العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ

الحركة الإصلاحية في بغداد تدعم الحركة التوحيدية في المغرب

المثقفون والسلطة في الأندلس (3)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ترافقت الحركة التوحيدية المغاربية (المرابطون) مع نمو قوة توحيدية إصلاحية في بغداد حاولت استرداد صلاحيات الخليفة وضبط مقاطعات الخلافة في إطار المركز العباسي تتحرك بإشاراته وبالتنسيق معه. وانتعشت تلك التحركات الوحدوية بنمو النهضة الإصلاحية التي بدأ يرعاها السلاطين السلاجقة. في تلك الفترة اعتمد السلطان ألب ارسلان السلجوقي في حركته الإصلاحية على وزيره نظام الملك. وشرع الوزير في بناء المدرسة النظامية في بغداد سنة 457 هجرية ضمن خطة عامة أشرف خلالها على إقامة عشرات المدارس في نيسابور وبلخ وغيرها من المدن بقصد تربية جيل من العلماء والفقهاء يساهم في إعداد مجتمع موحد عقائديا تقوده دولة مركزية بأمرة خلفية واحد بعد أن تعددت مراكز القوى وتوزعت بين بغداد والقاهرة والمغرب والأندلس.

انتهى بناء نظامية بغداد في العام 459 هجرية (1067م) وبدأ التدريس الرسمي فيها ضمن خطة منظمة هدفها نشر المذهب الشافعي وتعليمه. فالوزير نظام الملك كان شافعي المذهب وتوسل من خلال مدارسه تخريج جيل من المتعلمين يساعد على إعادة تأسيس الدولة وتأهيل جيش من الفقهاء والعلماء يعزز سلطة الخلافة ويعيد للخليفة وقاره ودوره في تقرير السياسات العليا.

نجحت خطة الوزير في إطلاق حركة إصلاحية تربوية سيكون لها تأثيرها الكبير في إعادة بناء دولة الخلافة وتأسيس قواعد معاصرة في إدارة الصراع السياسي وإنتاج مكتبة فكرية غنية على مختلف المستويات الكلامية والفقهية والفلسفية.

لم تقتصر الحركة الإصلاحية على تطوير النظام التعليمي بل اعتمد السلطان ألب ارسلان على وزيره نظام الملك في تنظيم دولته وترتيب جيشه. فتركزت السياسة الإصلاحية على إعادة هيبة الدولة ومكانتها معتمدة كما يذكر ابن كثير في تاريخه على «العلماء والفقراء الصلحاء».

وقام الوزير نظام الملك مع السلطان الب ارسلان وابنه ملكشاه بقيادة حملة إلى بلاد الكرخ ففتح الحصون الكثيرة وغنم الأموال. ثم تصدى لحملة حاول الروم (بيزنطيا) القيام بها ضد مركز الخلافة في العام 463 هجرية (1071م). فرد الخليفة على سلطان الب ارسلان بالخلع والتقليد واستقر أمر السلطان على العراق كله.

حصلت تلك الأمور في لحظة دقيقة. فعلى رغم إعادة توحيد العراق كانت الخلافة لا تزال مطوقة بإمارات صغيرة في ضواحي بغداد وجوارها، وتقوم في بلاد الشام عشرات الدويلات (أصحاب المدن) المتنافسة في وقت نجحت مصر الفاطمية في المحافظة على نفوذها في القدس وأجزاء من سواحل الشام واليمن.

إلى ذلك واجهت الحركة الإصلاحية التي باشرها نظام الملك معارضة داخلية قوية ترافقت مع أزمات اقتصادية قبل أن تحبطها لاحقا الحملات الأفرنجية(الصليبية) على بلاد الشام. ويشير ابن الجوزي في تاريخه إلى حوادث اغتيالات كثيرة قامت بها الحركات الباطنية لزعزعة استقرار الدولة من جديد. كذلك يشير ابن كثير في تاريخه إلى مواجهات كلامية بين العلماء وبقايا حركة المعتزلة وإلى وباء شديد اجتاح بغداد وغيرها من بلاد العراق، إذ «غلت أسعار الأدوية، وقل التمر الهندي، وزاد الحر في تشارين، وفسد الهواء» (راجع ابن كثير، البداية والنهاية، مجلد 12، صفحة 98 - 100).

قتل السلطان ألب ارسلان في سنة 465 هجرية (1073م) إلا أن حركة نظام الملك الإصلاحية تواصلت بتجديد التعاون بين السلطان ملكشاه والوزير فعرفت الخلافة حيوية فكرية وسياسية على رغم الصراعات الطائفية السنية - الشيعية والاصطدامات المذهبية بين الحنابلة والأشاعرة التي كانت تقع على فترات متقطعة.

لجأ نظام الملك إلى التعاطي مع تلك الاعتراضات بحكمة وروية حتى لا تضطرب خطة اصلاح الدولة وترتيب أجهزتها وإدارتها. فالوزير السلجوقي كان يؤمن بأن الدولة لا تستعيد هيبتها إلا من خلال هيبة الفقهاء والعلماء وهو أمر دفعه إلى بذل الأموال الطائلة لإنجاح خطته. وفاقت أحيانا موازنة وزارة التربية والتعليم موازنة وزارة الحرب والجيوش بغية إعداد جيل من المتدينين المتنورين يساعد على تخريج دفعات من المتعلمين القادرين على تنظيم إدارات الدولة وتعبئة وإعداد الجيش عقائديا للقيام بمهمات الدفاع عن الخلافة وتنفيذ عمليات خارج الحدود.


الاتصال بحركة المرابطين

لم تتعثر الحركة الإصلاحية حين توفي الخلفية العباسي القائم بأمر الله سنة 467 هجرية (دامت ولايته 44 سنة) إذ تولى مكانه المقتدي بأمر الله (كان في العشرين من عمره) فواصل سياسة والده في الاعتماد على السلاجقة لتعزيز ملكه واستمر في تغطية حركة نظام الملك الإصلاحية ودعمها. (البداية والنهاية ابن كثير، جزء 12، صفحة 123).

بدأت الحركة الإصلاحية في العراق تؤتي ثمارها حين بايعت «دولة المرابطين» في المغرب الخليفة العباسي ونال أميرهم يوسف بن تاشفين الدعم الرسمي من بغداد.

آنذاك كانت بلاد المغرب والأندلس، كما ذكرنا، تمر في عصر التفكك وأمراء الطوائف وأصحاب المدن وملوك الدويلات الصغيرة. فبعد أن انهارت الدولة الأموية وتمزقت إلى إمارات في 422 هجرية، استولت قبيلة زناتة على الساحل المتوسطي من تلمسان إلى البحر المحيط (الأطلسي) واستحكمت قبائل المصامدة (البربرية) في الجبال وصالت لمتونة وجالت في الصحراء وشكلت الفاصل بين إفريقيا وبلاد المغرب.وحين بدأت قبائل لمتونة (المرابطون) حركتها التوحيدية نالت دعما مباشرا من مركز الخلافة العباسية في بغداد وخصوصا عندما أعلنت تبعيتها للخليفة العباسي المقتدي بأمر الله الذي بويع في سنة 467 هجرية.

رفض أمير دولة المرابطين يوسف بن تاشفين لقب «أمير المؤمنين» حتى لا تحصل ازدواجية في المرجعية السياسية واكتفى بقبول تسمية «أمير المسلمين» وهي صفة تعطيه مسئولية الولاية الإقليمية بينما تبقى المرجعية الأولى للخليفة العباسي. وحرص ابن تاشفين بعد حصوله في سنة 479 هجرية (1086م) على «الخلع والإعلام والتقليد ولقبه بأمير المسلمين» كما يذكر السيوطي في تاريخه (ص 424) على إبلاغ مركز الخلافة في بغداد بمختلف التطورات وكان يطلب من أهل الفتيا في المشرق تقديم الغطاء الشرعي لخطواته، وأحيانا كان يستفتي المراجع الشرعية في كل موقف أو مبادرة لتأكيد الولاء الديني للسلطة المركزية وإضفاء الشرعية على وكالته السياسية المحلية للدولة الكبرى.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً