العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ

جرائم الاعتداء الجنسي على الصغار: الظروف والأسباب والحلول

حميد حبيب أحمد comments [at] alwasatnews.com

إن استنكار الخبائث والجرائم في المجتمع ومنها الاعتداءات الجنسية على صغارنا أمـر أساسـي ومطـلوب لمحـاربتـها ومكـافـحتـها مـن الـنواحـي الأخـلاقـية والاجتـماعية والدينية والتشريعية. وبالتالي يسـتلـزم الأمـر مـنا جمـعياً أفـراداً وأسـراً ومجتمعاً ومؤسسات أهلية ورسمية، تكثيف التعاون من أجل القضاء عليها والحد منها حماية لهذه الفئة البريئة وعموم المجـتمع، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟

هذه الإعتداءات مرفوضة ومستنكرة من كل أصحاب الأخلاق الفاضلة، ومكروهة وممقوتة في جانب القيم والأعراف الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية السوية كافة، ومن بينها مجتمعنا البحريني، كما أنها محرمة وغير جائزة من جميع الأديان السماوية وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف. وفوق هذا وذاك فهي مجرّمة من الناحية القانونية بالنص على معاقبة مرتكبيها في الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات البحريني للـعام 1976 وتعديلاته أسوة بجميع القوانين الجنائية المماثلة في العالم. كما أن تشديد العقوبات على المدانين قضائياً بارتكاب هذه الجرائم قـائم ومطبق من قبل القضاء الجنائي أمام المحاكم الجزائية في البلاد.

إلا أن كل ذلك على رغم أهميته، يبدو أنه أمر غير كافٍ لوقف مسلسلها المشين الذي تعج به عيادات الأطباء وأقسام الشـرطة والمحاكم الجزائية وما تطالعنا به الصحف المحلية بين حين وآخر. الأمر الذي يؤكد حقيقة ثابتة أن الجريمة في المجتمع البشري أياً كان هذا المجتمع، هي في الواقع ثمرة محرمة وليدة ظروف عدة، متى ما توافرت وتضافرت العناصر اللازمة لبذرتها الشيطانية الكامنة في النفس البشرية، أثمرت «جريمة» شئنا أم أبينا، مصداقاً لقوله تعالى: «ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها». (الشمس: 7، 8)

ولكن ما أسباب تزايد هذه الجرائم في مجتمعنا البحريني العربي المسلم المتحضر، على رغم قيام الاعتبارات الايجابية الكثيرة التي أسلفنا ذكرها؟

إن الوقوف على أسباب الزيادة الملحوظة في هذه الجرائم في المجتمع البحريني أمر ليس باليسير، وخصوصاً في ظل انعدام الدراسات والمسوحات المتعلقة بها، وما هذا الحصر من قبلنا إلا وليد خبرتنا الطويلة في متابعة ودراسة وتحقيق الكثير من هذه الجرائم خلال فترة عمل جاوزت العـقود الثلاثة بالادعـاء الـعام سابقاً، ويمكن أن نسردها في النقاط المختصرة الآتية:

1- كثرة وجود العمالة الوافدة العازبة: إن وجود العمالة الوافدة بكثرة في جميع أنحاء البلاد بما فيها القرى والأحياء الشعبية والتي تقدر بنحو مئتي ألف عامل وافد غالبيتهم من العزاب الشباب وهم من دون قصد الإساءة إليهم بشر فيهم الصالح والطالح ولكل منهم وفق ثقافته وأخلاقياته وما يتاح لديه طريقته في إشباع غرائزه الجسدية، ومن بينها من دون شك الاعتداء الجنسي على الصغار الأبرياء، وما يصل من هذه الجرائم إلى جهات الاختصاص بالدولة إلا القليل منها.

2- تأخر سن الزواج في المجتمع: أن تأخر سن الزواج في المجتمع البحريني نتيجة ارتفاع كلفة الزواج ومواصلة الدراسة الجامعية وانتـشار العاطلين الشباب عن العمل ومحدودية دخول شريحة كبيرة من أبناء المجتمع يلعب دوراً غير مباشر ومؤثر في انتشار هـذه الجرائم، وينعكس على زيادة أعداد الصغار المجني عليهم.

3- انتشار وسائل الإثارة: إن انتشار الأفلام الإباحية والإثارة عبر وسائل التسلية العصرية المختلفة وانفلات الرقابة عنها سواءً من مؤسسات المجتمع أو الأسرة وخصوصاً بعد انتشار الفضائيات وما تعرضه من أعمال هابطة تسهم من دون شك في إثارة الغرائز، ما يدفع باتجاه ارتكاب هذه الجرائم القذرة إشباعاً للرغبة في ظل انعدام الوسائل الطبيعية والمشروعة، وبالتالي يحتل الصغار المرتبة الأولى في قائمة الضحايا.

4- ازدياد أماكن الاختلاط بالصغار: إن ازدياد أماكن الاختلاط والاحتكاك بين الصغار والكبار من خلال ازدياد الاعتماد على العمالة الوافدة فـي بيوتنا مـن خـدم وسواق ومزارعين ومنظفي سيارات بعيداً عن رقابة الأهل تعرض الصغار لمخاطر الاعتداء عليهم.

5- انعدام الوازع الديني: إن انعدام الوازع الديني والأخلاقي في أي مجتمع والرغبة الجامحة في إشباع الغريزة الجنسية وخصوصاً لمن هم في سن الشباب يغذي هذا النوع من الاعتداءات التي تكون غالبية ضحاياها من الصغار باعتبارهم الحلقة الأضعف في المجتمع.

6- انعدام الوعي الوقائي: إن انعدام الوعي الكافي لدى الكثير من الأسر والصغار على حد سواء وبالتالي عدم اتخاذهم الإجراءات الاحتياطية اللازمة لمنع ظروف ارتكاب هذه الجرائم يجعل من الصغار فريسة سهلة لمرتكبي هذه الجرائم النكراء.

كما لاحظنا من الاستعراض السابق للظروف المحيطة بالمشكلة وأسباب ازديادها وانتشارها كظاهرة مرضية جرمية قائمة في مجتمعنا، فإننا نرى أن معالجتها والتصدي لها ليس من مسئولية الأجهزة الرسمية وحدها، إذ إن ذلك ليس بالأمر السهل والهيّن لكونها مشكلة معقدة ومرتبطة بمشكلات أخرى وواقعاً اجتماعياً متعدد الجوانب.

ولا نعنى بذلك أن نقف أفراداً وأسراً ومجتمعاً ومؤسسات أهلية ورسمية، موقف المتفرجين تجاه ازدياد هذه الفحشاء بل يستوجب علينا الخلق القويم والمسئولية الأسرية والدين الحنيف والانتماء للأرض وأهلها، تضافر جهودنا المخلصة للحد منها إن لم يكن بالإمكان القضاء عليها.

وعليه وانطلاقاً من ذلك فإننا نطرح حزمة من الحلول التي يمكن أن تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في القضاء بإذن الله على هذه المشكلة أو الحد منها، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: لاشك في أن استغناء البلاد عن الأيدي العاملة، وبالذات العمالة الوافدة من الشباب، أمر غير ممكن في المنظور القريب، وبالتالي يجب أن نحد قدر الامكان من وجود واختلاط هذه الفئة في أماكن وجود وتجمع الصغار، كالأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية، فالوقاية خير من العلاج والاحتراز أفضل من العقاب.

ثانياً: الحد قدر الإمكان من استخدام الرجال من الأيدي العاملة في بيوتنا، وإن كان ذلك بالأمر العسير وجـب مراقبـتها وعدم الثقة العمياء بها، ويجب ألا تحد عشرتنا الطويلة معها من ذلك، فالمسألة مرتبـطة بظـروف وليـست أخلاقاً فحـسب، والحذر موصول للأسف من الأقرباء أيضاً وبالذات المراهقين منهم.

وتوعية الأمهات والأبناء والآباء بالمخاطر الاجتماعية التي يفرزها وجـود العمالة فـي بـيوتنا وخصوصاً مـن الرجال كالخدم والمزارعين والسـواق وعـمال البناء ومنظـفي السيارات وغيرهم وخصوصاً أن غالبية هؤلاء من الشباب البسطاء محدودي الدخل والتعليم والقيم.

ثالثاً: تشجيع الدولة والمجتمع والأسر على زواج الشباب من المواطنين صيانة لهم من الانحراف وحماية للصغار من الجرائم التي قد يرتكبها البعض منهم بحق صغارنا إشباعاً لرغباتهم الجنسية من دون التبصر بعواقب الأمور.

ونشيد هنا بالدور الكبير الذي تقوم به الصناديق الخيرية من خلال تنظيمها للزواج الجماعي سنوياً في البلاد بما ينعكس بالإيجاب على حل المشكلة موضوع مقالنا هذا.

كما نشيد بالخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها الحكومة بموافقتها على مقترح مجلس النواب بإنشاء صندوق للزواج ليقدم الدعم المالي لذوي الدخل المحدود للمقبلين على الزواج من شبابنا البحريني الذي يعاني من الارتفاع الباهظ لكلفة الزواج وفتح البيوت الجديدة في مجتمعنا.

رابعاً: من خلال متابعتنا الشخصية المباشرة السابقة لهذه الجرائم المؤسفة، نرى أن الإجراءات القانونية المتعلقة بالتصدي لمرتكبيها من قبل أجهزة الدولة بما فيها العـقوبات المقـضي بها كانـت كافية ومناسبة وعادلة، والمرجو بعد صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد وتشكيل جهاز النيابة العامة وزيادة عدد المحاكم الجزائية إعطاء هذه الجرائم المزيد من الاهتمام الذي تستحقه للمساهمة بفعالية في الحد منها، وإن كنا نعتقد جازمين بأن العقوبات وحدها على رغم ضرورتها أمر غير كافٍ، إلاّ ان نشر الأحكام الجزائية يمثل رادعاً للكافة يحد من ارتكاب هذه الجرائم.

خامساً: نتفهم جيداً السياسة التي تتبعها الدولة ممثلة في جهة الاختصاص «الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة»، بعدم السماح للعمال الأجانب بجلب زوجاتهم للعيش معهم في البلاد... إلاّ ان ذلك له انعكاس سلبي نحو جرائم الاعتداء الجنسي على الصغار، الأمر الذي يلزم معه مراجعة هذه السياسة وإبعادها من الجوانب كافة، بما فيها آثارها السلبية تجاه زيادة الجرائم المشار إليها.

سادساً: مراقبة وملاحظة الأهل للأبناء الصغار ومعرفة الأماكن التي يترددون عليها، والأصدقاء الذين يصاحبون، ومنعهم من مصاحبة من يكبرونهم سناً، وتحذيرهم من الغرباء، وعدم مرافقتهم إلى الأماكن المجهولة من دون موافقة وعلم أحد الـوالدين، وعدم الركوب في سيارات الغرباء بحجة توصيلهم إلى مقاصدهم أو أماكن اللهو واللعب، وتحذيرهم من قبول النقود أو أية عروض مغرية تقدم لهم بهدف الإيقاع بهم. وبعد، إن ما قصدناه من وراء كتابة هذا المقال وتسليط الأضواء على الجوانب المخـتلفة للمـشكلة ولموضـوعها المهم والحساس هو حشد الهـمم والدعـوة لتضافر الجهود المخلصة وتوعية الأفراد والأسر والمجتمع بالخطورة التي يتعرض إليها صغارنا، وحماية هذا المجتمع من شرور هذه الجرائم التي لا يخلو منها أي مجتمع كان في هذا العصر، الذي طالت متغيراته كافة، أوجه الحياة بما فيها أخلاقيات وضمائر البشر، سائلين المولى عز وجل أن يحفظ هذا الوطـن وكل أبنائه من كل الشرور

إقرأ أيضا لـ "حميد حبيب أحمد"

العدد 816 - الإثنين 29 نوفمبر 2004م الموافق 16 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً