العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ

لا تكلميني... أنا صائم!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

أربع حالات طلاق حدثت في الأسبوع الأول من شهر رمضان في منطقة واحدة من مناطق البحرين! ولاشك في أن عشرات الحالات المشابهة وقعت في مناطق مختلفة، نسمع عن بعضها ويظل البعض منها مخفيّاً بين أروقة المحاكم ودفاتر أصحاب العقود «المأذونين». وضع غريب جداً وواقع مريب، تعيش مملكتنا الصغيرة المتحابة تحت وطأته... إنه واقع «الحلال المر».

ما العلاقة بين الصوم وحالات الطلاق تلك يا ترى؟ هذا السؤال لابد له من بعد مأسوي خطير أكبر من حدود الإجابة عليه. وما يدور في الغرف الصغيرة من تشنجّ وشدّ أعصاب بين الزوجين دائماً لا يعدو كونه افرازاً طبيعياً للحياة الزوجية، وما تلك المشكلات والخلافات اليومية التي تحدث سوى أمراً روتينياً نوعاً ما إذا كانت في حدود المعقول. ولكن عندما تزداد وتيرة تلك الاختلافات وحدّتها في شهر رمضان خصوصاً، فذلك يعني أننا نزج بالصوم في النزاعات الزوجية لندخل بسببه في معارك حامية الوطيس تنتهي غالباً بمالا تحمد عقباه، وتفضي لا سمح الله كما رأينا إلى (أبغض الحلال عند الله) وهو الطلاق.

فهل الصوم هو المسئول حقاً عن تصاعد الخلافات الزوجية؟ وما هو الأثر الذي يتركه الصوم الحقيقي على النفس؟

الصوم... وسوء المعاملة

الإعياء والتعب بعض السمات التي تبرز على الصائم كلما اشتد به الجوع والعطش، لذلك فهو يجنح إلى الراحة والنوم دائماً، أما الحدة المزاجية فهي وليدة ذلك التعب ولكن تحكمها قدسية الصوم وعباديته.

يُقال إن الأميركي ديفيد بلين أنهى الشهر الماضي صوماً عن الطعام استمر 44 يوماً ظل خلالها في صندوق من الزجاج معلقاً فوق نهر التايمز في لندن. ولكن ما الدافع إلى هذا الصوم؟ كان هدفه مجرد إثبات مقدرته على مقاومة الجوع لفترة أطول مما يتحملها الإنسان العادي. فهل هذا النوع من الصوم يقدم شيئاً على الصعيد النفسي أو الاجتماعي؟ أبداً... وهذا هو الحال مع الصوم المرتكز على الامتناع عن الأكل والشرب فحسب، مجرداً عن صوم الجوارح الذي يريده الدين.

المشكلة أن البعض يتذرع في مزاجيته وسوء خلقه مع أهله أو تقصيره في أداء وظيفته بحجة الصوم. وأصبح الصوم شماعة نعلق عليها الأعمال السيئة التي تناقض فحوى الصوم أصلاً.

الصوم في غرفة الزوجية...

إن التصرفات التي ترتكب من قبل الزوج أو الزوجة بذريعة الصوم لا تمت إلى الدين بِصلة، والصوم أسمى من تلك المهاترات الزوجية. فالشريعة تسعى إلى تعويد الإنسان على تقوية الإرادة وتدريبه على تحمل المشقات ومواجهة المغريات بصلابة وبالتالي فالصوم أساساً حالة عبادية مرتبطة بتهذيب النفس.

إذا أدركنا هذه الحقيقة الواضحة فسنجد أن كل ما يحدث من «نرفزة» وعصبية بين الزوجين يتعارض مع ماهية الصوم وليس للصوم يدُ فيه أبداً. لهذا ينبغي على الزوجين ضبط النفس وتحديد أطر النزاعات الزوجية في حدود معينة لا تخلّ بأدب الصيام. والحال، كما يقول الشيخ حبيب الكاظمي الداعية الذين زار البحرين أخيراً: «ان جوهر شهر رمضان يتمثل في عملية كف النفس عن الحلال فضلاً عن الحرام، ليتدرب العبد على ضبط جوارحه وجوانحه... أو هل يكفي الكف عن الطعام والشراب - وهما مباحان في الأصل - وعدم الكف عن الحرام الذي هو حرام في كل حال؟».

دور الإعلام في النزاع الزوجي

إن مما يؤسف له أن الإعلام العربي في غالبه للآن لم يفقه كيفية التعامل مع المشكلات الأسرية، فهو لايزال يركز في مسلسلاته وخصوصاً الرمضانية على العنف الزوجي والبكائيات التي يقدم من خلالها صورة سيئة عن الواقع الأسري في الوطن العربي، من دون أن يقدم الحلول المثلى والنموذجية لتخطي هذه المشكلات والنزاعات.

الإعلام يتفنن في تهييج غرائز العنف وغرائز الجنس وعواطف الحب والمعاكسات وعرض الفتيات العربيات و«المسلمات» في مسلسلاته كسلعٍ معروضة للبيع ليس أكثر. هذا ما يقدمه الإعلام لنا في شهر رمضان شهر الترابط الأسري تحت مائدة الرحمة. وذلك ما يؤثر سلباً على العلاقات الأسرية والزوجية ويقوّضها. فهل انتبه الإعلاميون إلى هذا الخطر المحدق؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 795 - الإثنين 08 نوفمبر 2004م الموافق 25 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً