العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ

«هدوء وعواصف» تميز فردي لا مؤسساتي... والحزن الإنساني مطلوب

الوسط - حسين خلف، منصورة عبدالأمير 

12 نوفمبر 2004

المسلسل البحريني «هدوء وعواصف» وعلى رغم كل سلبياته فإنه استطاع أن يمثل نقلة نوعية على مستوى الأعمال الدرامية المحلية، سواء من حيث النص أو الإخراج أو الأداء والتمثيل، كيف جاء هذا التميز لمخرج يقدم أول أعماله الدرامية ولممثلين طالما عرفناهم بقدرات محدودة وبالوجوه نفسها والأداء في كل عام. تطرح «الوسط» بعض الإشكالات في محاولة للاجابة على عدد من الأسئلة وإيضاح بعض النقاط المحيطة بالعمل، وذلك خلال اللقاء مع المخرج محمد القفاص، والكاتب المؤلف أحمد الفردان وبعض الفنانين الذين تألقوا في «هدوء وعواصف».

تألق «هدوء وعواصف» وقبله تألقت أعمال درامية محلية أخرى، كيف استطاعت الدراما البحرينية الوصول الى هذا المستوى في الأعوام الأخيرة، بل وتمكنت بشكل أو بآخر من منافسة المنتج الخليجي؟.

القفاص: لم يكن المفروض ان تتقدم الدراما البحرينية خلال السنوات القلائل الأخيرة وحسب، بل كان يجب ان يحدث هذا التقدم منذ عشرة أعوام على الأقل، لأن البحرين هي من بدأت الدراما في الخليج، ولذلك كان يجب ان تتألق منذ عشرين أو خمسة عشر عاما، ولذلك أسباب كثيرة لكن التألق يعود دائماً الى جهود فردية وليست مؤسساتية.

الفردان: تاريخ الدراما البحرينية عريق. فنحن أول من قدم مسرحية وأول من دخل مجال الدراما، لكن بعد تراكم السنوات أصبح الإنتاج قليلاً، وأصبح إنجازنا الدرامي أقل بكثير من ذلك التاريخي، لكن في السنوات الأخيرة دخلنا مرحلة الانتاج الدرامي الخاص في مجال التراث وهنا تميزت الكثير من الأعمال، مثل: (فرجان لوّل) و(البيت العود) وكانت هذه أعمالاً محدودة، في السنوات الثلاث الأخيرة تقريباً انتقلنا الى دراما الواقع ودراما الحياة المعاصرة التي لامست قلوب الناس بشكل كبير لأنها مثلت واقعهم، مرة أخرى أؤكد كلام القفاص أن الفضل في تميز الدراما البحرينية يعود إلى جهود فردية لا مؤسساتية.

نصوص مكررة وأحزان لاتنتهي

الدراما البحرينية تقدمت الى الأمام، وتميزت، وعلى رغم ذلك لاتزال النصوص التي تعالجها هذه الدراما تقليدية ومكرورة الى حد كبير، بل ويبدو النمط الحزين هو الطاغي عليها في غالبية الأحيان، ما أسباب ذلك؟

القفاص: الدراما الخليجية منذ «فجر السعيد» انتهجت أسلوب الضرب على الأحاسيس. لكن لا أتفق معك على وجود هذا الأمر في الدراما البحرينية، فمسلسلاتنا المعاصرة المعدودة على الأصابع كالتي قدمها مصطفى رشيد مثل «تالي العمر» و«أحلام رمادية» و«شريك الحياة» وسلسلة «الكلمة الطيبة» بالاضافة الى «مواطن طيب»، جميعها يمكن أن توصف بأنها مسلسلات معاصرة وحين تقوم بفرزها لن تجد طغيان طابع الحزن عليها، نعم مسلسل هذا العام قد ينظر اليه البعض على أساس أنه يغلب عليه طابع الحزن، والأمر ليس كما هو متصور، فقد تناولنا الجانب الرومانسي في هذا المسلسل، وهو جانب يميل الى الدمعة والى الحرمان والى الهجر، وأنا هنا أستعين بشعر نزار الذي يقول فيه ان الانسان بلا حزن وبلا دموع هو ذكرى انسان، ونحن نرى أن الأمر الذي يعلم الانسان في حياته هو الدمعة. بشكل عام لا أعرف حقاً لماذا يرفض الجمهور البحريني العمل الحزين، وهو كذلك ينتقد العمل الكوميدي ويرفضه وفي الوقت ذاته تعجبه أعمال داوود حسين مثلاً، وهكذا فان القضية تبدو كأن الجمهور البحريني لا يقدر المنتج المحلي وينتقده قبل مشاهدته.

الفردان: لن أسلط الضوء على أعمال أخرى بل سأدخل بشكل مباشر على «هدوء وعواصف»، فأنا ومحمد لنا وجهة نظر مختلفة عن رأي كثير من المشاهدين فيما يتعلق بهذا الحزن، فالمشاهد يقيس تلك الحال بحال التأثر، لكننا لا نكتب المشاهد تلك من أجل الحزن الميللودرامي بل هو تعبير عن حزن انساني، وأنا حين تصلني بعض الآراء عن تأثر البعض بالمشاهد الحزينة، أفرح بشكل كبير لأن ذلك يعني لي انه لاتزال بداخلنا فطرة سليمة وضمير حي، يجعلنا نتأثر حين نرى هذه المشاهد، كمشهد الأب وابنته ومشهد الزوجة التي عانت الظلم لدرجة وفاتها، ونكره الشخصيات الشريرة، ذلك يعني اننا لانزال نحمل بعض البياض في داخلنا مع اننا في زمن لا يأمن فيه الأخ من أخيه ولا يضمن فيه الأب حياته مع ابنه بعد ان يكبر في السن. نحن اذا كنا لا نزال نملك هذه الأحاسيس فهذا يعني أن ما بداخلنا لا يزال سليماً ثم ان الحزن المطروح من خلال الموت ليس هو الموت بالمعنى المعتاد، فموت الأب حين تتوقف حركة أنفاسه وتتوقف حركة المسباح في يده يعني موت الكلام وموت المبدأ، فهذا الأب الذي يمثل القيم والذي يكرر دائماً أن كل ما يملكه هو سمعته وشرفه، يعني موته موت قيمة معينة في نفوسنا، كذلك الأم لم تمت بسبب ارتطام رأسها بالجدار، بل انها تقول في بعض المشاهد لأخت زوجها أعرف أنني انتهيت من حياته منذ زمن طويل، ولذلك فإن موتها هنا ليس هو الموت بالمعنى المعتاد.

تكريس نماذج سلبية ام مناقشة لهموم مجتمعية

في الوقت نفسه الذي تنقل فيه حزن الشخصية تنقل أمراً آخر، فهذه الشخصيات جميعها حزينة لأنها ضعيفة، وأنت بذلك تكرس حالاً سلبية، وتجعل الحزن والضعف والسلبية كمحك لتفاعل المشاهد مع الشخصية، لماذا لم تعمل على تكريس نماذج ايجابية في مقابل سلبية هذه الشخصيات، لماذا يجب ان يكون الأخيار جميعهم ضعفاء وهناك من يتسلط عليهم، بينما نعرف أن في الواقع كثيراً من الأشخاص الأقوياء الناجحين والايجابيين الذين لا يزالون يحملون القيم الخيرة ويتمسكون بها، لماذا هذا التلازم بين الانغماس في الحزن ونقل القيم.

الفردان : هذا الأمر موجود في المسلسل، لكن المشاهد يقرأ السطور ويغفل عما بينها، فشخصية كشخصية ام بدر تحمل الكثير من نقاط القوة، فقد امتصت الألم وامتصت صدمة زوجها وجميع خياناته، نعم نراها تبكي دائماً لكنها قوية، وعائشة كذلك، فعلى رغم معاناتها فإن وجودها مهم في البيت لحنين ولأم بدر، هذه القوة قد لا تلمس بصورة صحيحة ولكن الشخصيات ليست بالسلبية التي تتحدثين عنها.

القفاص: هناك نقطة مهمة أيضاً نود طرحها من خلال المسلسل فنحن لا نستطيع ان نطرح ما يتمناه المشاهد، قد نؤيد هذا الرأي لكننا أثناء كتابة النص وبسبب محدودية الشخصيات لا نستطيع طرح كل شيء. ما أردنا ايصاله من خلال المسلسل هو ان المعنى المادي في هذا الزمن الذي نعيشه انتصر على القيم الروحية والمعنوية، نعم هناك اشخاص ايجابيون وهناك اشخاص اقوياء، لكن كم عددهم في المجتمع، لا نستطيع أن نناقض واقعنا، ولا نريد ان ندفن رؤوسنا في الأرض كالنعام، واقعنا تنتصر فيه المادة اكثر من انتصار القيم والمبادئ التي ينادي بها الآخرون وحين تنبشون الواقع ستلمسون صحة كلامي.

إخفاقات واقعية ونهايات سعيدة

لماذا لا يتم الاحتذاء في مسلسلكم بالأفلام الهندية مثلاً التي يغلب عليها الطابع الحزين لكن نهاياتها دائما تكون سعيدة، فالمخرج الهندي الذي يعرف ان حياة الشعب الهندي تمتلئ بالكثير من الاخفاقات يحاول دائماً رفع نفسيته باستخدام النهايات السعيدة إذ يعني ذلك دائماً انتصار الجانب المعنوي في هذه الأفلام؟

القفاص: أختلف معك في هذا الأمر ففي احد الأفلام الهندية التي حققت نجاحا كبيرا، يموت فيه البطل ما يؤدي بالجمهور الى تكسير قاعة العرض، الأمر الذي دعا الشركة المنتجة إلى مطالبة المخرج بتغيير نهاية الفيلم بحيث لا يموت البطل، لكن المخرج والمؤلف كانا يريان ان نجاح الفيلم مرتبط بتضحية هذا الانسان، فالنهايات يجب ألا تكون دائماً سعيدة لكنها مؤثرة، حتى في الأفلام الهندية. نعم نتفق في تغليب الأمور الايجابية على الطابع الحزين، لكننا حينها سنُتهم بالانغماس في الأحلام.

الفردان: ما نراه في السينما الهندية هو كذلك، لكن ما يحدث في هذه الأفلام هو عملية تشبيع للمواطن الهندي فهو الحبيب الذي تقع في غرامه بطلة الفيلم وهو بطل الأكشن والمغني وهو كل ذلك، فالمواطن الهندي يحمل كل الصفات الجميلة التي تعيش في خيال هذا المشاهد، حتى في أيام ازدهار المسرح اللبناني كان البطل دائماً هو الذي يتأثر بحوادث معينة ليتوب في نهاية العرض، لكن هذه كلها أمور غير واقعية ففي الحياة الانسانية لا نجد ذلك، بل ان حياتنا هي حال وسطية بين الملائكية والشيطانية (...) فيما تبقى من الحلقات ستشاهدون أموراً مختلفة ربما تتناسب مع هذا الأمر، وذلك من خلال المشاهد التي يقدمها الثلاثي وليد، فوزي وشهاب، وهي التي تمثل أكثر المشاهد واقعية، فهؤلاء الثلاثة الذين يتسولون ويسرقون لكي يعيشوا في مجتمع يعيش فيه أمثال بوبدر، يعبرون بشكل كبير عن حال التمايز الطبقي في مجتمعنا، وسنرى في النهاية كيف ينتصر هؤلاء على رغم ما يعيشونه من حال ضيق وحزن

العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً