العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ

برلين وصعوبة العيش مع بوش

لم يكن أمام المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم سوى أن يتصرف وفقا لما يفرضه عليه منصبه. فقد بعث برقية تهنئة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش مهنئا إياه على إعادة انتخابه رئيسا لأميركا. وجاء في برقية المستشار ما يحلو لبوش سماعه «تتطلع ألمانيا إلى التعاون معكم في مواجهة التحديات التي تحدق بالعالم». هذه التحديات بالنسبة إلى شرودر هي: الإرهاب الدولي وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل والنزاعات الإقليمية وكذلك انتشار الفقر وتغير المناخ العالمي وانتشار الأمراض الفتاكة. وجاء في نهاية برقية التهنئة أن «برلين تتمنى تعميق تعاونها مع واشنطن».

وقبل الانتخابات وبعد الانتخابات لم يشر شرودر بكلمة واحدة إلى خلافه مع بوش كما لم يكشف علنا عن مرشحه المفضل. ليس سرا أن أوروبا مجتمعة مثل العالم العربي وغالبية مناطق العالم كانت تفضل أن يفوز كيري. وقالت صحيفة «زود دويتشه» في افتتاحيتها، «علينا أن نحترم رغبة الناخبين الأميركيين وأن نتعلم العيش مع بوش». وفيما كتم المستشار وأعضاء حكومته غيظهم بعد فوز بوش صرح خبير السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي هانز أولريش كلوزي «يعرف الأوروبيون بوش جيدا والعكس أيضا ويعرف كل طرف ما يريده من الآخر وما بوسعه الحصول عليه أو عدم الحصول عليه».

هذه هي المعادلة التي تبنتها برلين عقب إعادة انتخاب بوش. وذكرت تقارير صحافية أن غالبية أعضاء الحكومة الألمانية تنفسوا الصعداء بعد إعلان انتصار بوش والسبب حرب العراق. فقد وعد كيري في حملته الانتخابية أنه إذا فاز فسيعمل بسياسة خارجية جديدة تقوم على تدعيم التعاون مع حلفاء أميركا خصوصاً في أوروبا وأنه سيركز على تعزيز العلاقات الأميركية الألمانية تحديداً. وجدت هذه الرغبة قبولا واسعا عند برلين وخصوصاً أن العلاقات الأميركية الألمانية بلغت أسوأ حال في تاريخها خلال السنوات الأربع الماضية.

لكن الثمن كان بالنسبة إلى برلين باهظا. إذ ان كيري مرشح الحزب الديمقراطي، والذي تمنت نسبة 80 في المئة من الألمان أن يفوز بمنصب الرئاسة، ربط هذه الدعوة بطلب أثار قلقاً في الأوساط السياسية وكان مثار جدل، إذ كان يسعى إلى جر ألمانيا كي تخرج أميركا من المستنقع العراقي. وقال مسئول في الحزب الاشتراكي: حتى لو عرف كيري أن شرودر لن يوافق على إرسال جنود ألمان إلى العراق فإنه كان بأي حال سيدعو ألمانيا إلى إرسال جنود إلى العراق وهذا تحديداً ما دفع برلين إلى وضع أوراقها سرا على الرجل الذي لا يحبه الألمان (بوش).

في وقت سبق الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة تحددت المواقف تجاه حرب العراق في واشنطن وبرلين. قبل الحرب وبعدها لم يمل المستشار الألماني ووزير الخارجية من التأكيد أن برلين لن تشارك بجنود في العراق. وبعد مرحلة كانت أشبه بالقطيعة بين الحليفين اضطر كل طرف إلى طرق باب الآخر وتم الاتفاق على تعميق التعاون بين أجهزة الأمن بصورة خاصة لكن العلاقة الشخصية بين شرودر وبوش ظلت ومازالت بعيدة كل البعد عن العلاقات التي قامت في السابق بين المستشارين الألمان والرؤساء الأميركيين.

وكان شرودر ربط مصيره السياسي في الحملة الانتخابية العام 2002 بالولايات المتحدة بصورة جعلت بوش يناصبه العداء. وكان إعلان المستشار في مستهل حملته الانتخابية رفضه مشاركة ألمانيا في حرب العراق قد عزز فرصة حكومته بالفوز بولاية ثانية. ويجد المراقبون أن أي تقارب يحصل بينه وبين بوش لن يخدم فرصة الائتلاف الاشتراكي الأخضر بالفوز بولاية ثالثة، وأن إرسال جنود ألمان للعراق سيكون معناه خسارة شرودر الانتخابات العامة بصورة مؤكدة.

وكان شرودر كشف عن أقصى ما يمكن أن تقدمه حكومته لإحلال الأمن والاستقرار في العراق وإرضاء الأميركيين حين ذكر في كلمته بمناسبة افتتاح معرض فرانكفورت الدولي أن ألمانيا ستعمل على تدريب أفراد في الشرطة والقوات المسلحة العراقية على أرض الإمارات، كما قررت الحكومة الألمانية تزويد العراق بعشرين مصفحة سريعة من طراز «فوكس». لكن شرودر وفيشر لم يتراجعا لحظة واحدة عن الرأي بأن حرب العراق زادت الإرهاب.

في الأيام الأخيرة التي سبقت انتخابات الرئاسة الأميركية كان نواب حزب الخضر يشيرون إلى أن فوز كيري سيضع ألمانيا أمام موقف صعب. إذ لن يكون بوسع شرودر وفيشر ترك كيري وحيدا إذا طلب من الأوروبيين مساعدته لوضع حل نهائي لأزمة العراق. وفقا لتحليلات برلين فإن العيش تحت سقف واحد مع بوش أسهل منه مع كيري. وعلى رغم هذا الموقف المتناقض فإن برلين وجدت مصلحتها مع بوش وليس مع الرجل الذي تمنى غالبية الألمان أن يكون الرجل الجديد في البيت الأبيض. إنها لعنة المصالح. بعد فوز بوش تسأل برلين نفسها: كيف ستكون العلاقة مع بوش الذي زاد قوة وثقة بنفسه بعد الفوز الكبير الذي تحقق له؟ هل سيبادر إلى كسب الأوروبيين من جديد أم سيظل متصلبا؟ المؤكد أن ألمانيا ستجد نفسها مضطرة إلى تكثيف نشاطاتها في أفغانستان، وتعتبر هذه المهمات تعويضا عن غيابها عن حرب العراق رغم أن المخابرات الألمانية تحذر باستمرار من الخطر الذي يحدق بالجنود وخبراء إعادة التعمير الألمان في أفغانستان. والمؤكد أيضا أن إدارة بوش ستواصل مساعيها لإشراك حلف شمال الأطلسي في مهمة العراق.

وتقول برلين انها ترجو أن يصحح بوش في ولايته الثانية الأخطاء التي ارتكبها في ولايته الأولى وألا يعمل فقط على إعادة توحيد الشعب الأميركي الذي انقسم حول شخص بوش بل يسعى أيضا إلى رأب الصدع مع الأوروبيين وخصوصاً أنه سيحتاج إليهم للحديث مع إيران. إذ قبل وقت قصير على الانتخابات الأميركية وافق البرلمان الإيراني على قرار يسمح بتخصيب اليورانيوم. لا يريد بوش حرباً جديدة ويريد الأوروبيون نزع فتيل الحرب لذلك فهم يأملون أن تستجيب طهران لوساطة بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي عرضت مقابل وقف برنامج تخصيب اليورانيوم تقديم خبرة تقنية في بناء مصادر للطاقة.

لكن السؤال المتداول في برلين: ماذا لو تمسكت إيران بموقفها؟ هل ستشجع بوش على استخدام القوة العسكرية ضدها وخصوصاً أن «إسرائيل» تريد ذلك اليوم قبل الغد؟ هل تتسامح واشنطن مع ضربة وقائية تنفذها المقاتلات الحربية الإسرائيلية؟ كل هذه السيناريوهات محتملة ولا يمكن استبعاد أي منها. في سبتمبر/ أيلول الماضي ذكرت الصحف الإسرائيلية أن «إسرائيل» طلبت من واشنطن تزويدها بخمسمئة قنبلة تستطيع خرق مخابئ في عمق الأرض. يعتبر المراقبون هذا الطلب إشارة إلى استعداد إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية. لكن ما يثير قلق الألمان خاصة والأوروبيين عامة هو طريقة الرد الإيراني وردود الفعل السياسية والسيناريو الذي لا مفر منه أن منطقة الشرق الأوسط ستغرق في بحر من العنف

العدد 794 - الأحد 07 نوفمبر 2004م الموافق 24 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً