العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ

أبوغريب ليس غريباً عن الثكنات العسكرية في ألمانيا

في العام 1996 صعق الرأي العام الألماني حين جرى عرض شريط فيديو صوره جنود ألمان صور في ثكنة هاملبيرغ ظهر فيه جنود وهم يمارسون أعمال التعذيب والاغتصاب بصورة استعراضية. وظهر جندي وهو يضع فوهة مسدسه في فم جندي آخر بينما جندي ارتدى زياً نسائياً راح يصرخ طالباً عدم اغتصابه. فيما كان الشريط عبارة عن مسرحية ليست مضحكة فإن ألمانيا منشغلة منذ أيام بوقائع جديدة.

فقد كشفت وسائل الإعلام المحلية عن ممارسات شاذة جديدة داخل المؤسسة العسكرية الألمانية. وتعتبر الفضيحة الجديدة ضربة موجعة لسمعة القوات المسلحة الألمانية التي أصبحت خلال حكم الائتلاف الاشتراكي الأخضر بزعامة المستشار غيرهارد شرودر وسيلة مهمة للسياسة الخارجية الألمانية. إذ هناك نحو عشرة آلاف جندي ألماني في أنحاء العالم يعملون في نطاق مهمات تحت راية الأمم المتحدة. يذكر أن جندياً واحداً قتل في تاريخ المؤسسة العسكرية الألمانية نتيجة الممارسات الشاذة التي تجري سراً. ففي العام 1963 توفي جندي تابع لوحدة المظليين في ثكنة ناغولد بمنطقة الغابة السوداء جنوب البلاد، بعد أن تعرض إلى تعذيب وحشي من قبل رفاقه. وكانت النتيجة أن تم حل هذه الوحدة.

الآن ينهمك المدعي العام بمدينة مونستر بمراجعة التحقيقات التي تمت مع 18 من العسكريين (ضابط صف ومدربين) بعد أن وجه إليهم تهمة ممارسة تعذيب أفراد يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية وإهانتهم. ووجه المدعي العام للعسكريين اتهامات بالإغارة على رفاقهم ليلاً وخطفهم وحبسهم في مخابئ تحت الأرض وتعذيبهم بصورة لا تتفق مع مبادئ العسكرية الألمانية. وكان بيتر شتروك وزير الدفاع الألماني الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، قد أكد عقب الكشف عن الصور المشينة التي خرجت من سجن أبوغريب في بغداد وانتشرت في أنحاء العالم، أنه ليس من الممكن أن يمارس جنود ألمان مثل هذه الممارسات التي قام بها جنود أميركيون داخل سجن أبوغريب. لكن شاء القدر أن يحصل ما حصل داخل سجن أبوغريب في ألمانيا والأسوأ أنه حصل داخل ثكنات عسكرية ألمانية في الفترة بين شهر يونيو/ حزيران ونهاية شهر أغسطس/ آب من العام الجاري.

كما هو معتاد فإن الفضائح تبدأ بزلة لسان. إذ جلس جندي بين عدد من رفاقه وبين رشفات فنجان القهوة راح يذكر وقائع قصة يصعب تصديقها: جنود الثكنة التي يعمل بها أغاروا على زملاء لهم وقيدوا أيديهم وأقدامهم وأهانوهم. في البداية ظن الرفاق أن كل ما ذكره صديقهم نكتة سخيفة لكنه كان يقول حقيقة ما دار داخل الثكنة. بلغ إلى مسامع قادة القوات المسلحة الألمانية في المقر الرئيسي بمدينة كوبلينز ما ذكره الجندي وسرعان ما ثبتت أقواله بعد تحقيقات سرية استمرت بضعة أسابيع قبل أن تنتشر في وسائل الإعلام المحلية. وقال مسئول عسكري: كنا نعتقد أن أبوغريب بعيد عنا. مرة جديدة تتعرض سمعة القوات المسلحة الألمانية إلى الشك وتجري تحقيقات مع عسكريين لكن هذه المرة هي الأسوأ مقارنة مع الحوادث السابقة.

ونقل عن جنود يؤدون الخدمة الإلزامية في ثكنة فرايهر فوم شتيرن بكوزفيلد القريبة من مدينة مونستر أنهم فوجئوا بمدربيهم يغيرون عليهم في عتمة الليل. إذ تنكر المدربون بلباس فدائيين عرب وفجروا قنابل مسيلة للدموع قبل أن يقيدوا أيدي الجنود وأمروهم أن يركعوا. وقال جندي: كل شيء جرى على الطريقة الأميركية إذ سيقوا من مكان إلى مكان بعد أن عصبت عيونهم ثم قيدوا للتحقيق معهم بصورة لا تدل أبدا على أن هذه الممارسات ضمن برنامج التدريب بل كانت ممارسات تعذيب حقيقية.

وذكر شهود آخرون أنهم سمعوا من جنود في ثكنة كوزفيلد كيف كانوا في الليل يسمعون صراخ جنود إذ يعتقد أنهم كانوا يتعرضون لضرب مبرح وللتعذيب بواسطة الكهرباء وكيف أن بعض الجنود أجهشوا بالبكاء وهم يقصون هذه الروايات المفزعة بشأن ما كان يدور داخل ثكنة الرعب كوزفيلد. لهذا السبب يحقق المدعي العام منذ وقت قصير مع ضابط صف و17 من العاملين تحت إمرته والتهمة الموجهة إليهم هي ممارسة التعذيب. في حال ثبوت التهم فإن العقوبة القصوى وفقاً لما ينص عليه القانون العسكري هي الحبس مدة أقصاها خمسة أعوام. تشير الرواية إلى أن هذه الممارسات تمت في الفترة بين يونيو/ حزيران ونهاية سبتمبر/ أيلول في ختام دورة إذ تعرضت فرقة من الجنود إلى اعتداء من قبل مدربيهم الذين قيدوهم ونقلوهم في شاحنة إلى مكان حيث أجبروا على الركوع وفي حالتين قام المعتدون بوضع أسلاك جهاز اتصال اللاسلكي على الرقبة والبطن ما أدى إلى إصابة جنديين بصدمات كهربائية. يعتقد المحققون أن هذه الممارسات قد صورت على شريط فيديو لذلك تمت مصادرة أجهزة كمبيوتر. تجري التحقيقات مع الضحايا ومع المعتدين ويعتقد المدعي العام الأعلى بمدينة مونستر، فولفغانغ شفير أنه في ضوء المعلومات التي تزداد كل يوم لا يستبعد أن يزيد عدد الاتهامات التي وجهها إلى 18 من العسكريين العاملين في ثكنة كوزفيلد. وقال الجنرال إرنست هاينريش لوتز قائد الجيش الألماني إنه أصيب بصدمة قوية حين سمع بما حصل في ثكنة كوزفيلد وأضاف: ليس الأمر فقط أن سمعة المؤسسة العسكرية الألمانية تعرضت إلى ضرر، بل في هذه الحال، تم التنكيل بعدد من الأشخاص بصورة يندى لها الجبين. لكن الجنرال واثق ان ما حصل في ثكنة كوزفيلد حال نادرة وهو بذلك يؤيد رأي رئيسه وزير الدفاع الألماني شتروك الذي علق على صور سجن أبوغريب: هذا العمل لا يقوم به جندي ألماني. في هذا الوقت كانت ممارسات مشابهة قد وقعت في ثكنة كوزفيلد. اسم المدينة التي يبلغ عدد سكانها 36 ألف نسمة بات منذ الأحد الماضي على كل شفة ولسان. وينتظر أن يجري الكشف عن صور ومعلومات تفضح ما يدور داخل هذه الثكنة. بينما لا ينتظر أن تظهر معلومات من قبل جنود بصورة مباشرة لأن القانون العسكري يحظر عليهم البوح بمعلومات فإن بعض الذين أدوا الخدمة العسكرية في هذه الثكنة أنشأوا صفحة على شبكة الإنترنت يتحدثون فيها عن تجاربهم داخل ثكنة كوزفيلد. وقال أحدهم إنه ينصح الذين سيؤدون الخدمة فيها رفض الخدمة وإلا فإن جهنم ستكون بانتظارهم. جندي آخر كتب يقول: لن أقرب هذا المكان في حياتي، المدربون في كوزفيلد ساديون.

على الأقل محتسي القهوة لم يلتزم الصمت وخلال أيام معدودة قال الكثير وبقي الكثير. وعلى الفور توجه قائد الجيش الألماني، لوتز، إلى ثكنة كوزفيلد للإطلاع على محضر التحقيقات قبل أن يطلب تسليمه إلى المدعي العام. المثير أن هناك عشرات الجنود ممن تعرضوا لهذه الممارسات فضلوا السكوت. وقال أحد الضباط: «أعتقد أنهم فضلوا التزام الصمت كي لا يتعرضوا للاستجواب ما سيضطرهم إلى استعادة ذكريات مؤلمة تسبب لهم مشكلات نفسية وهم بأية حال سعداء لأن الخدمة الإلزامية انتهت وهؤلاء لن يقربوا المؤسسة العسكرية في حياتهم بعد اليوم بعد أن تعرفوا على الشق القبيح منها»

العدد 813 - الجمعة 26 نوفمبر 2004م الموافق 13 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً