العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ

هل ما يجري حدث عابر؟!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

لا يمكن اعتبار ما يحدث من محاولات لتقييد الحريات العامة بإعادة إحياء بعض القوانين القديمة، وإشاعة جو من الكبت وتكميم الأفواه، الذي يذكرنا بالماضي السبعيني والثمانيني والتسعيني المظلم، أمراً طبيعياً وحدثاً عابراً.

هناك من ينفخ في اتجاه توسيع الحريات بمزيد من الحريات، وهناك من يفرمل ما تمتع به الناس من حريات ويتراجع عنها بشكل استفزازي، وفي مقابل ذلك هناك من يريد شحن بطاريته التي أصابها العطب بشحنة تفاؤل متمثلة في محاولة تصديق ما يريد تصديقه «سلباً أو إيجاباً» ضمن أجندة خاصة تقاس بمقاييس صيغة: «لا تفني القطيع ولا تميت الذئب»!؛ وهكذا يستمر «جدل بحريني - بحريني على أيهما أفضل الشعري أم الهامور؟!».

منذ اعتقال الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة وحل مركز البحرين لحقوق الإنسان ومصادرة أمواله ووثائقه وختمه بالشمع الأحمر، ومن ثم إغلاق نادي العروبة الثقافي الذي أعيد فتحه بعد 28 يوماً من الإغلاق المؤقت بتوافق «رسمي - عروبي»، وكذا الحال بالنسبة إلى المجلس العلمائي وما طرح عنه من «مخالفة شرعية دستورية»، أضاف إلى الجدل جدلاً آخر وكأنه طلقة مدوية وجدت صداها الواضح، لتضاف إلى الملفات الأخرى الخطيرة الموقوتة، مثل ملف التخريب البيئي وردم البحر والخلجان وتقسيماته غير العادلة، والملف الدستوري، والتجنيس، والبطالة والفقر، والفساد الإداري والمالي والحوار الوطني... إلى آخره.

منذ ذلك التاريخ (24 سبتمبر) وما قبله من تراكمات، والديمقراطية تنزف، وتستخدم ضدها كل وسائل القتل قسراً وقهراً بوعي أو من دون وعي، ويزيد من ذلك القتل بسكين حماته المفترضين من المزايدين وأصحاب اللغة المرتبكة التي لا تعرف ما تريد وإلى أين تتجه؛ فهي «مع الشيء وضده في آن»؛ وهذه اللغة بتنا قضاتها، تقيس الحراك السياسي بمفاهيم غير مفهومة على طريقة: «حلال لها حرام على غيرها!»، وسأستشهد عوضاً عن ذلك بأمثلة حية مررنا بها حول مسيرات السيارات «الرياضية والسياسية» وكيف تتعامل وزارة الداخلية «شرطة المرور» مع الاثنتين على رغم أن كلتيهما تربكان السير:

في الرياضة؛ تكون مسيرات السيارات «ظاهرة طبيعية» تعبيراً عن الفرح عندما يفوز منتخبنا لكرة القدم أو الطائرة أو السلة، فتنطلق السيارات من كل حدب وصوب فتعطل السير وتربكه بحركات صبيانية مقززة، وحدث ذلك مئات المرات، لكننا لم نسمع أن إدارة المرور استدعت «المخالفين واتخذت حيالهم الإجراءات القانونية، بحسب المادة 80 بند 9 من قانون المرور رقم (9) للعام 1979 واللائحة التنفيذية والقرارات المنفذة التي تنص بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من تعمد تعطيل حركة المرور في الطرق العامة أو إعاقتها، وأنه يتم استدعاء المخالفين لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم تمهيدا لعرضهم على النيابة العامة».

سياسياً، ينطبق الشيء ذاته، عندما يخرج الناس بسياراتهم فرحين بإنجاز سياسي للبحرين مثل الإنجاز الرياضي، وحدث ذلك في مسيرات الفرح بكسب قضية حوار في محكمة لاهاي، وبعد التصويت في استفتاء الميثاق الوطني، والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، فترة الاندفاع الأولى للمشروع الإصلاحي الذي غيّر مزاج الناس 180 درجة آنذاك صوب التفاؤل، في حين لا أحد يسأل كيف وصلت الأمور للحال التي تسيّر فيها مسيرات تعبر عن رأي مخالف فتتصدى لها وزارة الداخلية بسحب القوانين القديمة من الأدراج لتنفيذها في العهد الجديد الذي أجاز لنا قول ما نشاء سلمياً وبحضارية، وقت ما نشاء في إطار اللعبة السياسية التي من المفترض ألا تخشى على نفسها من حرية الآراء وتعددها في المرحلة الانتقالية.

في حوار أجرته وكالة «فرانس برس» مع وفد منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان الذي زار البحرين في مارس/ آذار 2001 بعد التصويت على الميثاق، عبر رئيس الوفد برترام براون عن أمل منظمته في تعديل بعض القوانين في البحرين «لتتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان»، وبعد إشادته وتقديره للخطوات التي اتخذتها البحرين من «العفو العام وإلغاء قانون أمن ومحكمة الدولة وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين»، أكد أن «ثمة الكثير يتعين عمله في المستقبل»، وأن منظمة العفو مستعدة لتقديم المساعدة في مجال نشر ثقافة حقوق الإنسان في البلاد.

وحقيقة، نحن بحاجة ماسة إلى ملاءمة بعض القوانين ليس مع المعايير الدولية فحسب، بل وتماشيها مع العهد الجديد لا أن نحكم بقوانين قديمة تطبق بحسب مزاج المسئول ويستخدمها يوم تكون مصلحته معها، وليس مصلحة الوطن وإنسانه وكرامته.

وللحكيم الصيني كوان تسو الذي عاش في القرن الخامس ق. م مقولة مفادها: «إذا كنت تخطط لسنة فازرع بذرة، وإن كنت تخطط لعشر سنين فاغرس شجرة، وإن كنت تخطط لمئة سنة فعلم الناس. عندما تزرع بذرة واحدة تحصد حصاداً واحداً، وعندما تعلم الناس ستحصد مئة حصاد».

ترى كم نحن بحاجة لتعلم الديمقراطية حتى نتطور بشكل طبيعي دون نكسات وانتكاسات؟

العدد 787 - الأحد 31 أكتوبر 2004م الموافق 17 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً