العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ

التغيرات الطارئة على لهجات وسط الجزيرة (1 - 2)

من أهم التغييرات الصوتية التي طرأت على عاميات وسط الجزيرة هو ما حدث لحركات الإعراب والتشكيل من تغييرات اضافة الى حذف الهمزة ما كان له ابلغ الاثر في إعادة ترتيب العلاقة بين السواكن والحركات ومزج مقاطع الكلمات بطريقة تختلف عن الفصحى. بقيت حركات المد الثلاث المعروفة في الفصحى وهي الألف والياء والواو على ما كانت عليه ولم تتغير في العامية. ولا تكون الألف أو الياء أو الواو حركة مد الا اذا سبقتها حركة قصيرة مماثلة كما في قولنا «دان»، «دين»، «دون». اما في الحالات التي تأتي الياء أو الضمة مسبوقة بفتحة (حركة مخالفة، ليست مماثلة) فإن الوضع يصبح مختلفا ما بين الفصحى والعامية. نجد في حال الفصحى ان الياء أو الواو المسبوقة بفتحة تسمى حرف علة وهي اشبه بالصوت الساكن الذي يغلق المقطع السابق، كما في قولنا «لَوْ» أو «كَيْ». أما في العامية فإن الفتحة التي تسبق الواو أو الياء تتلون قليلا لتقترب في نطقها من الصوت الذي يليها لتندمج معه وتكون معه حركة مد طويلة ممالة، وبذلك يتحول المقطع من مقطع طويل مغلق، كما في الفصحى، الى مقطع طويل مفتوح. ولذلك تختلف العامية عن الفصحى في نطقها كلمات مثل «دود» و«زيد» يقول رمضان عبدالتواب عن هذه الظاهرة في اللهجات العربية:

وانكماش «الأصوات المركبة» المسماه باللاتينية: Diphthong ظاهرة من ظواهر السهولة والتيسير في اللغة، فتحول الصوت المركب: (aw) الى ضمة طويلة ممالة في مثل نطقنا لكلمة: «يُوم» و«نُوم» و«صُوم» بدلا من: «يَوْم» و«صَوْم». وكذلك تحول الصوت المركب: (ay) الى كسرة طويلة ممالة (+) في مثل نطقنا لكلمة: «بِيت» ولِيل» و«عِين» بدلا من: «بَيْت» و«لَيْل» و«عَيْن» - كل ذلك سببه ايثار اللغة الانتقال من العسير الى اليسير من الأصوات. (عبدالتواب 1981: 49 - 50).

وظاهرة تخفيف الصوت المركب، حسب تعبير عبدالتواب، ليصبح حركة مد ظاهرة موجودة منذ العصر الجاهلي، لكنهم في الجاهلية اذا جاءت الياء أو الواو مسبوقة بفتحة مدوا الفتحة واطالوها لتصبح ألفا خالصة غير ممالة ولا يعود هناك اثر للياء أو الواو. والشاهد المشهور على ذلك قول الراجز «طاروا علاهن فطر علاها». ويورد عبدالتواب أمثلة أخرى:

ونلحظ مثل هذا التطور في العربية القديمة، في قول بعض العرب: «إنّ الرجز لَعَابٌ، أي لعيب، والرجز ارتعاد مؤخر البعير». وقولهم: «ما كنت أزعم في خصمي من العاب، يريد: العيب... ويقال: بَوْع وباع، وصَوع وصاع»، كما جاء في قولهم: «تبت إليك فتقبل تابتي، وصمت إليك فتقبل صامتي، أي توبتي وصومتي. (عبدالتواب 1981: 49 - 50).

ولاتزال قبائل عالية نجد وجنوبها مثل عتيبة وبني عبدالله من مطير والدواسر تنطق بالطريقة نفسها التي نطق بها الجاهليون كما تدل على ذلك بعض الشواهد الشعرية التي تضطرنا القافية فيها الى النطق على هذه الشاكلة. ومن أمثلة اختفاء الياء كلمة «عتابه» بدلا من «عتيبه» في الشطر الأول من أبيات لحبيليص بن زرقا المطيري يقول فيها:

عبّاد ما هم للقبايل نْهابه

نضحي وكلّ بالحرايب نْقَزّيه

واللي مكذّبني ينشّد عتابه

والا يروح لحرب بالصدق ترْضيه

وكلمة «مطاري» بدلا من «مطيري» في الشطر الثاني من هذه الاحدية لشليل بن نجم من العضيان من عتيبة:

ناهس ترى مِنّا وحنّا منّه

نِصْبح مصابيحه الى امسى ساري

يا ذيب ياللي تلتهب في القنه

دوك اربعه موفى الحساب مطاري

من عِقِب مارِق مخلفين السنه

المنع ما يَطْري ولا له طاري

ومن أمثلة اختفاء الواو كلمة «زاره» بدلا من «زوره» في الشطر الأول من ابيات لنمش بن شهيل العتيبي يقول فيها مسندا على شيخ ميمون جهز بن شرار:

يا راكب اللي ما لحا الكوع زاره

حزّ من اللي يبعدن المطاليب

رِدّ السلام وخطّره لاخو ساره

لابو جهز قطّاع نشر العزازيب

وكلمة «الشار» بدلا من «الشور» في الشطر الأول من أبيات لمحمد بن دخيل الله أبو خطمه الشيباني الملقب الزبلوقي يقول فيها:

المحددة، كما في نطق بعض الضمائر مثل «أنتُم» و«هُمْ»، أو ان تكون الضمة حركة مقطع طويل مغلق بساكن شفهي مشدد: «جُب»، «دُبّ»، «خُفّ»، «سُمّ»، «كُمّ»، وقس على ذلك. وبقاء الضمة بمصاحبة الأصوات الشفهية سببه ان الضمة يصحبها تدوير الشفتين.

وفي العامية يختلف سلوك الفتحة والكسرة في المقاطع المفتوحة. اما الكسرة، سواء كانت كسرة أصلية أو مقلوبة عن الضمة، فانها تحذف عادة في المقطع القصير المفتوح ما يؤدي الى ظاهرة الابتداء بساكن التي تتميز بها العامية عن الفصحى، كما في قولنا: «رْجال»، «عْقَدْ»، «رْكَبْ»، «عْنَبْ»، ضْرب»، «ذْبِح»، «فْلان».

ويمكننا تتبع الخط التاريخي الذي سلكه التغير الصوتي في الكلمة الأخيرة على هذا النحو: 1- النطق الفصيح «فٌلان»، 2- تتحول الضمة الى كسرة «فِلان»، 3- حذف الكسرة في المقطع القصير «فْلان».

اما الفتحة فإنها تتحول في المقطع القصير المفتوح الى كسرة كما في قولنا «شِرب»، «قِرب»، «كِتَب»، «فِتَح»، «جِبَل»، «قِعود»، «انكِسَر»، «ارِتفَع»، «استِقَرّ»، «يقْرِبون»، «استَدرِكت». إلا أن هناك حالات تبقى فيها الفتحة على حالها في المقطع القصير المفتوح ولا تتغير الى كسرة، وهذه الحالات هي:

إذا وقعت الفتحة على أحد الأصوات الحلقية (أ، هـ، ح، خ، ع، غ) كما في قولنا: «هَدَب»، «غَدير»، «حَماد»، «انعَزل»، «استرخَصت». وهذا التأثير ناتج من كون مخرج الفتحة قريب من مخارج الحروف الحلقية.

إذا جاء بعد الفتحة مقطع طويل يبدأ بساكن حلقي أو ساكن جهوري (ل، ن، ر، و، ي) وتكون حركة ذلك المقطع هي الفتحة أو الألف: «وَعَد»، «دَخَل»، «وَلَد»، «ذَهَب»، «سَلام»، «سَحاب»، «بَنات»، «انقَهر»، «استنكَرت». ويحدث الشيء نفسه اذا كانت حركة المقطع الذي يلي الفتحة حركة مد ممالة منقلبة عن الصوت المركب من فتحة وحرف لين: «بَنيت»، «سَهيْت»، «بَلوت»؛ وهذا ما يدل على ان هاتين الحركتين الممالتين كانتا في الأصل صوتين مركبين من فتحة وحرف لين إذ لايزال تأثير تلك الفتحة ملحوظا في الحيلولة دون تحويل الفتحة في المقطع السابق الى كسرة. اما اذا كانت حركة المد في المقطع الذي يلي الفتحة واوا أو ياء غير ممالة فإن الفتحة تتحول الى كسرة: «شِرود»، «بِخور». ولا يقف تأثير الحروف الحلقية عند حد منع تغير الفتحة الى كسرة، بل انه اذا كان الصوت الأخير في مقطع طويل مغلق صوت حلقي وكانت حركة المقطع فتحة يقحم النطق العامي فتحة إضافية بعد الصوت الحلقي: «لَحْم»، «لَحَم»، «شَعْر»، «شَعَر».

لكن هناك استثناءات لهذه القاعدة وهي:

صيغة المصدر: «سحْب»، «نهْب»، «مخْش».

صيغة أفعل التفضيل: «أحْلى»، «أغْلى».

صيغة الماضي من أفعل: «أَغْدى»، «أهْدى».

صيغة اسم الفاعل من فعل: «تَعْبان»، «زعْلان».

إذا كان الحلقي هو الحرف الثاني من جذر رباعي: «صَعْفَق»، «صَعْقَر»، «نَغْثَر»، «نَخْجَر».

إذا كان الحلقي هو الحرف الأخير من الجذر الثلاثي للكلمة: «طَلَعْنا»، «ذِبَحْنا».

إذا كان الحلقي مسكناً نتيجة كونه متبوعاً بكسرة محذوفة: « تَعْبَت»، «تَعِبت»، «صَغْرت»، «صَغِرت»، «صَغُرت». وإضافة الى الفتحة التي تقحمها العامية بعد الأصوات الحلقية هناك حركة أخرى تقحمها العامية لفك تكدس الساكنين في آخر الكلمة إذا كان الأخير منهما جهوريا (ر، ل، ن، و، ي). حذف حركات الإعراب قد يؤدي الى التقاء ساكنين في آخر الكلمة: «عفْش»، «وجْه»، «سبْت»، «عِذق». إلا أنه إذا كان الساكن الأخير جهوريا تُقحم حركة بين الساكنين سواء في حال الوقف: «عَصِر»، «عَجِل»، «رِجِل»، «دَسِم»، «خَشِن»، «عَدُو»، «غَزُو»، «ظَبِي»، أو في حال الكلام المتصل «رِجِم عليا»، «قَصِر مارد»، «جَمِر غضا». ولا تقحم الحركة اذا كان الساكنان كليهما جهورياً: «جِرْم»، «قَرْم»، «قَرْن»، كما أن الحركة المقحمة تتلاشى في حال انضمام الصوت الجهوري في آخر الكلمة الى الساكن الأول في أي لاحقة «رِجْلين»، أو كلمة تالية تبدأ بحركة «رِجْل الولد»، أو بساكن: «نَجْم سْهيل»

العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً