العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ

كل بحقيبته يتمختر ونحن على العطايا نتجمهر!

كثيراً ما نسمع أنه أسند إلى الشخص الفلاني تشكيل حكومة جديدة في الدولة الفلانية ليكون رئيس وزرائها، وبعد فترة يعلن أنه وزعت الحقائب الوزارية على الوزراء الذين تم تعيينهم، وقد يتساءل البعض: لماذا يتم توزيع الحقائب على الوزراء؟! ولابد أن تكون تلك الحقائب الوزارية فاخرة جداً وباهظة الثمن وتكلف الدولة - أية دولة - الشيء الكثير.

ونادراً ما يستخدم هؤلاء الوزراء تـلك الحقائـب، لأنـنا لـــم نــــر لا في الواقع ولا على شاشات التلفزيون وزيراً يحمل حقيبته الوزارية، وخصوصاً في دول الخليج، فلا نراه إلا وهو ملتف بعباءته أو بصحيح العبارة «بشته الكشخة وملابسه الجديدة البراقة ناصعة البياض، التي تكلف الدولة الشيء الكثيـــر والمال الوفيــــر»، وإن أراد يوماً أن يحمل حقيبته الوزارية فهو يخول مدير مكتبه أو سائقه بحملها.

في حين نرى الكثير من الطلبة وخصوصاً في الكثير من مدارسنا وحتى في جامعاتنا، وهم يحملون كتبهم بأيديهم لكونهم لا يستطيعون توفير ثمن هذه الحقيبة، فلماذا لا توفر وزارات التربية والتعليم حقائب لمثل هؤلاء الطلبة، وطبعاً فإن ثمن حقائب كل هؤلاء الطلبة، لن يتعدى ثمن حقائب الوزراء وربما يكون هناك فائض من المال يمكن توزيعه على هؤلاء الطلبة المحتاجين لتسيير أمورهم، وشراء ما يلزمهم من أدوات مدرسية وقرطاسية واحتياجاتهم الأخرى.

والحقيبة على رغم أهميتها في حفظ الأشياء المهمة والخاصة لأي شخص، فلقد أصبحت عند البعض من مظاهر الوجاهة والأهمية والتفاخر وخصوصاً المديرين الذين نراهم عند دخولهم وخروجهم من الدوام، يحملون حقائبهم ويتمخترون بها ذات اليمين وذات الشمال، إلى درجة أن انتقلت العدوى إلى بعض الموظفين المتحذلقين الذين يحبون المباهاة والمظاهر والتفاخر، ولو فتحت حقيبة أحدهم، فلن تجـد فيها إلا أوراقاً عادية وربما بعض الصحف والمجلات وبعض الأشياء الأخرى.

والحقيبة التي كان يحملها مثل هؤلاء المديرين ورجال الأعمال في السابق، وهي المعروفة بـ «الشنطة» الدبلوماسية وربما اشتقت أو جاءت تلك التسمية لكون تلك الأنواع من الحقائب والشنط يستخدمها السفراء والدبلوماسيون بكثرة، تغيرت وأصبحت تشبه إلى حد بعيد الحقيبة المدرسية المصنوعة من الجلد، وهناك من يبالغ في حمل حقيبتين بدلاً من الواحدة، كما نشاهد في جامعة البحرين، إذ هناك بعض الأساتذة يحملون حقيبتين وكل حقيبة تكاد تنوء بحملها، وكأنها على وشك الانفجار من كثرة ما بها من حمولة زائدة. والطريف في الأمر أن البعض يحمل واحدة بيده والأخرى محمولة على كتفه، ولا ندري ما السر في ذلك؟ وقد يستعين البعض في المستقبل بحمال آسيوي ليحمل عنه تلك الحقائب، وعلى ما يبدو أن إحدى الحقيبتين بها جهاز الكمبيوتر النقال أو المحمول الخاص بالأستاذ أو الأستاذة الجامعية.

ونعود إلى النواب وغيرهم في مجالس الشورى والبرلمانات، وخصوصاً في دول الخليج فهؤلاء يحصلون على كل لوازم (كشختهم - كما يقال في الخليج) من لباس ومداس وعطور وزهور من الدولة، وكذلك تعطى لهم سيارات فارهة وفخمة كل عام، وهبات وعطايا ومكافآت ومكرمات وعلاوات سفر وتنقل، وسفرات عمل واجتماعات إلى مختلف دول العالم، وهي تكلف الدولة موازنة باهظة، وبذلك تصبح حاجياتهم زائدة وأموالهم كثيرة وفائضة.

ويعيش هؤلاء النواب في بحبوحة العيش الرغيد وفي ترف ونعيم وتصبح أيامهم عيداً في عيد، وتظهر صورهم في الصحف والمجلات وفي الدعايات وعلى شاشات الفضائيات (المحلية والعالمية)، ويصبحون مشهورين كنجوم السينما في مصر أو في هوليوود، ويطاردهم رجال الصحافة وتلاحقهم كاميراتهم.

بينما أفراد الشعب الذين صوتوا لهم وانتخبوهم وجعلوهم ينعمون بالخيرات ويحصلون على الهيرات والليرات، ويتمتعون بالجلوس على كراسي النعام الوفيرة، ويستظلون تحت قـبـة البـرلمان الشهيــرة، ويحصلون على كل ما يلزمهم من أدوات وأغراض بأسعار رخيصة زهيدة... لا يحصلون على مطالبهم المطروحة، ولا على حقوقهم المشروعة، وهي لدى النواب معروفة ومشروحة وتظل نفوسهم في حسرة كسيرة مشروخة. والوزراء لا يحصلون على الحقائب الوزارية فقط، فهم يحصلون على أضعاف مضاعفة مما يحصل عليه رفاقهم النواب، فهذه الحقيبة الوزارية التي يحصل عليها كل وزير، ليست كما يتصور أو يفهم من التسمية، بأنها حقيبة فاخرة باهظة الثمن، وإنما هي مجرد تسمية، يقصد بها إسناد مسئولية تحمل أعباء وزارة معينة إلى وزير معين، فيقال تم ترشيح فلان الفلاني ليحمل الحقيبة الوزارية في وزارة ما، أي يسند إليه القيام بمنصب وزير في وزارة معينة، وهذه المصطلحات معروفة ومشهورة.

زاد الله في ثرواتهم وكثر في أموالهم، فلو فرضت ضريبة الدخل على هؤلاء النواب والوزراء وكبار المسئولين في البلاد، وعلى الشركات والمؤسسات التجارية والمصارف وعلى كبار المسئولين فيها، كما هو مطبق ومعمول به في الكثير من دول العالم، مع الدعم والإسناد الحكومي لتوافرت أموال طائلة وثروات هائلة، يمكن الاستفادة منها لمساعدة الفقراء والمحتاجين وفي إقامة المشروعات الخيرية والاستثمارية، التي ستدر أرباحاً وخيرات كثيرة تساعد على الحد من معاناة الفقراء والتقليل من عدد العاطلين، والتوصل إلى حل للكثير من القضايا والمشكلات العالقة، التي تزعج وتقلق المواطنين والحكومة على حد سواء، بالإضافة إلى التخطيط الدقيق والمحكم والسعي إلى إيجاد البدائل والحلول الناجعة للتخلص من العقبات التي تحول دون تحقيق الخطط والأهداف الموضوعة للحد من مشكلات الفقر والبطالة، والعمل على تطبيق خطة عمل لإحلال المواطن بدلاً من الأجنبي في المواقع كافة، ووضع خطة خماسية أو رباعية الهدف منها الدخول في مشروعات تنموية واستثمارية لإنعاش الاقتصاد الوطني، في سبيل القضاء التدريجي على الفقر والبطالة، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وزيادة الدخل القومي للفرد، ولتغيير الأوضاع نحو الأفضل لتحقيق العدالة والمساواة والرفاهية وتكافؤ الفرص للمواطنين كافة في البلاد، والقضاء قضاء مبرماً على التداعيات والسلبيات الناجمة عن الفقر والبطالة كالفساد المالي والإداري والتمييز والطائفية وغيرها من مساوئ مزرية، تقف عقبة كأداء وحجر عثرة في طريق المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك.

محمد خليل الحوري

العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً