في متابعة لأهم القضايا الدولية والمحلية التي تناولتها الصحافة اللبنانية هذا الأسبوع، احتل موضوع تحذير الملك عبدالله الثاني مما اسماه «الهلال الشيعي» حيزاً كبيراً من الاهتمام.
فتحت عنوان: «عبدالله - الزرقاوي... معركة واحدة» تساءل رئيس تحرير السفير جوزف سماحة: ما الذي يجمع بين الملك الأردني عبدالله والمواطن الأردني أبومصعب الزرقاوي؟ هل توحدهما معركة واحدة؟ هل يملكان الرؤية نفسها إلى الأوضاع العربية والتحديات التي تواجهها؟ هل لغتهما السياسية والمفاهيم التي تستند اليها متقاربة؟
قد تبدو هذه الأسئلة غريبة. وهي كذلك، ولكن قبل اصدار حكم يستحسن استحضار ما قاله الملك الأردني لصحيفة أميركية. لقد تبرع بالتحذير من «هلال شيعي» يمتد من إيران، إلى العراق إلى سورية، ولبنان. واعتبر أن هذا «الهلال يغير التوازن الجيوسياسي بين السنة والشيعة، ويهدد مصالح أميركا وحلفائها». وأضاف: «عبدالله هو أول مسئول سياسي عربي يستخدم هذه اللغة الفجة، المباشرة. الخطيرة وهو أول مسئول عربي يصدر حكما قاطعا بأن الرابطة المذهبية تتفوق عند مواطني هذه الدول على أية رابطة وطنية أو قومية. لا تتفوق عليها فحسب وانما تلغيها تماماً».
إنه أول مسئول عربي يحرض علنا على أبناء مذهب من مواطني دول الخليج والمشرق ويحذر من تحولهم إلى طابور خامس ضد الاكثرية.
إنه أول مسئول عربي يدعو جهارا إلى رويبرر أي اضطهاد قد يتعرض له مذهب أقلوي رافضا له أي حق اذا كان خلاف ذلك.
إنه أول مسئول عربي يجعل نفسه ناطقا باسم مذهب ويصنف أبناء هذا المذهب بأنهم، كلهم، حلفاء للولايات المتحدة.
إنه أول مسئول عربي يتحمل مسئولية الدعوة إلى فتنة.
إنه أول مسئول عربي يقذف بأبناء الأكثرية كلهم، مع «اسرائيل»، إلى خانة الولاء للاجنبي، مبدياً التخوف من «هلال» يخالف هذه الوجهة.
إنه أول مسئول عربي يحذر أميركا من تحالفاتها العراقية، ويقدم، لحظة انتقادها، على الهبوط إلى ما دون سياستها. في رأيه أن واشنطن تخطئ بحق نفسها إذا أضعفت قوى الارتكاز التي أثبتت جدواها.
إنه أول مسئول عربي يرتضي ارتكاب التناقض بين التحذير من «هلال شيعي» وبين اتهام إحدى قوى «الهلال» بدعم المقاومة... السنية!
إنه أول مسئول عربي يلغي فكرة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، ويفعل ذلك في سياق انضوائه تحت خطة أميركية ترفع راية الديمقراطية.
إنه أول مسئول عربي، بعد تعليق الملف النووي الإيراني، يقترح على العرب مواجهة عدو خارجي وداخلي في حين أن المشروع التوسعي الاسرائيلي ينتظر فرصة استئناف هجومه».
واضاف سماحة: «ترافق كلام عبدالله مع اتهامات مصرية إلى إيران، واتهامات أميركية لإيران وسورية بالتدخل في العراق، واتهامات اسرائيلية لـ «حزب الله» بالتشجيع على انفجار التوافقات الاسرائيلية - المصرية - الفلسطينية.
إن الاعتراف بهذا الواقع يفترض أن يكون مقدمة للبحث في كيفية انتاج توافقات داخلية (حتى لا نقول اجماعات)، وفي كيفية التعاطي مع الاتجاهات النابذة لادراجها في سياق اندماجي يمنع تآكل الدول من الداخل.
إن الملك عبدالله يذهب في اتجاه معاكس تماما، اتجاه العبث بما تبقى من وشائج، اتجاه تهديد الوحدات الكيانية لاقطار محيطة بالأردن ويمكن لأي اضطراب فيها ان يتحول إلى عدوى، ان تفتق ذهنه عن «هلال شيعي» يشكل خطرا داهما هو نوع من اللعب بالنار.
إن أبومصعب الزرقاوي كان سباقا في هذا المجال. لم يتحدث تماما عن «هلال» غير أنه اتهم مواطنين عرباً بأنهم، جميعا، قاعدة للحملة «الصليبية - اليهودية» ضد المسلمين. وليس سرا ان ادبيات التيار الذي ينتمي اليه الزرقاوي تضج بالمفردات والمفاهيم التي تبناها الملك الأردني ولو أنه ذهب بها نحو استنتاج آخر. ان ادوات التحليل متقاربة، كما يبدو، بين الملك ومواطنه الفار، وإن الواحد منهما هو الوجه الثاني لعملة يشكل الآخر وجهها الأول.
وفي افتتاحية بعنوان: «أين رئيس الجمهورية؟» قال الناشر طلال سلمان: «لم يكن وليد جنبلاط ليتجاوز «الحدود» بمخاوفه لو أن رئيس الجمهورية لم يكن قد انزلق إلى موقع «الطرف» بل «الخصم» لقوى سياسية اساسية، معظمها كان بين مؤيديه ومسانديه سابقا، مع ما يحلقه هذا الانزلاق من أذى بحصانة «الرئيس» كمرجمعية لجميع اللبنانيين، المعارض منهم قبل الموالي، وما قد ينتج عنه من «هياج» بعض السلطة واندفاعها إلى التفكير بتأديب أو معاقبة كل من تسول له نفسه الخروج على طاعة ولي الأمر.
ومع التقدير لمبادرة الرئيس السوري بشار الاسد إلى طمأنة وليد جنبلاط بأن سورية لا يمكن أن تكون مصدر تهديد له شخصياً أو لأي طرف سياسي، بغض النظر عن الخلاف بشأن الموقف السياسي، وأنها معنية مباشرة بضمان أمنه وسلامة اسرته، فإن «غياب» رئاسة الجمهورية عن دورها كمرجعية وطنية عليا منزهة عن الخصومات والاحقاد والانتقام، جعل هذه المبادرة ضرورية لا بالمعنى الأمني فحسب بل بالمعنى السياسي اساساً.
والحقيقة أن الرئيس لحود قد تورط في الكثير من الخصومات وخسر الكثير من الاصدقاء والمناصرين من قبل «حرب» التمديد ثم من بعد ذلك، فبات موقعه الممتاز يفتقد الحماية الضرورية لمن يفترض أن يكون الحكم والمرجع الأخير للبنانيين جميعاً، بغض النظر عن مواقفهم السياسية وهل هم في المعارضة أم من أهل الموالاة».
وفي «النهار» قال سمير قصير في مقال بعنوان: «رحمة بهذا البلد؟»: حين بدأ الرئيس عمر كرامي تعليقه على جلسة مجلس الوزراء بابداء الاسف على انحدار مستوى السجال السياسي والمطالبة بوضع حد للتدهور «رحمة بهذا البلد»، لم يتوقع احد من الذين كانوا يتابعون كلمته على شاشة التلفزيون أنه سيذهب، في العودة إلى «الرشد» و«الحوار العقلاني» التي نادى بها، إلى حد تقديم حكومته ذبيحة ومد يده إلى المعارضة، لكن احدا لم يكن يتوقع ان يلي نداء رئيس الحكومة إلى التعقل، وبعد أقل من نصف دقيقة، درس تطبيق في سياسة الاذن الصماء والافق المسدود.
فكيف يوصف بغير ذلك قول الرئيس كرامي إن القرار 1559 «وصل بنا إلى ما وصلنا اليه»؟ الاذن الصماء لأن الرئيس كرامي، مثله مثل كل اركان حزب التلازم، لا يريد أن يسمع ما جاء في القرار، وما جاء فيه ينحصر في استعادة لبنان سيادته.
وفي «الانتقاد» كتب حسين رحال مقالاً بعنوان: فرنسا وامتحان «المنار»: تمثل قضية قناة المنار في فرنسا وأوروبا تحدياً حقيقياً «للقيم» الفرنسية والأوروبية، ليس بالشكل الذي طرحه رئيس الوزراء الفرنسي أو مسئولون آخرون، ولكن على صعيد المحتوى والخلفية.
فالسؤال الذي يطرح نفسه مباشرة: هل هي مشكلة «المنار» التي لا تستطيع الدخول في سقف القيم الفرنسية، ام هي مشكلة «القيم» الفرنسية التي لا تستطيع استيعاب «قيم» أخرى؟
حسنا فعل هؤلاء وعن غير قصد عندما تحدثوا عن «القيم» لأن لها حصة اساسية في الموضوع، فالقصة تتجاوز التحريض، وما يختلف عليه بشأن مصطلح «الارهاب» و«المقاومة»، وإن كانا أيضا على صلة بقضية «القيم» هذه، السؤال الأهم هو: هل تستطيع ثقافة معاصرة كالثقافة الفرنسية «بقيمها» «العلمانية» والدستورية، وتقاليدها المستندة إلى مقولات ثلاث هي الحرية والمساواة والاخوة، أن تعطي مساحة من الحرية للآخر؟
هل الحرية هنا هي حرية أمثال الفرنسيين ومتشابهي القيم معهم، أم هي حرية تشمل أصحاب قيم وأفكار وثقافات وحضارات أخرى؟
هل يريد الفرنسيون أن يعيدونا إلى اتون صراع «القيم» و«الثقافات» والمغامرات الذي يتهمون به إدارة بوش ومدرسة «الهنغنتونية» المتفشية في أميركا؟
وماذا يعني ألا نسمح لقناة إعلامية بالبث الا اذا اتبعت «قيم» بلدنا؟ هل يعني ذلك أن من حق لبنان أن يلغي قنوات بث فرنسية وغير فرنسية لأنها تغاير «قيمه»؟
لكن هذا الرد لا يغلي التحدي الأساسي القائل إن هذا الكلام يتضمن ما هو اخطر، إذ إنه يستند إلى خلفية التفوق الحضاري والثقافي «الفرنسي» «الغربي» على الآخرين (مسلمين وغير مسلمين) بما يعني العودة إلى مقولات «التفوق» و«الاستعلاء» و«التمييز» العنصرية التي سادت ابان الحقبة الاستعمارية، والتي يقول الأوروبيون إنهم تجاوزوها
العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ