العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ

الاتحاد الأوروبي وليبيا... علاقة المصالح المتشابكة

واقعية شرودر تجلب الغنائم الليبية!

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

إن إلمام المستشار الألماني غيرهارد شرودر بالاقتصاد يفوق إلمامه بالسياسة. ولأنه يسعى جاهداً إلى أن تحصل الشركات الألمانية على عقود تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد في بلده، فقد وجد أن الضرورة تتطلب عقد علاقات شخصية متينة مع بعض زعماء العالم حتى الذين هم موضع جدل.

في الشهر الماضي وقف شرودر يدافع بصلابة عن علاقته الشخصية القوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيدافع حتماً عن الزيارة التي قام بها كأول مستشار ألماني إلى ليبيا. فبلاده تحصل على النفط والغاز من روسيا وتنفذ مشروعات كبيرة في هذا البلد. وتأمل في الحصول على نصيب من العقود الليبية على رغم الشائعات التي تتكهن بأن الشركات الأميركية ستفوز بحصة الأسد.

شرودر رجل واقعي لأنه يؤمن أن مصالح بلاده تتطلب قيام مثل هذه العلاقات ورعايتها والدفاع عنها دائماً طالما أنها تفيد مصالح ألمانيا. حين وصل شرودر ليبيا قرر ترك الماضي وراءه. وحين فاتحه الرئيس الليبي معمر القذافي بعزم ليبيا على مطالبة ألمانيا بتقديم تعويضات للمواطنين الليبيين الذين تضرروا من نتائج الحرب العالمية الثانية وخصوصاً الذين دفعوا الثمن غالياً نتيجة انتشار ألغام وضعتها قوات القائد الألماني الفيلد مارشال رومل في منطقة العلمين، ذكَّر شرودر الزعيم الليبي بأنه ينبغي الآن طي الماضي والتطلع نحو المستقبل.

ألمانيا أهم مستورد للنفط الليبي في أوروبا، تشتري سنوياً ما قيمته نصف مليار يورو منه. وقد وجد شرودر أن عليه عدم التأخر عن زيارة طرابلس للقاء القذافي وخصوصاً بعد أن مهد الأميركيون لذلك بزيارة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي لليبيا، تبعتها زيارة قام بها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، ثم زيارتين متتاليتين لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني.

العودة إلى الحظيرة

زيارة المستشار الألماني تأتي بصورة اعتراف رسمي أوروبي بمسعى القذافي إلى العودة إلى الحظيرة الدولية، بعد أن أعلن تنصله من الإرهاب والقومية العربية وعزمه على عقد علاقات مكثفة سياسية واقتصادية مع الدول الغربية. كما تدل الزيارة على تجاوب الغرب مع رغبة القذافي والاستعداد لمساعدته في تحقيق التحول الجديد الذي طرأ على موقف كل طرف نحو الآخر، مراعاة للمصالح الاقتصادية لكل منهما في المقام الأول. الأمر نفسه ينطبق على زيارة شرودر للجزائر، حيث المصالح الاقتصادية في مقدمة اهتماماته.

ما يميز الزيارتين الخاطفتين لشمال إفريقيا أن شرودر هو أول مستشار ألماني يزور ليبيا، ووجه دعوة للقذافي ليزور برلين حينما تسمح ظروفه بذلك. ويعتقد البعض أنها عائدة إلى اقتراح من وزير الدولة في عهد المستشار الأسبق هيلموت شميت يورغين فيشنيفسكي، والملقب باسم «بن فيش» نظراً إلى صداقاته القوية مع عدد من القادة العرب، فهذا الخبير في شئون الشرق الأوسط، زار ليبيا بعد أن تم التوصل إلى حل أزمتي لوكربي والطائرة الفرنسية التي انفجرت في أجواء النيجر، وحمل حينها رسالة شفوية إلى القذافي من شرودر مفادها أن الأخير مستعد لزيارة ليبيا في حال تم طي صفحة لابيل العالقة. بعد ذلك بوقت قصير جرت مفاوضات في برلين بين ممثلي مصالح المتضررين في حادث تفجير المرقص الليلي في العام 1986 في برلين الغربية وممثلين عن الحكومة الليبية وتقرر أن تقدم الأخيرة ما مجموعه 35 مليون يورو تعويضات للمتضررين على أقساط.

لوحات «سيف الإسلام»!

بعد طي صفحة لابيل لم يعد هناك ما يعوق زيارة المستشار إلى طرابلس. وقبل ذلك بعام فتحت برلين نافذة أمام ليبيا باستضافة معرض للوحات الفن التشكيلي لسيف الإسلام القذافي ابن الرئيس الليبي والذي ترشحه الشائعات لخلافة والده.

سجل القذافي عند الألمان طويل. فقد كان بالنسبة إلى برلين أحد أبرز قائمة ما يسمى في العالم الثالث عداء للغرب. وكانت ليبيا في عهد الملك السابق إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي في العام 1969، بلداً جذاباً للألمان. ثم وقفت ألمانيا في صف الولايات المتحدة حين وضعت الأخيرة القذافي على قائمة الأعداء وسعت في العام 1986 إلى قتله بعد انفجار عبوة ناسفة في ملهى لابيل، واتهمت فيه المخابرات الليبية بالتخطيط للحادث. وغالباً ما كانت توجه أصابع الاتهام إلى شركات ألمانية عملت على تزويد الليبيين بالتقنية اللازمة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل. وكانت الولايات المتحدة و«إسرائيل» قد اتهمتا شركات ألمانية ببناء مصنع (الرابطة) في عقد الثمانينات بغرض إنتاج الغاز السام.

بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 حصل تحوّل على موقف القذافي الذي تنصل في هذه المرحلة من «الإرهاب» ومن «القومية العربية»، ولم يجد حظاً من الزعامة حين لجأ إلى زملائه الأفارقة... فقرّر في الختام السير مع الأقوياء: الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

أحست ألمانيا بهذا التحول حين توسطت ليبيا في عملية رهائن جزيرة خولو في الفلبين ودفعت 25 مليون دولار لجماعة أبي سياف لقاء الإفراج عن الرهائن الغربيين وبينهم ثلاثة من أسرة ألمانية. وشكرت ألمانيا القيادة الليبية على هذه البادرة. تبع ذلك إعلان القذافي التخلي عن أسلحة الدمار الشامل، ثم اكتشف الأوروبيون تحت ضغط أفواج اللاجئين الأفارقة القادمين عبر البحر إلى أراضيهم أنه بوسع ليبيا مساعدتهم وحصلوا على قبول. ويرغب وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي أن تقام مخيمات في دول شمال إفريقيا لإيواء اللاجئين الأفارقة بدلاً من دخولهم القارة الأوروبية. ويقول شيلي إن موظفين تابعين لشئون اللجوء سيدرسون كل حال على حدة.

ويعتقد المراقبون أن الأوروبيين يريدون استخدام دول شمال إفريقيا لسد باب اللجوء كلياً بوجه الأفارقة.

جائزة محاربة الإرهاب

كما تبين للغرب تطور بالغ الأهمية يكمن في تعاون القذافي مع دول الغرب في مكافحة الإرهاب. وضرب القذافي الإخوان المسلمين في بلده بيد حديد، لهذا فإن زيارات أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي ورؤساء حكومات بريطانيا، إيطاليا وألمانيا تعتبر مكافأة للقذافي على نهجه الجديد. أصبحت هناك مصالح مشتركة بين ليبيا والأوروبيين: وضع حد لغزو اللاجئين عبر مياه البحر المتوسط وتطوير صناعة النفط الليبية، كما تريد ألمانيا دعم ليبيا لمسعاها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وتعتزم ليبيا بدورها ترشيح نفسها للفوز نيابة عن إفريقيا بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي!

واستعجلت إيطاليا الاتحاد الأوروبي كي يرفع حظر بيع السلاح لليبيا لأنها زوّدت البحرية الليبية بمعدات متطورة لتمكينها من اعتراض السفن المحملة باللاجئين قبل وصولهم المياه الإيطالية. وهذه هي المهمة التي يعول على ليبيا القيام بها في المستقبل القريب كي تنجح مساعي أوروبا في سد باب اللجوء بوجوه اللاجئين الأفارقة. وهكذا يكون وزير الداخلية الألماني قد نفذ قوله الذي جاء فيه: «ينبغي حل مشكلات إفريقيا على أرض إفريقية».

أما زيارة المستشار للجزائر فإنها اقتصادية بصورة رئيسية. بالتأكيد طلب شرودر من الرئيس بوتفليقة تأييد مسعى ألمانيا إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. وتحتل الجزائر المرتبة الثامنة على قائمة مصدري النفط لألمانيا، لأنه ببساطة الشريك التجاري الأول للجزائر هو المستعمر السابق: فرنسا، مثلما أن الشريك التجاري الأول لليبيا هو مستعمرها السابق: إيطاليا.

ويعتقد المستشار الألماني أن فرصة الشركات الألمانية تكمن في عزم الجزائر على تحديث بنيتها الاقتصادية، وكانت ألمانيا الشرقية أهم مصدر للمكائن للجزائر وهذه المكائن مهترئة. ويريد الاتحاد الأوروبي عوضاً عن ذلك زيادة مساهمته في تحسين الاقتصاد الجزائري لوقاية حدوده من هجرة غير مرغوب بها، فثلثا الجزائريين تحت سن الثلاثين، وثلثهم من دون وظيفة ويحلمون بالهجرة إلى أوروبا

العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً