العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ

نموت ولا نراجع وزارة!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

كثيرا ما يتذمر المواطنون من كثرة الإجراءات الروتينية عند تخليصهم أبسط المعاملات في وزاراتنا الحكومية... حتى بات الكثيرون منهم يصفون يومهم الذي فرض عليهم في مراجعة إحدى هذه الوزارات بأنه أسوأ يوم في حياتهم، وبعضهم فضل تعطيل معاملته ونسيان مصالحه على مراجعة وزارة سيذوق فيها المر قبل ان تتم معاملته فلينج بنفسه من صداع الرأس وليذهب كل شيء آخر إلى الجحيم!

تذهب إلى وزارة الإسكان فتحول من مكتب إلى مكتب ومن طابق إلى آخر، وفي النهاية تعطى بطاقة للمراجعة أنصحك بتغليفها بورق بلاستيكي حتى لا تذوب بفعل تراكم السنين واستنزاف عمرك في مراجعة الوزارة... تنتقل إلى وزارة العمل وتقضي يومك صاعدا نازلا في تمرينات رياضية لاشك أن ستخسر من ورائها كيلوغرامات من وزنك!... وزارة التربية تتقدم إليها فور تخرجك بشهاداتك وأوراقك الرسمية وعند استدعائك بعد مضي سنوات لتكملة إجراءات التوظيف ستقول «ما يسوى علي»، إذ عليك تقديم أوراقك من جديد وملء استمارات وتعهدات وفوق ذلك عليك إحضار ملف تشتريه من جيبك كي تحفظ الوزارة أوراقك فيه! في البلديات هذا يرميك هنا وذاك يحولك إلى هناك والمصيبة إن اختلطت الأمور فما عاد الموظفون فيها يميزون بين ما هو من اختصاصهم وما هو من اختصاص وزارة الإسكان فرحلتك ستطول هذه المرة وسيكون عليك التنقل بين الوزارتين في مشوارين أو ثلاثة أو أكثر ويا عالم متى ستنهي هذه المعاملة! وجهاز الإحصاء... حدِّث ولا حرج فعلى العناء سابق الذكر أضف إلى حساباتك اقتطاع ما يزيد على ساعتين من وقتك للحصول على موقف لسيارتك وما يزيد على ثلاث ساعات لتجديد بطاقتك! أما وزارة الصحة فإن كنت تصارع الموت فعليك بالبحث عن ملفك الخاص بنفسك وستكون محظوظا جدا إن لم يكن مفقودا! وهكذا دواليك من بلاوي المراجعات في بقية الوزارات!

ما نعرفه أن مملكتنا كانت تتقدم دول الخليج فيما يخص النظام الإداري في الوزارات حتى أن تلك الدول كانت تبعث بمندوبيها للتوقف عند تجربة البحرين والاستفادة منها... واليوم نرى أن التلاميذ تفوقوا على أستاذهم فقط لأنهم سايروا العصر وتطوره ولم يبخلوا على وزاراتهم بالتزود بأحدث وأرقى الأجهزة التكنولوجية وبقينا نحن على غير العادة محافظين على الإرث القديم (الورق والقلم وأختام دلمون وارشيف يغص بكم هائل من الملفات حتى حول إلى مقبرة لها جراء ما تراكم عليها من تراب وليس غبارا) وإن زودناها ببعض الأجهزة فلا يتعدى استخدامها إدخال بيانات بسيطة يشرف عليها موظفون بينهم وبين التكنولوجيا باع طويل!

34 ألف موظف (وهذا المصرح به فقط) تغص بهم 24 وزارة ومازالت الإجراءات هي هي!... 34 ألف موظف يستنزفون ثلثي عوائد النفط! سبعون في المئة من خيرات نفطنا تذهب إلى هؤلاء وهذا يجعلنا نبحث عن الجديد الذي يقدمونه، عن جودة الإنتاجية... وبالمقارنة بهذا العدد المهول سنجدها صفرا!

غالبية من التحقوا بتلك الوزارات وجدوا فيها الضمان للحياة ماديا ووظيفيا وأخيرا مكرمة، متناسين عقولهم التي أبى القائمون على تلك الوزارات تطويرها والرقي بها لجعلها مواكبة للعصر وحصرها في بوتقة الروتين القاتل، ما جعل هؤلاء ينفرون من الشغل وينفرون مراجعيهم منهم ومن الوزارة التابعين لها!... والعتب ليس على هؤلاء الغلابة الحافين وراء لقمة العيش بل على النظام الإداري في تلك الوزارات التي يلهث وراء الالتحاق بها كل باحث عن عمل وسط حقد القطاع الآخر الذي بات بعض المنضمين إليه يلعنون اليوم الذي لم يلتحقوا فيه بالحكومة! ويبقى السؤال قائما: هل استثمر هؤلاء الـ 34 ألف موظف فيما يعود على البلاد بالنفع والفائدة أم أنهم يشكلون عبئا على البحرين عموما وعلى الاقتصاد خصوصا؟!... أما آن الأوان لنقف عند أسباب تراجعنا ونحاول بجد استعادة العرش الذي ضيعناه بسوء إدارتنا لأمورنا؟... فإلى ذلك الحين سنبقى نردد «نموت ولا نراجع وزارة»

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً