العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ

شرم الشيخ... وما بعدها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يمكن اعتبار قمة شرم الشيخ نقطة فاصلة بين مرحلتين أم مجرد محطة في مسار التصعيد الذي اتبعته إدارة جورج بوش؟

السؤال يحتمل أكثر من جواب. والاجوبة كلها لها صلة بفترة انعقاد القمة ومكانها. فالمكان هو مصر، ومصر حتى الآن لم تعترف بالاحتلال. وزمان القمة يأتي بعد تجديد رئاسة بوش ولاية ثانية، واتجاه البيت الأبيض نحو تعيين المزيد من «الصقور» وطرد المعتدلين من الإدارة. فالتجديد لبوش قلل من أهمية القمة، وقلص من حاجة واشنطن إلى مثل هذه المؤتمرات.

إدارة بوش كانت بحاجة إلى القمة قبل الانتخابات الرئاسية فهي اضطرت إلى استخدام لغة معتدلة لتمرير فترة التنافس وقطع الطريق على مرشح الحزب الديمقراطي ومنعه من الاستفادة من الاخطاء في حملته المضادة. ولجأ البيت الأبيض إلى سلسلة تدابير تكتيكية من نوع الموافقة على انهاء صيغة الاحتلال وتجميع القوات في مراكز وقواعد ومهابط طيران وتسليم حكومة محلية مقاليد الأمور تحت وصاية السفير الأميركي في بغداد. كذلك وافقت على تدويل مشروع الاحتلال في ظل سيطرة القوات الأميركية وقيادتها واشرافها على مختلف المناطق. كذلك وافقت على إجراء انتخابات تشريعية في يناير/ كانون الثاني 2005 للإيحاء بأنها عازمة على مغادرة العراق بعد عقد الانتخابات... وبالتالي فإنها لا تفكر في ارتكاب حروب جديدة في المنطقة وتحديداً في دول الجوار.

كل هذا وافقت عليه إدارة بوش قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية لتطمين مختلف الجهات الدولية والإقليمية والعربية، وتوجيه رسالة تقول إن الإدارة في حال جُددت ولايتها ستكون مختلفة عن السابقة. وضمن هذا الإطار وافقت على عقد قمة دولية للبحث في مصير العراق ومستقبله تشترك فيها كل الدول المعنية ودول الجوار.

إلا أن واشنطن مقابل تنازلاتها الشكلية التي اتبعتها في شأن العراق لجأت إلى التشدد في جهات أخرى، واخذت بتجميع أوراق دولية ووضعها على الطاولة تمهيداً لاستخدامها وقت الحاجة. وفي السياق المذكور كسبت إدارة البيت الأبيض سلسلة نقاط جاءت في معظمها لصالحها. فهي مثلاً حركت موضوع دارفور في السودان وانتزعت ورقة دولية تسمح لها بالتدخل حين تشاء. وهي أيضا استغلت موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان (تعديل المادة 49 والتمديد للرئيس الحالي) وحاجة فرنسا إلى استعادة مواقعها المهزوزة في المشرق العربي، فنسقت خطتها مع باريس واصدرت القرار 1559 الذي يتدخل في شئون الدولة اللبنانية، ويفتح أبواب الرئاسة على ملفات إقليمية وأمنية تتعلق بالوجود السوري وسحب الأسلحة من «الميليشات اللبنانية» و«غير اللبنانية».

الولايات المتحدة في فترة الاستعداد للرئاسة الأميركية اشتغلت إدارتها على مستويين: الأول يتعلق بالشأن العراقي وتظاهرت آنذاك بأنها في صدد تعديل مواقفها السابقة. والثاني يتعلق بالشئون العربية والإقليمية وهي أعطتها أفضلية دولية بالتدخل في أمور ليست بعيدة عن سياق الحرب على العراق وتداعياتها.

الآن جاء موعد انعقاد قمة شرم الشيخ في فترة لم تعد واشنطن بحاجة اليها بعد أن كسبت ثقة الناخب الأميركي، وباتت تعتبر نفسها في موضع أفضل من السابق. فوظائف القمة المحدودة والمحكومة بالتوقيت انتهت. فالقمة تنعقد الآن لمناقشة الموقف في العراق. والعراق يعاني من انفلاش الفوضى الأمنية حتى بعد تلك المعارك المدمرة التي ارتكبها الاحتلال في مدن الفلوجة وسامراء والرمادي وبعقوبة والموصل. فهذه الحملة العسكرية تم توقيتها قبل أسبوعين من قمة شرم الشيخ، وأرفقت معها تصريحات كثيرة من نوع أن القوات الأميركية باقية لفترة ثلاث سنوات على أقل تقدير، وأن القيادة تخطط بزيادة أعداد الجيش وإرسال فرقة من 5 آلاف جندي بعد أن وعدت بخفض قواتها تمهيداً للانسحاب. حتى تحديد موعد الانتخابات العراقية في 30 يناير/ كانون الثاني لا يُقدم الجديد وإنما قصد منه تضليل الدول المشاركة في شرم الشيخ وإيهامها بأنها فعلاً تخطط للانسحاب بعد أن يهدأ الوضع الأمني وتسلم السلطة لهيئات منتخبة. فهذه الوعود هي جزء من تكتيك الخداع لتمرير المشروع الكبير المتعلق بـ «الشرق الأوسط» ودول الجوار.

قمة شرم الشيخ ليست نقطة فاصلة بين مرحلتين وانما مجرد محطة في مسار التصعيد. فهي تنعقد بعد أن استنفدت وظائفها، وباتت الولايات المتحدة في موقع أفضل يسمح لها بالبقاء حتى لا تقع الحرب الأهلية... وهي ذريعة جديدة ابتكرتها واشنطن بعد اجتياح الفلوجة ومداهمة مسجد ابي حنيفة. فالانتخابات إذاً ليست مناسبة للانسحاب كما كانت تقول واشنطن بل هي وسيلة للبقاء بذريعة أن الشارع العراقي انقسم عليها بين مؤيد ومقاطع لها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً