العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ

النمط العراقي للانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت المعركة الانتخابية في العراق. وإذا صدق الأميركيون فإن المنافسة بين القوائم التي بلغ عددها 107 لوائح ستستمر إلى 30 يناير/ كانون الثاني المقبل... وبعد ذلك ستفرز صناديق الاقتراع ألوان الأطياف العراقية.

أكثر من 7200 مترشح يتنافسون على 275 مقعداً يقودهم 73 حزباً إضافة إلى 25 مستقلاً وتسع قوائم مختلطة. كل هؤلاء يطمحون إلى قيادة ما يسمى «العراق الجديد» ومن بينهم لائحة أطلقها الرئيس العراقي مقابل لائحة مضادة أعلن عنها رئيس الحكومة.

وفي مناسبة الانتخابات بدأت المنافسات السياسية في تقديم ولاء الطاعة من خلال إطلاق تصريحات ترضي المحتل وتنال اعجابه. ويرجح أن نسمع الكثير من تلك التصريحات المتطرفة التي هي أقرب إلى المزايدات الانتخابية لكسب ثقة هذا الطرف من هنا وحصد بعض الأصوات من هناك.

في فترة الانتخابات تصبح كل الأمور واردة ويضطر كل فريق إلى استخدام كل ما يملك من أسلحة سياسية للرمي على الفريق الآخر للنيل من سمعته واتهامه بأنه يمثل قوة إقليمية أو خارجية... وبالتالي فإن قائمته لا تعكس روح العراق.

هذا النوع من المزايدات الانتخابية في بلد حر ومستقل ليس مهماً فهو يبدأ عادة قبل موعد الاقتراع وينتهي لحظة إقفال الصناديق. فهذه المزايدات مفهومة سياسياً إلا أنها تصبح غير مفهومة وخطيرة في بلد غير مستقل ويخضع للاحتلال وسيادته مرتبطة بوجود القوات الأجنبية. فالكلام المرسل في هذه المناسبات يتلون بسياسات كبرى تعطي ذريعة للاحتلال بتبرير وجوده وتدفع من أجل توسيع نطاق مجاله العسكري.

إلى ذلك يحصل هذا النوع من المزايدات الانتخابية في بلد منقسم أهلياً وعانى ثلاثة عقود من الاستبداد والظلم ولا يملك تجربة سابقة في الحياة السياسية وبالتالي فإن المشاحنات ستسهم في زيادة التوتر والقلق والشكوك المتبادلة. فالناخب العراقي الآن في وضع صعب؛ فعليه الآن أن يختار لائحة من بين 107 قوائم وعليه أن يميز بين الوطني والطائفي، والحر والمرتبط، وبين من يريد العراق العربي - المسلم المتكيف مع محيطه والمتصالح مع دول الجوار وبين عراق القاعدة الأميركية التي تستفز المحيط العربي - المسلم وتهدد مصالح دول الجوار، كما كان أمر بغداد في ظل سلطة صدام حسين.

هذا على المستوى السياسي الوطني والإقليمي. أما على المستويات الأخرى فالأمر أسوأ، إذ تختلط على الناخب العراقي المصالح الوطنية بالمصالح المحلية ويتداخل المذهبي - الطائفي مع الوطني العربي - المسلم. فمن يختار العراقي الآن؟ ومن يقدم على الآخر؟ الوطن أم الطائفة، الطائفة أم المذهب، المذهب أم المنطقة، المنطقة أم القبيلة؟ كل هذه الخيارات مطروحة أمام الناخب دفعة واحدة. والزيادة شقيق النقصان. فالنقص في عهد صدام (لائحة واحدة ومرشح واحد وحزب واحد) تقابله الآن زيادة غير مسبوقة في عدد المترشحين واللوائح والقوائم... وهذه ظاهرة غير صحية في بلد يعاني أصلاً من الانقسام الأهلي والاحتلال الأجنبي.

الكثرة في المتنافسين لا تدل دائماً على أن السير يتجه في الطريق الصحيح. الكثرة تعني أن البلد مفكك إلى عشرات الانقسامات المحلية. وتعني أن هناك نقصاً في الوحدة والتفاهم والانسجام. حتى رئيس الجمهورية المعين غير متفق مع رئيس الوزراء المعين. فكل مسئول رشح قائمة مستقلة عن الآخر... وهذا مثال ملموس على كثرة التشرذم الذي يعاني منه العراق الآن.

والكثرة أيضاً في بلد أظهرت الحوادث أنه غير موحد على برنامج وطني تعني أن اللوائح تلونت بالطوائف والمذاهب والمناطق والعشائر والقبائل والأحزاب، وكلها - كما يبدو - أجمعت على الاختلاف وافترقت على الاجتماع. وبالتالي فإن المستفيد الوحيد من التشرذم هو الاحتلال لأن نتيجة التصويت في 30 يناير لن تسفر عن غالبية نيابية في البرلمان المنتخب. فالكثرة تعني أن مقاعد المجلس التشريعي ستوزع على أقليات نيابية متنافسة ومتشاحنة يمكن التلاعب بها وضربها ضد بعضها بعضاً.

وعزز مثل هذا الاحتمال اختيار نظام الدائرة الواحدة التي تعتمد النسبية. وهذا بكل بساطة يعني احتمال فوز كل لائحة من 107 قوائم بمقعد واحد على الأقل، وبالتالي سيفقد المجلس التشريعي قدرته على ضبط التوازن بالغالبية وإنما بتوازن الأقليات النيابية الأمر الذي سيعطل على البرلمان اتخاذ قرارات واضحة وحاسمة.

المعركة الانتخابية بدأت الآن، ولكن السؤال سيبقى: ماذا عن حرية العراق وسيادته واستقلاله؟ فالحرية لا تتوقف عند صندوق الاقتراع، بل تبدأ من هناك. وفي ظل الانقسامات والمنافسات المتخلفة والمزايدات في كسب رضى المحتل تبدو الحرية مؤجلة في العراق إلى وقت غير معلوم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً