العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ

علاوة كلام!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

ما الحدود التي تتوقف عندها مهمات المعلم أو المسئوليات الملقاة على عاتقه؟... «البيت والمدرسة مكملان لبعضهما بعضاً»... جملة كثيراً ما تتردد على مسامعنا، ولكن هل نلمس لها وقعاً على أرض الواقع؟... نعم، إن البيت والمدرسة أياً كانت طبيعتهما يساهمان في صقل شخصية الطالب وبالتالي تتوضح معالم طريق مستقبله، لكن إلى أي مدى من الممكن أن تسهم المدرسة في اكتشاف مواهب طلبتها وبالتالي صقلها وخبزها بخبرات المدرسين لتتكون عندنا في النهاية كعكة لذيذة لاشك أن أول المتلذذين بأكلها هو ذلك الموهوب والوطن...

إن لفتة بسيطة إلى واقع حال غالبية المعلمين لدينا ربما تعطينا انطباعاً بأن أية موهبة تقع تحت أيديهم سيقبرونها بأنفسهم من حيث لا يعلمون!... كثيراً ما جمعتني جلسات بمعلمين ومعلمات بمختلف المستويات والتخصصات لكنهم جميعاً كانت تجمعهم خصلة واحدة هي الإحباط والتذمر المستمر، ما يجعلك تنفر حقيقة من مثل هذه الجلسات أو تحسب لها ألف حساب... ووحدهم الجيل القديم من تشعر فعلاً بإخلاصهم لعملهم، بل وحبهم الشديد له بحيث يجعلهم يقضون جل عمرهم أمام صفوف الطلبة من دون أي كلل أو ملل، وحين تلتقيهم بعد زمن كنت فيه قد كبرت فإنهم سرعان ما يتذكرونك سواء لاجتهادك أو شقاوتك، ما يوحي بعمق العلاقة والترابط بين المعلم وطلبته سابقاً ومدى تقدير واحترام كل منهما للآخر وإن بدر من الأول ضربة عصا ومن الثاني مقلب جعل الصف يضج بالضحكات!

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السر وراء صبر هؤلاء وعدمه عند غيرهم من الجيل الحالي؟ وما السر وراء هذا الإحباط الذي بات ينعكس على مستوى الطلبة وشخصياتهم، بل حتى مواهبهم التي هي بأشد الحاجة إلى الرعاية والاهتمام وحتى التبني؟... نصاب المعلمين من الحصص... عدم تقدير الإدارة لما يقومون به من جهد وأنشطة... منافسة الجيل السابق إليهم أو عدم تقبله لوسائل التعليم الحديثة وبذلك فإن القديم غالباً ما ينظر إلى الجديد بشيء من الريبة والخوف من أن تدور الدوائر فيصبح الأعلى في الأسفل والعكس صحيح... عدد الطلبة في الصف الواحد... عدم التعاون أساساً بين أفراد الجيل الواحد، بل التخصص الواحد وتبادل الأنشطة والمهارات والخبرات فيما بينهم حتى أصبح كل فرد منهم يتستر على أنشطته حتى لا تقع عليها عين صاحبه فيصيبه بحسد أو ينسب العمل إليه ويطلع هو من «المولِّد بلا حمص»... نظرة الطالب إلى المعلم ونظرة المعلم إلى الطالب في هذا الزمن المفتقدة لروح المحبة والإخاء واحترام الأكبر والعطف على الأصغر، والويل والثبور إن غلب التلميذ أستاذه أو حاول لفت نظره إلى خطأ ارتكبه، فهل يعقل أن هذا «الذي لم يخرج بعدُ من البيضة» يعلمني أنا «من فقست وفرخت وكبرت وشخت»؟، الوزارة وعدم تقديرها لمعلميها سواء مادياً أو معنوياً وانعدام الرقيب على إدارات المدارس وتحميل المدرس فوق طاقته وبمواد قد تكون خارجة عن نطاق تخصصه وليس له فيها لا طين ولا عجين... كلها عوامل تذمر وإحباط نسمعها من الجيل الجديد ونزيد عليها ما نسمع من طوابير العاطلين والمتظلمين من تأخير توظيفهم حتى كره الفرد منا الالتحاق بهذه المهنة أساساً... وكلها عوامل قد نتذرع بها لنلتمس العذر للمعلم إن هو لَهَا عن مواهب طلبته كالكتابة أو الرسم أو الرياضة ولم يكلف نفسه عناء تنميتها والارتقاء بها وتشجيعها.

ولكن من الجانب الآخر فنحن نلومه على إهمال تلك المواهب التي باتت حبيسة الأدراج أو قصاصات ورق تلقى هنا وهناك إن لم يلتفت إليها أحد وسارع لنجدتها فإن مصيرها سلة المهملات، فما أعتقده أن ذلك جزء من مهمات المعلم وهي مهمة بسيطة لا تنفصل أبداً عما يقوم به في حصته الدراسية... فمعلم اللغة العربية مثلاً من الممكن أن يلتفت إلى مهارة الكتابة والتعبير عند طلبته من الواجبات المدرسية فقط، وحينها، فالأمر لا يتطلب منه أكثر من كلمات تشجيع تجعل ذلك الطالب وبسليقته يقدم على الكتابة أكثر وأكثر وهنا يحين دور توجيه بعض الملاحظات من أجل صقل هذه الموهبة في أحسن قالب... فهل هذا سيكبد المعلم عناءً وتعباً أكثر؟ وهل يعد ذلك التشجيع خارجاً عن نطاق مهماته وواجباته؟ أم أن هذه (الكلمات) يستحق عليها أجراً يضاف إلى رصيد راتبه في كل شهر؟! فإن كان الأمر كذلك فنحن نطالب وزارة التربية بتخصيص «علاوة كلام» لكل مدرس حتى لا تدفن مواهب أبنائنا ويبقوا كحال مدرسيهم محبطين يائسين متذمرين

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 814 - السبت 27 نوفمبر 2004م الموافق 14 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً