العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ

سعادات الوزراء... سعادات النواب!

100 «ألف عقرب وثعبان»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما يرويه القدماء، أن صديقين ذهبا إلى زيارة الأماكن المقدسة، وفي الطريق نزل ملك الموت فاختار أحدهما، واحتار الآخر مع صاحبه. ولم يكن له بد من تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في تلك الصحراء. وأكمل الرجل طريقه حتى انتهى من الزيارة وعاد إلى الوطن. وفي قريته زار منزل الصديق ليخبر أهله بالنبأ الحزين ويعزيهم، وليسلمهم بقية أمواله ومقتنياته.

ومرّت الأعوام، حتى رآه ذات ليلةٍ في الحلم جالساً على شفير حوض، ورجلاه متدليتان في الماء، وتخرج حيتان تنهشان أطراف أصابع قدمه. فدنا منه وسأله عن حاله فقال: «كما ترى، يخرجونني من الصباح إلى هنا وتخرج الحيتان تنهشان أطراف أصابعي حتى تغيب الشمس، ثم يعيدونني إلى مستقري. فهل تذكر «العزيمة» (دعوة العشاء) في بيت فلان؟»، فأجابه: نعم، فقال: «في تلك الليلة، كنت سرقت من على المائدة سكيناً، وهي الآن في «الروزنة» (الكوة) الفلانية من منزلي، فاذهب يرحمك الله إلى والدتي فهي تثق بك، وقل لها أن تعطيك السكين وأعدها إلى أصحابها واطلب العفو منهم لأستريح».

استيقظ الرجل مفزوعاً، وفي الصباح نفّذ وصية صاحبه المعذّب وأعاد السكين المسروقة إلى أصحابها. بعد أشهرٍ زاره الصديق في الحلم مرة أخرى وقال له: «لقد أنقذتني، أنقذ الله رقبتك من النار».

هذه القصة مرويةٌ في بعض كتب التراث، ومثلها كثير لمن يقرأ ويعتبر ويريد الصلاح والإصلاح. والعبرة الكبرى فيها أن حيازة سكين ليست لك قد لا يزيد ثمنها على ربع دينار، قادت إلى كل هذا العذاب، فكيف إذا كان وضع اليد على مبلغ 25 أو 50 أو 100 ألف دينار، يتسلمها الوزراء أو الوكلاء أو المديرون من أموال هذا الشعب؟ بأية صفة وتحت أي بند أو قانون؟

فليرتفع الدخل العام إلى أعلى مستوى، ولنبع النفط بسعر خمسة وخمسين دولاراً، ولكن هذا لا يبرّر توزيع أموال البلد بهذه الصورة. وإذا كانت هناك رغبةٌ في توزيع المال «الفائض» فليكن عبر طرق عادلة ومتساوية، وليبدأ التوزيع بالأسر الأكثر فقراً، فهؤلاء هم المحتاجون لرفع مستواهم المعيشي وإنقاذهم من بؤرة الفقر والحاجة والمسكنة.

صراع اللحية والدينار!

نحن بحاجة إلى إشاعة ثقافة «الرشد المالي»، القائم على العدل في التوزيع، ووضع الدينار في مكانه لكيلا تتأصل حالات الفساد المالي والإداري المستوطنة. هذه الثقافة لا تترك لك المجال لقبول أموال ليست من حقك، تعرف جيداً أنها ملك عام من أموال الناس، فإذا أكلتها فإنما تأكل في بطنك ناراً. لسنا في مجال الوعظ الديني وإلقاء المحاضرات، لأن الموضوع، زاد عن حده، فبالأمس القريب تمت «هبة» النواب الأفاضل، مبلغ 10 آلاف دينار، من دون وجه حق، اقتطعت من أموال هذا الشعب، بدعوى تعويضات حملاتهم الانتخابية، وعندما «صادوهم» خرجوا لنا بفتاواهم العابثة، فمنهم من قال إنه سيعيد المبلغ إلى الجهة «الكريمة» التي حوّلته إلى حسابه، ومنهم من تمسّك بـ «حيلة شرعية»، وذلك بالتبرع بجزء من المال إلى الجمعيات الإسلامية والصناديق الخيرية، تبرئة للذمة الرقيقة وهروباً من الإحراج الذي سبّبته لهم الحكومة. هذا، والكثيرون يتأثمون من تقصير اللحى سنتيمتراً واحداً، ولكنهم لا يتأثمون من تسلم هذه المبالغ الطائلة من أموال الناس.

بعدها «وهبتهم» الحكومة مبلغ 750 ديناراً بدل مكتب، والغالبية العظمى لم تفتح لها مكتباً حتى هذه الساعة.

نحن بحاجة إلى تجنب سياسة الهبات والعطايا، وتبديد الثروات العامة من أجل إرضاء شريحة من المجتمع لا يزيد عددها على 5 في المئة مقابل إغضاب وتأجيج مشاعر 95 في المئة من الشعب، ينام على أزمة سكانية وبطالة مرتفعة وتدهور الخدمات التربوية والصحية، فإذا استيقظ، استيقظ على أخبار 100 ألف دينار لأصحاب السعادة الوزراء، و10 آلاف لأصحاب السعادة - أيضاً - النواب.

إن مثل هذه المبالغ التي يجرى تبديدها بهذه الصورة من الحري بها أن توجه للتخفيف من مشكلات المواطن الذي ينتظر السكن 15 عاماً. فمبلغ الـ 100 ألف دينار يكفي لإنشاء عمارة سكنية لإيواء عشر عوائل مأزومة. فإذا ضربنا المبلغ في 40، عدد الوزراء الحاليين والسابقين، فاحسبوا بأنفسكم كم عمارة سكنية يمكن تشييدها بهذه الأموال العامة؟

وبعيداً عن العمارات والشقق، يبقى السؤال موجهاً إلى أصحاب السعادة الوزراء، وأصحاب السعادة - أيضاً - النواب: إذا كانت قيمة السكين ثعبانين ينهشان أصابع القدم من الصباح إلى المساء، فكم حية وعقرباً تعادل الـ 100 ألف دينار أو الـ 10 آلاف دينار؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً