين.

أما في البحرين فإن الوضع التشريعي جيد وسيئ، والممارسة جيدة وسيئة. فالدستور والميثاق يحتويان على المواد التي تضمن حرية التعبير، ولكن القانون المكتوب الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 سيئ جداً وهو أسوأ من قانون أمن الدولة في حال طبق كما هو مكتوب. فهناك قانون غير مكتوب وهذا القانون يتحكم أيضاً في طرق التعبير عن الرأي.

«القانون غير المكتوب» كان عنوان مداخلة أحد المشاركين في ندوة دبي، وهو صحافي يعمل في إحدى صحف الإمارات ويتحدث عن واقعه، ولكن ذلك الواقع موجود أيضاً في كل دولة خليجية. وفي البحرين لدينا اعراف غير مكتوبة، ولكننا نلتزم بها أكثر من التزامنا بالقانون. هذه الأعراف ليست كلها سيئة، ولكنها مع الزمن تصبح أهم من الدستور وأهم من القانون، وهي التي تتحكم في كثير مما يتم نشره في الصحف.

وما حدث في «ندوة الفقر» يوم 24 سبتمبر الماضي مثال على قوة العرف. فمركز حقوق الإنسان الذي تم حله بقرار وزاري (وليس قضائياً) قال إن ما تحدث به الناشط عبدالهادي الخواجة يتوافق ودستور البلاد. وهذا صحيح من الناحية النظرية، فدستور البلاد يقول إن حرية التعبير مكفولة والميثاق ضَمِنَ حرية التعبير السلمية، وجلالة الملك ضَمِنَ حرية التعبير السلمي. ولكن الأعراف - فضلاً عن القوانين المعمول بها والتي لا تتوافق مع الدستور والميثاق - تعطي الحق للحكومة باتخاذ الإجراءات التي تود اتخاذها في حال وجدت أن هذا التصرف أو ذاك يخالف القوانين أو الأعراف.

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما قام به الخواجة، فإننا في البحرين بحاجة إلى تشريعات متطورة تتناسب مع الميثاق والدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا يتطلب - فيما يتطلب - أن تكون القرارات العقابية صادرة عن جهة قضائية وليست إدارية. وهناك ايضاً النيابة العامة التي تتبع القضاء، ولكن قراراتها تصدر قبل أن يُصدر القضاء حكمه، وهي بذلك تتوسط الحكومة والقضاء، وقراراتها قد تكون أقرب إلى الحكومة من القضاء. إننا بحاجة إلى تطوير تجربتنا لنكون أفضل من الكويت، ونصعد بالممارسة إلى مستوى الدول المتقدمة، على ألا يكون التعبير مقدمة لأعمال غير سلمية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً