العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ

العراق في مشهد الانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يستعد العراق إلى خوض معركة انتخابية، وهي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام صدام حسين. وصورة المشهد الانتخابي في العراق أسوأ بكثير من تلك الموجودة في فلسطين على رغم تشابه الظروف والأزمنة؛ فالانتخابات في الأراضي الفلسطينية تحصل تحت ظل الاحتلال وتدخلاته والسلطة ضعيفة ومؤسساتها مقوَّضة. الانتخابات في العراق تعقد بإشراف سلطة الاحتلال وتدخلاته المباشرة والبعيدة المدى، والدولة مقوضة ولا وجود لمؤسسات مستقلة، إذ وراء كل وزير هيئة من المستشارين يديرهم مندوب أميركي يشرف ويخطط لشئون الوزارة.

ظروف المشهد الانتخابي بين العراق وفلسطين متشابهة إلا أن صورة الموقف في بلاد الرافدين أسوأ لأن الانقسامات الفلسطينية تختلف عن تلك الانقسامات في العراق. ففي فلسطين الاختلاف بين المترشحين لمنصب الرئاسة يقوم على السياسة وتفاوت البرامج بين فريق وآخر. حتى الاختلاف داخل حركة فتح جاء وفق قواعد سياسية بين محمود عباس (أبومازن) والمترشح المنسحب من السباق مروان البرغوثي. فالسياسة في فلسطين هي قاعدة الاختلاف بين البرامج ووجهات النظر. حتى الفئات التي قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية كحركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية طرحت صيغة سياسية للمقاطعة واشترطت عودتها إلى المشاركة في المنافسة بحصول انتخابات تشريعية (برلمانية) في وقت واحد مع الرئاسية. إلا أن القيادة الفلسطينية فضلت، استجابة لضغوط أميركية، تأجيل الانتخابات التشريعة خوفاً من سيطرة حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وفتح على مقاعد البرلمان.

تقريب الانتخابات الرئاسية على حساب التشريعية دفع المنظمات الفلسطينية الأساسية إلى إعلان مقاطعة انتخابات الرئاسة. فالمقاطعة الفلسطينية إذاً محكومة بقواعد اللعبة السياسية ولا تخضع لاعتبارات مذهبية وطائفية وحسابات مناطقية وقبلية، فهي مجرد إجراء سياسي تتحكم فيه مجموعة شروط يتحكم فيها الاحتلال من جهة والاغراءات الأميركية - البريطانية من جهة أخرى.

المسألة تختلف في العراق من ناحية الجوهر السياسي للمقاطعة. وصورة المشهد في هذا المعنى أسوأ بكثير من تلك الموجودة في فلسطين. فالأخيرة سياسية (أيديولوجية) تقوم على اختلاف الرؤى في البرامج وقراءة الواقع. بينما الأولى تتحكم فيها عوامل طائفية ومذهبية ومناطقية وتسيطر عليها نزعات قبلية ضيقة ترى السياسة من خلال المصالح المعزولة عن المصلحة الوطنية العامة والمشتركة.

وبسبب هذه الرؤى غير السياسية تشرذمت المواقف وتفاوتت بين فريق وآخر بحسب ظروفه الخاصة وتطلعاته لمستقبل العراق. فالفريق المقاطع يركز على مسألة الاحتلال ويرى أن وجود القوات الأميركية في العراق يعطل إمكانات حصول الانتخابات في أجواء نزيهة. والفريق المؤيد لإجراء الانتخابات في موعدها يركز على ضرورة الاستفادة من هذه الفرصة لتشكيل قوة ضغط منتخبة شرعياً ضد الاحتلال.

الفارق بين الفريق القاطع أو الداعي لتأجيل موعد الانتخابات وبين الفريق المؤيد لها والمتمسك بموعدها يتجاوز حدود السياسة ويذهب باتجاهات معاكسة تشير إلى وجود خلفيات طائفية وقبلية ومناطقية تتحكم في القرارات.

هذا الوضع الانقسامي (الأهلي) ليس جيداً لأنه في النهاية يصب في مصلحة الاحتلال ويعطية المزيد من الذرائع لتمديد فترة وجود قواته بحجة أن العراق ليس موحداً وانسحاب القوات الأميركية يعني عملياً اندلاع الحروب الداخلية وسيادة الفوضى وتشرذم الدولة إلى دويلات محلية محكومة بغالبية ضيقة ملونة بحسب الأكثرية التي تعيش في هذه المحافظة أو تلك.

صورة المشهد الانتخابي في العراق ليست صحية، وهذا يستدعي الاسراع في إجراء لقاءات فورية ومباشرة بين القوى السياسية النافذة في الشارع والتي تملك مقومات الزعامة والتأثير على قناعات الناس.

ترك المسألة مهملة للتداعيات المقبلة يريح الاحتلال من الكثير من المشكلات السياسية ويعزز دوره كضابط ارتباط بين الطوائف والمذاهب والمناطق، بينما المطلوب وطنياً الاستغناء عن خدمات هذا الضابط المحتل من خلال تكتيل القوى العراقية في جميع المناطق لطرده من البلاد بعد إجراء الانتخابات التشريعية.

الانتخابات العراقية يجب ألا تطغى على مسألة الاحتلال. فالاحتلال هو المشكلة الأساس، بينما الانتخابات وسيلة للاتفاق على الحلول وليست حلاً برأسها. وهذا يتطلب تطويع النزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية لإعادة تشكيل الاختلافات وفق رؤية سياسية (تحاكي ما هو حاصل في فلسطين) ترتب العلاقات الأهلية وفق برنامج مشترك يعطي أولوية لطرد الاحتلال، وبعدها تأتي نسب الحصص والصيغة المقبلة للعراق الجديد. الكلام المثالي لا يجدي نفعاً لأن الواقع أقوى من الكلام. إلا أن رؤية مشكلات العراق من زاويا ضيقة هو أسوأ خبر للبلاد وهو الخبر المفرح للاحتلال الذي أعلن مراراً استمرار قواته لمدة سنوات مهما كانت نتيجة الانتخابات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً