العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

«آسف» كلمة لا تليق إلا بالرجال!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

«أنا أخطأت في حقك فسامحني»... من بين سطور من الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان على وجه الأرض أرانا نتجاهل كلمة ربما نكتشف من قائلها ما إذا كان يتحلى بتلك الصفات أصلاً أم لا وأهم هذه الصفات الشجاعة التي لصقت عنوة بالرجال واستثنت منها النساء على رغم أنها قد تكون جبلاً على الاثنين وليس من السهل نطقها أبداً...

كم واحد منا يقوى على الاعتذار؟ كم واحد يستطيع أن يقول كلمة «آسف» بمجرد اكتشافه لفظيع جرمه أو إساءته؟ وقبل هذا وذاك من منا يملك الشجاعة أصلاً على الاعتراف بخطئه؟ ومن منا يستطيع العفو عمن أساء إليه أو أجرم في حقه أو صدمه بتجريده من إحساسه وإنسانيته أو خيانة الثقة به؟... إن أجبت (رجلاً أو امرأة) على أي من هذه الأسئلة بـ «نعم» فلا شك أنك بحق رجل قل وجود في زمن التساوي غير المعقول الذي نعيشه!

أتيحت لي الفرصة يوما أن أكون أحد مشاهدي حلقة من برنامج «افتح قلبك» لمقدمه القدير جورج قرداحي، وربما العنوان نفسه ومقدمه هما أشد ما جذبني إلى متابعة حلقة ما كنت لأعرف مضمونها ولا ما ترمي إليه... إنها حقا شجاعة دفعت برجل إلى تقديم اعتذاره لصاحبه أمام جمهور الاستوديو، بل جمهور العالم أجمع! الشجاعة في تقبل الفكرة أصلاً، في الاعتراف بالخطأ بين هذا الإنسان وبين نفسه، وبينه وبين مقدم البرنامج، ثم بينه وبين جمهور واسع عريض متناثر على مختلف أرجاء الكرة الأرضية... جمهور مختلف يعني آراء متباينة بين مؤيد ومعارض... فالبعض عند سماع القصة قد يتعاطف مع هذا المعترف بجرمه أمام الملأ ليس لشيء إلا لأنه امتلك الشجاعة وجاء ليعترف في موقع من النادر حقاً أن تجد شخصاً يقبل بالوقوف فيه هكذا ويفجرها قنبلة مدوية... «أنا أخطأت فأرجو أن تسامحني»... بينما البعض من الذين يطلقون على أنفسهم «واقعيين» ولا تعرف العواطف طريقاً لقلوبهم وخصوصاً عند الحكم في قضية من هذا النوع غالباً ما سينزلون عقابهم غير الرحيم بصاحب اعتراف وجوده لا يقدم ولا يؤخر مقارنة بما فعل وارتكب!

ومن الجانب الآخر لنعجب من الواقف في جبهة القتال الأخرى بدور الضحية التي يعقد الأمل عليها في العفو عمن أساء إليها... فهو الآخر موقفه لا يخلو من شجاعة... شجاعة «العفو» عن إنسان تسبب في جرحك وكانت بينك وبينه قطيعة ربما طالت لسنوات فكيف الرجوع وكيف السبيل لنسيان ما كان وصار؟!... وفي الحقيقة فإن كلتا الحالين (قبول العفو أو رفضه) لا تخلوان من شجاعة! فمن منا يستطيع التغلب على مشاعره وتجميدها فلا يقبل في هكذا موقف وفي مواجهة المسيء إلينا وجهاً لوجه وأمام العالم أن يقول «آسف... لا أستطيع قبول اعتذارك»؟!

وفي الحقيقة فإن الأمر كله مرهون بنوعية الجرم المرتكب وشخصية طرفي النزاع... وإن كنا نشجع على قبول الاعتذار ليسود بيننا نوع من الألفة والمحبة والتسامح وهو مبدأ يحث عليه ديننا الحنيف... فإننا نحذر من الأعذار الملتوية ومحاولة تهييج العواطف التي قد يلجأ إليها صاحب الجرم بغرض التخفيف من حدة العقوبة النازلة عليه لا محالة إن ثبت عليه الجرم حقاً، ففي ذلك تضييع للحقوق وغياب للرادع الذي من الممكن أن يقف حائلاً بين الجرم وانتشاره... والمسألة كلها تتطلب منا شيئاً من الفطنة يتكاتف فيها العقل والقلب وبحسب موقع الطرف في حياتنا ونوعية جرمه ستتحدد العقوبة من عدمها في حال العفو عنه...!

مسألة الاعتذار والعفو أو رفضه تلك، والتي قد يلتفت معظم الناس إلى جانبها الإنساني أو الاجتماعي فقط، لا أجدها بمنأى عن السياسة التي تتبناها الدول في تسيير أمورها، أو المرور بالأفعال من تحت اللحاف، ونحن العرب غالباً ما ترتكب بحقنا الجرائم التي يندى لها الجبين، جرائم لا تطول فقط هدم بيوتنا أو قتل أولادنا وأحبتنا أو زرع الألغام في أراضينا أو حتى نفينا في مجازر جماعية تتلوها كلمة اعتذار من منفذيها ونحن لا نملك لا حول ولا قوة وأقوى شيء يمكننا فعله هو الاستنكار والتنديد، إنما الجرائم الأفظع تطول حقوقنا كمواطنين ولدنا على أرض قيل لنا إن من واجبنا تجاهها الدفاع والذود عنها والرقي بها في مقابل ضمانها توفير سبل العيش الكريم لنا الذي يشمل العمل والسكن والخدمات الصحية وحرية التعبير عن آرائنا وأولها الاعتراف بنا كمواطنين على أرضها بكل ما تحمل الكلمة من معنى وما يترتب عليها من حقوق وواجبات... ولكن هنا يعجز اللسان حتى عن الاعتراف بالتقصير... وتبقى «آسف» كلمة لا تليق إلا بالرجال، فكم رجل لدينا؟

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً