العدد 822 - الأحد 05 ديسمبر 2004م الموافق 22 شوال 1425هـ

«لوليتا»... قفزتان إلى الأعلى وأخرى للأسفل

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

لنجرب لفظ كلمة واحدة مثل: «لوليتا»، ومن ثم نرصد حركة اللسان وقفزاته أثناء ممارسة حق النطق لهذه الكلمة (والاسم «لوليتا» لرواية - مخطوطات، أو اعترافات)، فسنجد أن اللسان يضرب الأسنان مرتين إلى الأعلى ومرة أخرى يسقط للأسفل ويلامس السن من الفك التحتي... وهكذا تتكرر هذه القفزات كلما نطقنا بـ «لوليتا».

إذا ما حاولنا إسقاط قفزات اللسان لـ «لوليتا» على الأوضاع التي مررنا بها (بحلوها ومرها) منذ تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية، كمطلبين رئيسيين للنضال الديمقراطي السلمي، حتى تدشين مبادرات الانفراج السياسي الكبير مطلع 2001م، إذ بدا ذلك واضحاً من خلال سلسلة مبادرات مفرحة واندفاع قوي للإصلاح السياسي، ما شكل قفزة أولى إلى الأعلى نحو الديمقراطية ألغي بموجبها قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة، وأطلق سراح جميع المسجونين والمعتقلين السياسيين، وسمح لجميع المنفيين بالعودة من دون قيد أو شرط إلى البلاد، في تزامن مع وعود بإعادة الحياة البرلمانية في فترة أقصاها العام 2004م، تمخضت «بعودة مبكرة للحياة البرلمانية في العام 2002» تنفيذاً لهذه الوعود بغية إعطاء فرصة جديدة للديمقراطية التي انهارت في العام 1975 عندما حل المجلس الوطني.

خلال عام كامل من الانفراج السياسي الكبير شهدت البحرين قفزتين إلى الأعلى تمثلت الأولى فيما سبق ذكره، والثانية؛ فيما يتعلق بالموافقة الشعبية الكبيرة على ميثاق العمل الوطني، وتشكيل لجنتين، إحداهما لتفعيل ما ورد في الميثاق من موضوعات تضع حداً لكل القوانين ذات العلاقة بمرحلة قانون أمن الدولة برئاسة ولي العهد، ولجنة تعديل بعض أحكام الدستور برئاسة وزير العدل صاحب التصريح الشهير الذي أكد فيه «بأن المجلس المنتخب سيكون للتشريع، أما مجلس الشورى المعين فسيكون للمشورة»، ما دفع آمال الناس نحو التفاؤل، وخصوصاً أن الأنظار تركزت على لجنة تفعيل الميثاق، التي ساهم فيها الكثير من الشخصيات الوطنية المستنيرة التي يعوّل عليها لتحديث وعصرنة البلاد بما يتناغم والعهد الجديد بتطلعاته إلى مملكة دستورية مسترشدة بالديمقراطيات العريقة.

القفزتان إلى الأعلى خللا النطق بـ «لوليتا» انتهى دورهما - على ما يبدو، إلى هذا الحد في الاندفاع البحريني صوب المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار، حتى جاءت القفزة الأخيرة النازلة إلى الأسفل بتداعياتها المريرة وخطواتها التي تتجه إلى المجهول لتذكرنا بالماضي، فكانت الخشية «من أن الأسوأ لم يأت بعد»، فعذرا ناظم حكمت لتفاؤلك المفرط.

لنتابع الخطوات التنازلية إلى الأسفل بدءاً من إصدار حزمة من المراسيم بقوانين (56) مرسوم بقانون خلال سبعة شهور بالكثير، حتى عشية الانتخابات البرلمانية من بينها مرسوم بقانون مجلسي الشورى والنواب، و«الانشغال والاشتغال» الذي منع صراحة الجمعيات السياسية من ممارسة دورها في الحملات الانتخابية، في حين كانت الحكومة تدعو الشعب للمشاركة بكثافة للانتخابات، في تناقض مرتبك، وكأنها مع الشيء وضده في آن واحد»، أي كان الرد على المتطلعين للديمقراطية ركلة حادة على الأسنان.

حقاً، القفزتان إلى الأعلى سابقة الذكر رفعتا البحرين إلى السماء عالياً وحققتا الكثير من المكاسب والسمعة العالمية الطيبة للشعب وللحكم، فيما القفزة الأخيرة إلى الأسفل ذكرتنا بتصريح لمسئول بحريني كبير لـ «الفايننشال تايمز» نشرته في 28 مارس/ آذار 1996م حين قال: «إن الديمقراطية على الطراز الغربي، ستفرق بدل أن توحد» البحرينيين. «إننا نقولها بوضوح، بأنها لا تصلح هنا، ونقول إننا قد اخترنا طريقنا إلى الأمام... وسنقوم بتنفيذها على طريقتنا».

هذا ما نخشاه، هذا ما نخشاه، من القفزة الأخيرة للفظ «لوليتا»، فهل نكتفي بـ «لولي» فقط حتى اليوم الأسوأ لا يأتي على علينا ولا على أجيالنا المقبلة؟

إن الأصوات المطالبة بالديمقراطية داخل شعبنا أسبق في الظهور بعقود طويلة من أوكرانيا وجورجيا، كما أن عهد الانتخابات التعددية الشكلية عندنا أعرق بكثير من عهد الأوكرانيين والجورجيين، غير أن الرغبة عندهم في انتخابات شفافة وحرة ونزيهة أكثر جموحاً وصدقية من الرغبة العربية التي عودتنا على مفهوم «القطرة قطرة للديمقراطية»، ورؤساؤنا «المنتخبون» لا يقبلون غير النسبة فوق التسعين أو 99,9 في المئة بالقليل، ووصلت ذروتها عند صدام المخلوع (100 في المئة!)، وكأنهم ثلثين من الآلهة، وثلث من البشر، فيما التزوير الأخير في أوكرانيا «منح الرئيس المزور» نسبة 52 في المئة فقط، فهب الشارع من أقصاه إلى أقصاه وبشكل سلمي لمنع هذا التزوير أو تمريره على البلاد والعباد

العدد 822 - الأحد 05 ديسمبر 2004م الموافق 22 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً