العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ

أبعاد السياسة الأميركية وتحدياتها... حالة دول مجلس التعاون (2 - 2)

علي خليفة الكواري comments [at] alwasatnews.com

مفكر قطري

ما محددات الخيارات المتاحة لحكومات المنطقة؟ في ضوء سياسات الولايات المتحدة وحلفائها هذه. في البداية لابد من التأكيد على أن حكام المنطقة من حيث التكوين النفسي والقيم وربما التطلعات العامة لا يختلفون كأشخاص عن بقية المواطنين. وهم يشعرون بالضغوط وربما الضيق كأفراد ولكن سياسة المقايضة لها أحكامها.

وإذا أتيحت فرصة الجلوس مع أحدهم فإن السامع لا يجد فرقا كبيرا بين كلامهم وما يمكن أن يقوله عن تردي الوضع العربي والإقليمي وتداعياتهما المستقبلية، ولكن ذلك الكلام ينطبق عليه القول السائر «أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أتعجب». وربما تكون تلك المفارقة بسبب شدة الضغط الخارجي وغياب الطلب الأهلي الفعال على الإصلاح. وإلى أن ينمو ذلك الطلب الأهلي على الإصلاح بالقدر الذي يحسب له الحاكم حساب ويصبح لديه مبرر يستطيع أن يوظفه لتخفيف ضغط الخارج إن هو أراد الفكاك، فإن الوضع لن يتغير وكلفة تلبية الضغط الخارجي على الحاكم اقل بكثير من كلفة مواجهته.

ولعلنا نتذكر حالات معدودة خالف فيها الحكام «نصيحة» الدول التي تفرض حمايتها على بلدانهم وكان عقابهم حجب المعلومات الاستخباراتية عنهم وتهديدهم برفع الحماية ونزع غطاء التعتيم على تجاوزاتهم وسلطتهم المطلقة وصولا لعزل بعضهم بطريقة أو بأخرى.

وجديرٌ بالملاحظة أن أرادة الحكام تتأثر بحالة النهوض العربي والوفاق الشعبي على الإصلاح.

وقد كانت إرادة الحكام في مقاومة الهيمنة والانحياز للمصالح الوطنية أقوى عندما كان الوضع العربي الشعبي أفضل والنظام العربي أكثر تماسكاً، والعكس صحيح.

وكذلك تكون استجابة الحكام للمطالب الوطنية ملحوظة حتى وان اعترضت على قيام حركات وطنية، عندما يكون أفراد الشعب وجماعاته موحدين في مطالبهم ومصرين على العمل من أجل تحقيقها، ومثال ذلك نجدها في كل بلد عربي، وقد أكد على ذلك اللواء المتقاعد محمد بن صنيتان في دراسته القيمة عن النخب السعودية الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية.

ولكن النظرة الواقعية اليوم تشير إلى أنه بالرغم من إمكانية الحكومات الحد من مطامع الدول الحامية نظريا، فان الحكام يخشون رفع غطاء الحماية عنهم شخصيا ويعملون له ألف حساب.

من هنا فإن الإشكالية التي تواجه الحكام تحتاج من الأفراد والجماعات التي تنشد التغير أن تتوحد في الأخذ بيدهم والصدق والصراحة في مواجهتهم، لما فيه مصلحة الحاكم والمحكوم والوطن.

وقد ذكر احد الحكام أمام جمع كنت من ضمنهم؛ أنه تعلم الدرس مما أصاب المعترضين من الحكام من أسلافه عندما تجاهلوا «نصيحة» الدول الحامية. كما ذكر حاكم آخر أن تاريخ الأسرة يشير إلى أن أياً ممن حكموا في بلده لم يأت برضا الحاكم السابق.

وإذا أضفنا ثمن المقايضة التي يضمنها من يستمع إلى «النصيحة» من الحكام، بإطلاق يده في التصرف المطلق في الشأن والمال العام مقابل استجابته، فإننا نعلم مغريات بقاء الوضع على ما هو عليه، وندرك محددات خيارات الحكام في ضوء استمرار ضعف المجتمعات وعدم قدرة الجماعات الساعية للتغيير على تنمية قواسم وطنية مشتركة وتوحيد مطالبها في حركة فاعلة تجعل الحاكم ودول الحماية الأجنبية تأخذها في الاعتبار عند تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة المؤثرة عليها.


الوفاق الأهلي مدخل التغيير

وغني عن القول إن وجود الهيمنة الخارجية وحقيقة الاعتماد المتبادل بين أطرافها وبين الحكام، يجب ألا يعني التسليم بالهيمنة الداخلية والخارجية والاستكانة لهما. فذلك ليس خياراً لشعوب المنطقة التي ضاعت عليها فرص التنمية الحميدة حتى الآن.

كما يتعرض بعضها لتداعيات «تنمية الضياع» بسبب استمرار أوجه الخلل المزمنة وعلى الأخص تفاقم الخلل السكاني في الإمارات وقطر والبحرين، التي بدأت تدخل مرحلة التوطين لكل من يشتري أو ينتفع بعقار وتسير إلى نموذج سنغافورة. ومن ثم تمهد للانتقال إلى مجتمع متعدد الثقافات والديانات والأعراق لغته الانجليزية ومجتمعه معسكر عمل، وأهم متخذي القرار في القطاع العام والخاص من غير المواطنين، ولا يمثل المواطنين في بلدهم سواء أقلية هامشية ضعيفة (10-20 في المئة)، سوف يتراجع دورها بمجرد أن ترفع عنها الحماية الإدارية والقانونية التي تتمتع بها في الوقت الحاضر.

والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن المستقبل قادم وأسوأ خيارات شعوب المنطقة أن تقف متفرجة عليه، بل يجب عليها أن تتحرك - كل حسب قدرته - لتأمين المصير بالرغم من كل المثبطات، وكسب المستقبل لصالح استمرار مجتمعاتها الأصلية وتنمية قدراتها لتكون التيار الرئيسي الذي يحافظ على الهوية العربية – الإسلامية للمنطقة ويعمل على تامين مستقبل الأجيال المتعاقبة من خلال عملية تنمية حميدة.

ولعل رفع شعار الحفاظ على الهوية وتحقيق التنمية والاهتمام بالجانب المظهري منهما، يمثل مؤشراً على شعور الحكام بتجاوز الأوضاع في المنطقة لما يمكن الدفاع عنه.

كما يقول البعض إن إدارة الرئيس أوباما وغيره في الغرب، ممن رفعوا شعار التغيير قد يكونون أكثر استجابة لمطالب شعوب المنطقة وأقل عدائية تجاه وجودهم باعتبارهم التيار الرئيسي في بلدانهم، إذا سمعوا صوتا شجاعا ومؤثرا من أهل المنطقة.

من هنا فإن إدراك الأفراد والجماعات من أبناء المنطقة لخطورة الوضع الذي يتعرضون له، في ضوء سياسات الولايات المتحدة وحلفائها التقليدين وفي طار السلطة المطلقة لحكامها ومحددات خياراتهم تجاه القوى الخارجية، يوجب عليهم التفكير العميق في أسلوب تعاطيهم مع متطلبات الأمن والنماء وضرورات تامين مصير مجتمعاتهم والحفاظ على هويتهم الجامعة.

وهذا الإدراك لن يكون فاعلا إلا بعد أن يتوافق الأفراد والجماعات التي تنشد التغيير - على المستوى الأهلي والمستوى الرسمي - على قواسم وطنية مشتركة تسمح بنمو حركة وطنية في كل دولة وعلى نطاق مجلس التعاون، حركة تدعو إلى تجسيد مجلس التعاون في اتحاد فدرالي ديمقراطي ربما على نموذج ماليزيا من حيث الوحدة والديمقراطية، وتتبنى من اجل تحقيق ذلك مشروعا للإصلاح الجذري من الداخل، مشروعا يبدأ من تصحيح أوجه الخلل المزمنة في المنطقة والمتمثلة:

أولا: في خلل العلاقة بين السلطة والمجتمع.

ثانياً: تفاقم الخلل السكاني.

ثالثا: الخلل الاقتصادي واستمرار الاعتماد على صادرات النفط.

رابعاً: الخلل الأمني الذي يتمثل في تأزيم أمن المنطقة وتجير قرارها للدول الغربية وشركاتها واستشاريها، أصحاب المصالح المشروعة وغير المشروعة في المنطقة والعالم.

إن كسب المستقبل وتأمين المصير ضرورة حيوية لشعوب المنطقة. واتجاه المستقبل سوف يتحدد في ضوء الأدوار التي سوف يلعبها ثلاثة فاعلين:

أولها: الحكومات.

ثانيها: القوى الخارجية.

ثالثها: شعوب المنطقة.

والدور الضعيف حالياً هو دور الشعوب، لأسباب تاريخية نتيجة الشعور بالعجز والقابلية للاستسلام ومن ثم الانصراف إلى المصالح الشخصية الضيقة، وبسبب شقاق الفكر وتفرق الكلمة والعجز عن تنمية قواسم وطنية مشتركة بين التوجهات الإسلامية والتوجهات الوطنية بكافة أطيافهما.

وعلى المدركين لهذه المخاطر المصيرية من أبناء المنطقة مهما قل عددهم، واجب استنهاض دور الشعوب لتحمل مسئولياتها التاريخية.

والبداية الناجعة لذلك التحرك تكون بنبذ الشقاق بين الأفراد والجماعات التي تنشد التغير وتغليب عوامل الوفاق بين الأفراد والجماعات ذات التوجهات الوطنية والتوجهات الإسلامية وداخل أطياف كل منهما، ومن ثم العمل على مقاربة التوجهات والتوافق على قواسم وطنية جامعة، من اجل تفعيل دور شعوب المنطقة وتنمية حركات وطنية أصلاحية في كل بلد يحترمها الخارج ويأخذها الحاكم في الاعتبار عند تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة.

إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"

العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً