العدد 762 - الأربعاء 06 أكتوبر 2004م الموافق 21 شعبان 1425هـ

هل خلت البحرين من أهلها؟

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

«الكلمة الطيبة بلسم للقلوب»... «أسمعني كلمة حلوة أهبك روحي»... «كلمة واحدة من فم حبيب تعادل عشرين كلمة من الآخرين»... وغيرها من العبارات التي قد تسلب لب أي شخص وخصوصا من كان محشورا بين أناس لا يسمع منهم إلا لغو الكلام وسمّه.

كلمات عذبة، جاهد قليل من مدرسي اللغة العربية تحديدا إلى تعليمنا إياها لنسطر منها جملا ونتعلم أصول الكتابة... قالوا لا تتعلموا اللغة بل تأملوا كلماتها وسافروا معها، وسعوا من خيالكم وحملوها عبء ما تكنون من مشاعر وآهات...

قالوا تذوقوا الشعر وعندها فقط ستعرفون كيف تسيطرون على أذهان السامعين وتحوزون على إعجابهم عند سماعهم لطريقة إلقائكم.

قالوا وقالوا... ولم يكونوا يعلمون بأن دروسهم هذه لن تحفر إلا في قلوب بدأت للتو تتفتح على خيالات الكبر وأوهام الحب، وعند لحظة النضج ديست هذه الدروس حتى تساوت بالأرض، وعند تذكرها لا يمكن أن تكون أكثر من مثار للضحك والسخرية على أحلام وضيعة نحتقر من علّمنا إياها!

من منا يحسن فن الكلام؟ من منا يتقن مداواة جروح الآخرين بكلمة عذبة طيبة؟ من منا يستطيع كسب الآخرين بمعسول كلامه وطيب لسانه؟ وطبعا لا نقصد هنا معسول الكلام الذي فقد معناه وأصبح جملة لا تطلق إلا على المنافقين والدهانين من الناس.

يبدو أننا في زحمة انشغالاتنا فقدنا الكلام كله وليس الطيب منه فقط، وأستغرب ممن يُلبس هذه التهمة من لم تسمح لهم ظروفهم بفك الكلمة أو إتمام مشوارهم التعليمي... إذ ما وجدت أطيب من كلمة من فم امرأة في الستينات من العمر «الله يعطيك العافية يا بنتي» على رغم أني لم ألتقيها إلا في تلك اللحظات فقط!

حتى القليل ممن حافظ على مبدأ الكلمة الطيبة وُوجه بمدافع رشاشة ممن حوله، ذاك يتهمه بالنفاق، وذاك بالدهان، وآخر يشك في أن كلامه وراءه مآرب أخرى... وواحسرتاه على امرأة جذبت من حولها أمماً من الرجال والنساء لطيبتها وحسن تعاملها مع الجميع واعتبارها إياهم إخوة قَلَّ وجودهم في هذا الزمن...

عذراً سيدتي... «دعي الرجال للرجال والنساء سواء... ودعي النساء للنساء فقط!» فذاك مبدأ ممنوع تجاوزه في مجتمع شرقي الكلمة فيه للرجل ولو كان لا يقدر على النطق ببنت شفة.

نحن لم نفقد الكلمة الطيبة فقط، بل فقدنا الهبّة والفزعة لنجدة قريب عزيز، فما بالك ببعيد لا تربطنا به صلة سوى أننا سمعنا بمعاناته واكتفينا بمقولة: «مسكين، الله يعينه»... وهنا نحمد الله ان خرجت من فمنا هذه الكلمة ولم نسمع وكأننا لم نسمع وليذهب أخونا في «الباي باي» فما يهمنا نحن به!!

أسمع إلى الآن بمقولة «أهل البحرين أهل الكرم والجود»... فأصادف بطرق باب هؤلاء، مَنْ الكرم والجود سمتان يتميزون بهما عن غيرهم من الخلائق، ولا أملك إلا أن أرثي هؤلاء وأرثي تلك المقولة التي مازالت تحفر في أذهان أبنائنا وهي دفنت مع أهلها الحقيقيين منذ زمن بعيد، واكتسبها آخرون لا يمتون لها بصلة!

قضايا كثيرة ضمتها صفحات «كشكول» تستنجد بأهل الخير والكرم وتستعطف أصحاب القلوب الرحيمة، فلا تخرج من هذا النشر إلا بالحبر والورق والسطور التي حكت المعاناة لاستنهاض صاحب كل ضمير حي فما كان منه إلا أن جعلها «فرشة» تحوي ما لذ وطاب من طعامه!

أتساءل إزاء كل استجداء للمساعدة يصلني ولا أجد له من ناصر ولا معين: هل خلت البحرين من أهلها؟! وُصفوا بالكرم، بنجدة البعيد قبل القريب، بالرحمة والعطف... والآن أحسب هذه الصفات شعارات نرددها ومرادفات لكلمات أجبرنا أنفسنا على حفظها كي نجيب بها على أسئلة الامتحانات!

لا أحسب الديار خاوية من المؤسسات والشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات والتجار والمصارف و... و... و... فالواقع يشهد على وجودهم وتكاثرهم يوما عن يوم، ولكن أينهم من أولئك المنتظرين للدرهم والدينار لا ليسدوا به جوعهم، بل ليحظوا بفرصة في العيش والحياة، أو ليحافظوا على البقية الباقية من إبصارهم ونور عينهم المهدد بالزوال إن لم يتلاحقوا أنفسهم بعلاجه... هؤلاء بينهم وبين تحقيق طموحاتهم والفوز على شبح الموت شعرة، لكنهم عجزوا عن أن يتعدوها كونهم لا يملكون مفتاحها... «الدرهم». ومن يملكه حبسه في خزانته وبعثره على ملذاته واكتفى به لنفسه وخاف عليه من البعثرة التي لا طائل من ورائها فقرر مضاعفته وسط أنظار الطامعين في القليل منه للحياة لا لشيء آخر!!

فقدنا الكلمة الطيبة وفقدنا الكرم وفقدنا الهبّة لانتشال المعوزين من الناس وفقدنا الشعور بآلام الآخرين... فهل خلت البحرين من أهلها؟

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 762 - الأربعاء 06 أكتوبر 2004م الموافق 21 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً