العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ

قوة من ورق!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

في يوم الجمعة المبارك الماضي، وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحا شاء القدر أن أكون سائرة في طريقي في أحد «دواعيس» - تحت مسمى طرق - قرية الديه وإذا بمجموعة من السيارات التي كانت تتقدمني في الطريق (الداعوس) نفسه تتوقف فجأة مشكلة سلسلة من السيارات المتلاصقة... المنظر يوحي بأن شيئا ما حاصل... قلت في عقل بالي هروبا من الاضطراب الذي غالبا ما يداهمني عند مراودة فكرة... مجرد فكرة... وقوع حادث أمامي، ربما يكون هذا التعطل بسبب محاولة خروج إحدى الشاحنات الكبيرة التابعة لمخازن أحد المصانع هناك... وخصوصا عندما لمحت مجموعة من الأشخاص القريبين أكثر من مكان التعطيل الأساسي يضحكون!... وربما طريقة الضحك تلك حفزت فيَّ الفضول لمعرفة الحكاية... إذ شعرت بأن وراء ضحكتهم تلك حالا إنسانية ربما تستدعي البكاء أكثر من الضحك أو حتى السكوت وتجاوز الأمر وكأن شيئا لم يكن!

حاولت أخذ زاوية بالسيارة بحيث تجعلني قريبة من الموقع لأستطلع الأمر وأعرف السر... في البداية وقعت عيناي على دراجة بعجلتين ملقاة على الأرض وبجانبها «سطل» وخرقة بالية، بما يوحي بأن صاحب هذه الدراجة ممن يعملون في غسيل السيارات وإن لم أستطع إلى ذلك الوقت أن أتبين حقيقة هوية هذا الرجل على رغم أن (الدراجة) تحديدا من الممكن أن تكون أكبر دليل وبما لا يدع مجالا للشك لدى الغالبية منا بأن الرجل آسيوي الجنسية!... وبجانب (عدة الشغل) هذه المبعثرة في الأرض لمحت سيارة (بيك آب) باب سائقها مفتوح وهو ليس موجوداً بداخلها... المشهد يوحي بأن حادثا مروريا وقع لا شك أن المتضرر الأكبر فيه صاحب الدراجة والمتسبب في هذا الضرر صاحب السيارة حتى لو سلمنا بأن الخطأ من صاحب الدراجة نفسه!

كانت تلك استنتاجات أولية لكل متابع لتفاصيل الحوادث المرورية على صفحات الصحف... ولكن عند التوجه بنظرك إلى زاوية أخرى من موقع الحادث موضع حديثنا، سيسرد ذهنك حكاية أخرى غير حكاية حادث دهس أحد الأشخاص في الطريق... في تلك الزاوية ستشاهد رجلا بحرينيا يكيل اللكمات إلى شاب آسيوي ملامحه تدل على أنه بدأ للتو يخطو نحو مرحلة الشباب!

لا تمتلك وأنت تشاهد هذا المنظر إلا أن تغرب بعقلك عن سبب هذا الشجار... للوقوف عند الشجار نفسه... وهنا لا أجد نفسي قادرة على وصف ما حصل بالشجار فما وجدت إلا مواطنا يستعرض عضلاته ليس برجولته ولا قوته ولا بهزة كل صفعة توجه إلى خد ذلك الفقير الذي ظل صامتا في مكانه ولم ينطق حتى بكلمة «آه» وعينيه لا تبارحان النظر إلى الأرض... ذاك المواطن وجد مصدر قوته في مواطنته فقط لا غير! فذاك فقير مسكين جاء ليسترزق قوت يومه، وهذا مواطن بائس عقله متحجر قلبه ولم يجد مجالا لكي يفشي به غله وحقده على الحياة إلا في أولئك القادمين من موطن آخر!

هنا لست في موضع الحديث عن مزاحمة أولئك الوافدين للمواطنين في قوت يومهم حتى تغلبوا عليهم... إنما أنا في موضع حديث عن إنسانيتنا التي فقدناها وقوتنا التي لم نجد لها مكانا للكشف عنها إلا في أولئك البائسين... عن أولئك الذين جردناهم من إنسانيتهم وأعددناهم عبيدا عندنا نفعل بهم ما نشاء... هذا نضربه... هذا نهينه ونسبه... هذا نحتقره وننظر إليه كحشرة يجب القضاء عليها... وأولئك نتاجر بهم وبأجسادهم التي لا تستحق منا حتى الشفقة وكأننا عدنا إلى زمن الجاهلية الأولى وتجردنا من مبادئ ديننا واتخذنا «شريعة الغاب» قانونا ودستورا نسير به قلوبنا قبل عقولنا وأجسادنا!

حقيقة لا أعرف سببا لهذه العنجهية ولا أرى مبررا لضحك المجموعة المشاهدة لهذا الفيلم السينمائي الحي... وعند ذلك عدت بالسؤال: هل يضحكون عليه أم على أنفسهم؟! وهل في التغلب على الضعيف قوة تجعل من مالكها أسدا على حاشيته؟! ونبقى نعدهم غرباء والغربة موطن فينا تغربنا حتى عن أنفسنا

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 801 - الأحد 14 نوفمبر 2004م الموافق 01 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً