العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ

السياسة والتفاحة التي أخرجتنا من الجنة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

بالأمس تم نشر خبر في صحيفة «الحياة» عن الانتخابات العراقية المزمع عقدها بعد 100 يومٍ من هذا التاريخ. الخبر مفاده أن هناك انقساماً حاداً بين المجتمع العراقي على طبيعة المشاركة والمقاطعة في البرلمان القادم. بعض خطباء الجمعة يقولون ويتوعدون الممتنع عن الانتخاب بنار جهنم، وفي المقابل آخرون يرون في الاقتراع تحت ظل الاحتلال المعصية بعينها.

إشكال التقسيم الحاد يعكس ثقافة التسطيح التي تعيشها مجتمعاتنا. والسؤال المهم: ما دخل الجنة أو النار في الانتخابات، ومن أعطى هؤلاء صلاحية الفرز هذه؟ والسؤال الأهم: هل هم يمتلكون يقينية الوصاية على الجنة أو النار؟ مفاتيح الجنة والنار سلاح يستخدم في السياسة كأسلوب ترهيب للأطراف المتنازعة وللضحك على ذقون البسطاء من الناس. وهذا يذكرني بما حدث في مصر، ففي فترة عبدالناصر خرج علماء دين يرون في حرب عبدالناصر وفي الاشتراكية طريقاً للوصول إلى الجنة، والصلح مع «إسرائيل» خيانة. في عهد السادات تورط بعض رجال الدين أنفسهم بالإفتاء بوجوب الصلح مع «إسرائيل» وان عدم الصلح يدخل الناس إلى النار وهكذا هي العملية. في السياسة لا يوجد أسود أو أبيض هناك منطقة رمادية، هناك واقعية، هناك مراكز قوى، هناك تحالفات، هناك قواسم مشتركة... والزج بالدين في كل صغيرة وكبيرة لعمليات الفرز الحاد تهرّب الناس من الدين، لأن الفتوى ذاتها في السياسة قد تباد بفتوى أخرى ومن مرجعية أقوى وهكذا هي العملية، وإلا - وأبيك - ما دخل الوجوب في المشاركة في انتخابات العراق والتهديد بنار جهنم أو العكس بالنسبة إلى المعصية... في الزمن السابق كان دخول المرأة للمدرسة أو الجامعة يعتبر من الموبقات وعملاً من عمل الشيطان، وكان مجرد القراءة في مجلة فكرية أو السماع لراديو يعد خروجاً عن الدين.

أصبح بمقدور أي مثقف عادي مبتدئ أن يفتي في الدين وأن يفصل ثياب الاستبرق من الحرير لمن يريد إدخالهم إلى الجنة وثياب النار لمن يريد إدخالهم إلى النار. الظاهرة في ازدياد وهي مخيفة ومرعبة وباتت تشكل قلقاً حتى على الإسلام. وما نشاهده من عمليات ذبح يومية في العراق دليل على ذلك. ظواهر التكفير في السياسة وفي القضايا الاجتماعية آخذة في الاتساع وأصبحت تباع على الناس كما تباع صناديق البرتقال. تفجير الآمنين من الناس، قتل المدنيين، قطع الرؤوس هي طرق للوصول إلى الجنة. وظاهرة التطرف الفكري والانغلاق على الذات وادّعاء احتكار مفاتيح الجنة أصبحت منتشرة لدى كل التيارات الإسلامية وإن كانت بنسب متفاوتة. بالأمس خرج علينا الشيخ صبحي الطفيلي بخطابه المتشنج، وراح يشكك في نيات رفاقه والمقاومة والسيدحسن نصر الله الذي قدم ابنه فداءً للقدس... كل هؤلاء وضعهم في سلة التخوين... هكذا وبكل بساطة ويالحُسن الصدف ان من الأمور التي غيّرت وأدت إلى انقلابه الحاد هي دخول حزب الله في اللعبة البرلمانية تماماً كما يحدث الآن في العراق.

المسلمون يجب أن يعتمدوا نظام الشراكة في تعاملهم، فيجب ألا يكفروا بعضهم بعضاً في قضايا سياسية بحتة وأن يفكروا في ترسيخ الخطاب الوسطي المعتدل الواقعي المتوازن، فالجنة ليست استوديو هوليوود للاستعراض والأكشنات، ومن يدّعي أنه يمتلك مفاتيح الجنة فليرنا مفتاحه الشخصي الذي سيدخله إليها... وأكثر ما يخيفنا قول الله تعالى «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» (الكهف:104). الإنسان المؤمن في قلق دائم على المصير والخاتمة... الجنة تحتاج إلى عمل وميزان ومشروعات كبرى تزرع في الدنيا وتثمر في الآخرة. الجنة وضعت للمؤمن والرسول (ص) يقول: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف». هناك ضوابط ومعايير وضعها الله للإنسان لدخوله الجنة فليطبقها الإنسان أولاً على نفسه ومن ثم يلتفت إلى الناس ليوزع عليهم الصكوك.

عوداً على بدء، أقول: إن موبقة التكفير الحاد بين المسلمين أنفسهم وتارة في البيت الواحد هي أساس ضعفهم وسقوطهم، فيا خطباء العراق، رحمة بأنفسكم، دعوا الناس تختار طريقها بالسلب أو بالإيجاب بعيداً عن التكفير والتخوين واقبلوا اللعبة الديمقراطية فلا تسبوا دكتاتورية الحكام ثم تتورطون فيها، فالحركات التحررية في العالم العربي علمتنا أن من كانوا في صفوف المعارضة وكانوا يبيعون الناس حلم الثورة أصبحوا أشد قمعاً عندما وصلوا إلى السلطة حتى أصبحت المعزوفة تتكرر، وبدأت الثورة تأكل أبناءها ولنا في الثورة الفرنسية خير مثال. فنابليون كان يقول: «الثورة يبدأها الحكماء ويضيعها الجهلاء، ثم يجني ثمارها الجبناء». وتلك هي قصة العراق في السابق ولولا حكمة السيد حسن نصر الله في لبنان، لأضاع الشيخ صبحي التضحيات. أصبح البرلمان العراقي هو التفاحة التي قد تخرجنا أو تدخلنا الجنة. حرام عليكم، رفقاً بالدين

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً