العدد 820 - الجمعة 03 ديسمبر 2004م الموافق 20 شوال 1425هـ

إدارة التخطيط والتحديات

مجيد السيد علي comments [at] alwasatnews.com

.

مما لا شك فيه أن جمعة الكعبي، وهو الذي أوكل إليه ملف إدارة التخطيط في وزارة شئون البلديات، سيواجه واقعاً مريراً وملفاً معقداً يحوي الكثير من المآسي والصور التي تعكس الحال التي دأبت عليها أجيال متعاقبة من المسئولين عن هذه الإدارة. ونظراً لأهمية إدارة التخطيط ودورها الحيوي في إعداد المخططات العامة للمناطق والمخططات التفصيلية، ونظراً لكون المادة الأساسية التي تتعاطى معها الدائرة هي الأراضي والأملاك العامة والخاصة، فقد شكّل العمل في هذه الدائرة فرصة ومجالاً كبيرين لاستغلال تلك المواقع للمصالح الشخصية حتى وصل الحد إلى قول أحد المسئولين السابقين إنه يقبل أن يعمل مجاناً في تلك الدائرة التي تحوّلت إلى دجاجة تبيض ذهباً.

فمن جهة، كانت الدائرة معنية بتصنيف المناطق المختلفة، والمخططات إذ شكل التصنيف في غياب المخطط الهيكلي الوطني للدولة، ورقة مساومة وفرصة للصفقات، إذ إن تصنيف منطقة العمارات متعددة الأدوار يفرق كثيراً في السعر عن تلك المصنفة كمناطق سكنية، وحتى مناطق العمارات فإن مناطق العشرة أدوار تفرق كثيراً عن الثلاثة أو الخمسة أدوار، وبالتالي فإن أصحاب تلك الأراضي ومن منطلق المصلحة الوطنية العليا طبعاً كانوا على استعداد لكي يتفاهموا على «مقتضيات» التصنيف مع المعنيين بالموضوع. وشكل ذلك الواقع إغراء كبيراً للجميع، ما جعل بعض المسئولين في إدارة التخطيط يدخلون بقوة في سوق العقار وبالتالي يستفيدون من التصنيف العمراني الذي يعملون بكل أمانة على إعداد مخططاته، طبعاً بتجرد ونكران ذات لا يرقى لمستواها إلا الأنبياء.

والمتتبعون للمخططات وتصنيف المناطق، يذكرون «المناطق» التي تم تغير تصنيف الأراضي فيها مرات عدة، ارتبطت بتعاقب المسئولين على الإدارة وما كان لهم من عقارات وأملاك في هذه المنطقة أو تلك!

وإذا ما عرفنا بأن مناطق مثل الجفير وحتى السيف قد صنفت أساساً كمناطق سكن خاص، وما يتبع ذلك من تخطيط للشوارع والبنية التحتية بوجه عام، وتحول تلك المناطق إلى عمارات وأبراج بقرارات إعادة تصنيف، فإن ذلك يوضح ما للإدارة المعنية من دور حيوي وخطير في رسم الواقع العمراني، وكذلك ما تتحمل من مسئولية عن مآسي وكوارث التخطيط.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المخططات السكنية وبحسب قانون التقسيم، فإنه من حق المخطط أن يقتطع نسبة لا تزيد على 30 في المئة من الأراضي حين تقسيمها لغرض توفير شوارع ومستلزمات عامة تحتاجها تلك المجمعات السكنية القادمة، وهنا أيضاً كانت النسبة موضع حوار ونقاش وتفاوض، إذ يمكن أن يتم التفاهم على نسبة أقل بكثير على حساب توفير الحدائق ومواقع المساجد والمناطق الممنوحة لاستخدامات العامة، وهو أمر ينسجم تماماً مع التوجه الجشع والاستفادة القصوى من خلال تمرير العدد الأكبر من القسائم حتى تحول المخططات الخاصة بالقسائم إلى ما يشبه المتاهات التي تدخل فيها بشوارع تصطف عليها البيوت السكنية المتلاصقة، وكان الله في عون من وضع نظريات التخطيط العمراني، التي تناساها الذين درسوها من العاملين في التخطيط أمام إغراءات «القيام بالواجب الوطني» و«المحافظة على المصلحة العامة»!

ويكون ذلك التكدس العمراني مقبولاً ومفهوماً في المشروعات الاسكانية التي تقوم بها الحكومة والتي تستهدف القطاع المحتاج من المواطنين، إلاّ أن ذلك النموذج لا يمكن القبول به في حال المخططات الخاصة، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير ما جعل شراء الأراضي محصوراً في الطبقة المتوسطة من المجتمع، والتي تستحق بيئة سكنية أفضل بكثير ممّا توفره المخططات السكنية الحالية التي يتم إنتاجها في مطبخ المصالح الضيقة والغرف المغلقة.

كل ذلك وأشياء أخرى تجعل من مهمة من سيتصدى لمسئولية إدارة التخطيط مسألة ليست بالهينة، وخصوصاً أن التركة ثقيلة والحاجة ماسة للتغيير، والحديث هنا عن تغيير جذري لا يقبل العمليات الترقيعية، إذ إن المطلوب انقلاب بكل معنى الكلمة، ليس في أسلوب العمل فقط بل ويجب أن يطال العمل جذور المشكلة؛ أي مشكلة الفساد التي يجب العمل على تجفيف منابعها باستئصال من أفرزها وترعرع في أجوائها، ولا يمكن أن يتخيل العيش في بيئة نظيفة من دون العمل على تلويثها بمخزون الفساد الذي يكفي لتلويث قارة بكاملها

إقرأ أيضا لـ "مجيد السيد علي"

العدد 820 - الجمعة 03 ديسمبر 2004م الموافق 20 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً