العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ

حبل التبريرات الأمنية قصير

«لو ترك القطا لنام»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام 1997، كان موكب العزاء التقليدي في إحدى المناسبات الدينية بالبلاد القديم يوشك أن يكمل دورته ويعود إلى مأتم أنصار الحسين. وقبل أمتار من وصوله هناك انبرى صبيٌ من الأشقياء لم يكن يبلغ حينها أربعة عشر عاماً إلى دورية من دوريات الشرطة وأخذ يشتم رجال الشرطة المسلحين بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع. ولأن الأجواء حينها كانت معبأة فما كان منهم إلاّ الاستنجاد بمركز الشرطة القريب، وسرعان ما هرع عدد من سيارات الشرطة إلى مكان «الجريمة»، وبدأوا بإطلاق ذخيرتهم من مسيلات الدموع على الناس الغافلين المذعورين تحت هول المفاجأة، ثم ترّجلوا من سياراتهم ونزلوا إلى المأتم بعد أن تفرّق الناس، وأخذوا يحطّمون مقتنيات المأتم من ثلاجات وثريات ومصابيح وأبواب، ولم يكتف الشرطة الغاضبون بذلك، وانما سارت دورياتهم الراجلة بعد ذلك في شوارع القرية وأخذوا يحطّمون زجاج السيارات الأمامية والخلفية والجانبية، وكانت سيارتي وسيارة المرحوم والدي ضمن الضحايا الأربعين! ولم يكتشف الناس آثار «الواقعة» إلاّ بعد انجلاء الظلام.

هذه الواقعة يذكرها أهل المنطقة بكثيرٍ من الغضب، وخصوصاً أنها كانت تمثل تعدياً على أحد أماكنهم الدينية التي لم تراع قوات الأمن لها حرمة في بلد مسلم. ولاشك أن هناك «تبريرات» لمثل تلك الاجراءات التعسفية الغليظة لدى بعض المدافعين الشرسين عن الحكومة وسياساتها حتى الخاطئة منها في فترة سيادة «أمن الدولة»، لكن أن ينبري البعض في عهد الاصلاح إلى التصفيق للاجراءات الجديدة التي تنوي الحكومة القيام بها على طريق الحد من هامش الحرية وتقييد الاجتماعات العامة وفرض قوانين أمنية جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا موضع إشكالٍ كبير على هؤلاء. وفي الوقت الذي يشهد الجمهور عجزاً فاضحاً للنواب في ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي المفيد للشعب، تراهم يتراكضون للتصفيق للاجراءات الجديدة التي تهدّد بتحويل أمن البلد إلى كرة بين أقدام رجال الشرطة، التي سيترك لها حق منع أو فضّ اي اجتماع عام لم يرخّص. وليس سراً القول إن الكثير من منتسبي هذه القوات لا يجيد العربية، وبالتالي من الخطر ترك الموقف لهؤلاء، لتقدير أن اجتماعاً ما قد خرج عن موضوعه!

...وهذا أثر فأسك!

نقول ذلك وفي الذاكرة الكثير من التجارب القريبة والبعيدة، التي تدل على سوء التصرف في مثل هذه الظروف، فضلاً عن الظروف الأقل توتراً، كما شاهد الجميع ما حدث في إطلاق مسيلات الدموع على المظاهرة السلمية التضامنية مع شعب العراق ضد الاحتلال الاميركي قبل أشهر، وكان يتقدمها مجموعة من رجال الدين كبار السن، فلم تتورع قوات الأمن عن استخدام ذخائرها ضدهم وضد آلاف المتظاهرين ومن بينهم أطفال آمنون ونساء مطمئنات، وهي الفظاعة التي أدت إلى التغيير المباشر في وزارة الداخلية قبل أن تنتصف تلك الليلة المشؤومة.

وإذا أراد صائغ القانون الجديد أن يوهمنا بأنه يفرّق بين الاجتماعات الانتخابية والعامة، ويستثني الاجتماعات الدينية، فإن التجارب السابقة واللاحقة لا تدعو إلى الاطمئنان على الإطلاق، فإن حبل التبريرات الأمنية قصير، فسرعان ما يجد الناس انفسهم قد عادوا إلى شرنقة القوانين القديمة البالية. وليس هناك ما يضمن تمتع الناس بحق الاجتماعات العامة الذي ضمنه لهم الدستور والميثاق، إذا ما تمّ تمرير هذا القانون في ظل هذا الموقف الانفعالي.

إن متابعة قراءة مواد المشروع المقترح توقفك على دهاليز السياسة، ففي كل منعطفٍ وضع المشرّعُ أمام مؤسسات المجتمع المدني عراقيل وعقبات تمنع ممارسة أدوارها المطلوبة في زمن الاصلاح، على أن أطرف ما في المشروع، جاء بعد سلسلة من التهديدات لكل «من نظم أو شارك أو دعا أو حضر اجتماعا غير مرخص»، وهي العبارة التي تقول إن المسيرات والمظاهرات والتجمعات التي تتم لغرض سياسي حقٌ للمواطنين وحدهم، ولا يجوز لغيرهم الاشتراك فيها، وهي طرفةٌ أصارحكم أنني لم تسعفني البديهة بمعرفة هؤلاء «المجرمين» الأجانب المقصودين فيها!

طويلةٌ عريضةٌ... ولو تُرك هذا الشعبُ يمارس حريّته الوليدة، وتعطى له حقوقه الطبيعية التي تتمتع بها الشعوب المتحضرة، ويتعلم من أخطائه ويتجاوز عثراته... لنام واستراح

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 790 - الأربعاء 03 نوفمبر 2004م الموافق 20 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً