العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ

لديهم «بن برنانكه» واحد ولدينا المئات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقابلة له مع برنامج «60 دقيقة» الذي تبثه شبكة «سي بي إس» (CBS) الأميركية، نقل ما جاء فيها موقع شبكة «سي إن إن»، أكد رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي بن برنانكه، «إن الركود الأميركي قد يستمر معظم العام»، ملمحا إلى احتمال «أن يكون العام المقبل عام الانتعاش للاقتصاد، حيث سيبدأ الانكماش بالانحسار ويحل مكانه الاستقرار».

يصعب تصديق هذه التصريحات التي صدرت من مسئول، كان قبل فترة قصيرة جدا، وبالتحديد قبل ما يربو على ثلاثة أسابيع، يخاطب اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ في الكونغرس الأميركي كي يؤكد لأعضائها، وبالثقة ذاتها «إن تعافي الاقتصاد الكامل سيستغرق أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات».

كان من الممكن التغافل عن التناقض فيما جاء في أقوال برنانكه والإصغاء بثقة أكثر إلى حديثه مع «سي بي إس»، والانجرار نحو نبرته المتفائلة، تجرفنا إلى تلك الحالة النفسية المتردية، جراء الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ونحن في القلب منها.

لكننا لا نملك إلا أن نتوقف عند تصريحات شخصية اقتصادية أخرى، لا تقل اطلاعا عن بن برنانكه تحذر بشدة من «احتمال استمرارية أزمة القطاع المصرفي لفترة زمنية قد تمتد إلى عقد»، وليس سنة أو سنتين كما يدعي برنانكه.

ويبني وزير المصارف البريطاني لورد مايرز توقعاته تلك على أرضية تهاوي أسهم أكبر مصرفين في بريطانيا وهما رويال بنك أوف سكوتلند ومجموعة لويدز المالية، المتزامنة مع توقعات بارتفاع البطالة إلى قرابة مليوني عاطل عن العمل، ينتظر لها أن تتزايد لتصل إلى 3.4 مليون بحلول العام 2011.

تعزز هذه النظرة التشاؤمية بشأن المستقبل القريب للاقتصاد العالمي تقارير منظمات دولية أخرى من مستوى البنك الدولي الذي يذهب إلى مستوى القول، وكما ورد على موقع هيئة الإذاعة البريطانية، بأن «الاقتصاد العالمي سينكمش هذا العام (2009)، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية».

وعلى المستوى الصناعي يحذر تقرير أصدره البنك الدولي من «إن الإنتاج الصناعي العالمي سينخفض في منتصف العام الحالي 2009 بنسبة 15 في المئة عما كان عليه في العام الماضي 2008، بينما ستسجل حركة التجارة أدنى مستوى لها منذ 80 عاما، وبأن الدول النامية ستواجه عجزا كليا يبلغ 700 مليار دولار هذه السنة».

أما مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس، فهو أكثر تشاؤما من الجميع حيث يصل به اليأس إلى درجة القول بأن «الاقتصاد العالمي قد يسقط في أزمة طويلة ناشرا حالة من الاضطراب الاجتماعي ما لم تعزز الحكومات وتنفذ برامج التحفيز التي تعهدت بها».

وتنقل وكالة أنباء رويترز تقارير أخرى صادرة عن الأمم المتحدة تتوقع بأن يواجه الاقتصاد العالمي «أسوأ هبوط له منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، يرافق ذلك انكماش في الاقتصاد العالمي بنسبة 0.4 في المئة في العام 2009، بسبب هبوط في الأسعار في الدول المتطورة، وخصوصا الولايات المتحدة وأوروبا، ولن يأتي انحسار موجة الركود خلال وقت قصير، بالرغم من ضخ المليارات لانقاذ المؤسسات المنهارة».

وعلى المستوى العربي، حذر التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة بعنوان «الوضع الاقتصادي العالمي والتوقعات في عام 2009» من «تباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة غربي آسيا جراء انخفاض أسعار البترول والأزمة المالية العالمية»، مشيرا أيضا إلى أن «الهبوط الحاد والدائم في أسعار البترول لن يؤثر فقط على الاستثمارات الخاصة والعامة في الدول المصدرة للبترول، ولكن قد يكون له أيضا تأثيرات على الاقتصادات الأكثر تنوعا في منطقة غربي آسيا». والمقصود بمنطقة غرب آسيا هي العالم العربي و»إسرائيل».

ويخلص التقرير إلى الإشارة إلى انخفاض «متوسط أسعار النفط 35 في المئة في العام 2009» ويعزو ذلك إلى تباطؤ الطلب العالمي على مصادر الطاقة جراء الكساد الذي تعاني منه مصانع الدول الصناعية، ناهيك عن الانكماش المسيطر على أسواقها. تزداد الأمور سوءا، وفقا لما جاء في ذلك التقرير عندما ندرك عمق «الهبوط الحاد في عائدات التصدير»، الأمر الذي «سيؤدي إلى عملية تباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة، ليصل إلى 2.7 في المئة هذا العام».

هذه النزعات التشاؤمية الواضحة النبرة، تصادر كل محاولات التمويه التي يحاول بن برنانكه أن يغلف بها تصريحاته بشأن الأزمة وذيولها وتلافي تداعياتها في فترة قصيرة جدا، كما يدعي هو.

الأمر المستغرب، أنه بينما يغرد برنانكه وحيدا خارج السرب، نجد في المنطقة العربية المئات من لـ «بربرنانكه» العرب، وعلى وجه الخصوص الخليجيين منهم، ممن لا يكفون عن «تطمين المواطن العربي»، من خلال ادعاءاتهم الجوفاء القائلة بـ «متانة اقتصاد البلدان العربية، ووفرة السيولة النقدية التي بحوزتها، واللتين توهلانها لمواجهة الأزمة، والتصدي لذيولها، والحيلولة دون اتساع نطاقها».

وليس أخطر من وصف الدواء الخطأ، ولا أسوأ منه، سوى المخدرات والمهدئات، فهي إلى جانب عن عدم جدواها في العلاج، فهي أيضا توهم المريض بوافر صحته وسلامة بدنه، تاركة المرض ينخر جسده حتى ينال منه فيتهاوى تحت تأثير ضرباته.

قد تبدو بعض مظاهر الصحة في أبدان بعض البلدان العربية الصادرة من الوفرة في السيولة النقدية التي ولدتها الطفرة التي شهدتها أسعار النفط في النصف الثاني من العام الماضي، لكن تلك لا تعدو كونها مظاهر خداعة، قصيرة الأجل، ليس في وسعها الصمود أمام أزمة من نمط التي يواجهها العالم برمته، دون أي استثناء لأي من دوله أو أقاليمه، بما فيها البلدان العربية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2384 - الإثنين 16 مارس 2009م الموافق 19 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً