العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ

أبعد من الفلوجة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل سقوط الفلوجة نهائياً، أخذت تروج أجهزة الدعاية الأميركية كذبة نجاح الزرقاوي وجماعته في الهرب خارج المدينة. ترويج مثل هذه الكذبة قبل الانتهاء من عمليات الاحتلال للمدينة يكشف عن عدم صحة الخبر من أساسه. فهل فعلاً كان الزرقاوي في المدينة؟ وهل مثل هذه الشخصية الغامضة موجودة فعلاً، وإذا وجدت هل بإمكانها أن تفعل ما تفعله من دون رقابة أو رضى؟

الترويج لخبر فرار الزرقاوي من الفلوجة من الأكاذيب الخبيثة. فالخبر في أصلة أطلقته أجهزة الدعاية الأميركية والمرتزقة وكتلة المستفيدين من الاحتلال لتبرير اجتياح المدينة واستباحة أهلها. والخبر في فصله يريد اشاعة أجواء من الترهيب النفسي والتغطية السياسية لسياسة تقويضية اتبعتها واشنطن منذ لحظة احتلالها للعراق. والخبر في نهايته أسوأ من بدايته. فالقول إن الزرقاوي فر من المدينة ونجحت جماعته في الخروج من الفلوجة يعني في معناه القريب ان قصة هذه الشخصية الغامضة لم يسدل عليها الستار وان المسرحية مستمرة في فصولها التي يبدو انها لن تنتهي إلا بنهاية الزرقاوي. وبما ان الزرقاوي فر من المدينة فمعنى ذلك ان المعركة مستمرة في مدينة أخرى. وطبعاً سينجح الزرقاوي في الفرار من المدينة الأخرى وبالتالي فإن القوات الأميركية ستلاحقه من مدينة إلى أخرى حتى تقوض كل مراكز الممانعة والمقاومة في طول بلاد الرافدين وعرضها.

مسرحية الزرقاوي طويلة. وبقدر ما تنجح أجهزة الدعاية الأميركية في تطويل حياته والادعاء بفراره من مدينة إلى أخرى بقدر ما تطول الحرب وتزداد شراسة وقتلاً ضد المدنيين العزل والأبرياء.

مسرحية الزرقاوي طويلة، وتبدو وظائفها السياسية متعددة الأطراف وتطاول مختلف الحالات. وحتى الآن نجحت أجهزة الدعاية الأميركية في تصوير الواقع العراقي وفق الحاجات التي تخدم الاحتلال ومصالحه. فالاحتلال مثلاً بدأ بكذبة «أسلحة الدمار الشامل» وحين انفضحت قال إن الأسلحة غير موجودة، ولكن واشنطن نجحت في إسقاط نظام كان يخطط للحصول على مثل تلك الأسلحة. وبعد الاحتلال اخترعت كذبة جديدة وهي أن الشعب العراقي يؤيد واشنطن وهناك بقايا نظام صدام تقاوم الاحتلال. وحين اعتقل صدام وانتشل مع ماله من تلك الحفرة استمرت المقاومة فقال الاحتلال إنه الزرقاوي واتهم دول الجوار بتمريره وتسريب جماعته إلى العراق.

كذبة بعد كذبة وصولاً إلى أن الزرقاوي موجود في الفلوجة. والآن تقول أجهزة الدعاية إن الزرقاوي نجح في الفرار إلى خارجها، وذلك قبل أن تنهي احتلالها للمدينة وتنكشف الكذبة وتبدأ فضيحة جديدة لا تقل عن تلك المتعلقة بأسلحة «الدمار الشامل».

انها حرب أكاذيب. والحرب التي بدأت بخدعة ستستمر في انتاج الخدع لتغطية الأهداف الحقيقية التي جاءت من أجلها واشنطن.

المسرحية إذاً طويلة ومن يراهن على انتهاء فصولها في الوقت القريب عليه ان يعيد النظر في تخميناته. فالمعركة أصلاً بدأت وفق المعايير التي تقول بها «كتلة الشر» في البنتاغون. وهذه الكتلة استردت انفاسها الآن بعد أن انقبضت في فترة الانتخابات الرئاسية واصيبت بالذعر حتى أشارت بعض الاستطلاعات إلى احتمال سقوطها.

هذه الكتلة الشريرة (الأصولية المتطرفة) تعيد الآن انتاج تلك السيناريوهات الحربية التي كشفت عنها في المرحلة السابقة ثم سكتت عنها، والآن كما تبدو المؤشرات انها تستعد لإعادة اطلاقها بعد الانتهاء من السيطرة على الفلوجة.

السيطرة على الفلوجة هي عنوان المرحلة المقبلة، ومنها ستبدأ كتلة الشر في اطلاق العنان لبطولات وهمية تريد منها إثارة الفزع وإرهاب الناس بذرائع شتى وعلى رأسها ملاحقة الزرقاوي والقضاء عليه.

المسألة إذاً أبعد من الفلوجة. والأخيرة هي مجرد بداية لمعارك طويلة ممتدة في مختلف بقاع العراق ومحافظاته. وحين تنتهي مسرحية الزرقاوي في بلاد الرافدين، فمن يدري ربما تقوم أجهزة الدعاية والنصب والاحتيال الأميركية في نقل الزرقاوي والادعاء بفراره إلى دول مجاورة حتى تستمر الذرائع لتغطية استمرار واشنطن في حروبها الدائمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 797 - الأربعاء 10 نوفمبر 2004م الموافق 27 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً