العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ

اليمن... ومنظومة دول مجلس التعاون

ظل اليمنيون منذ الثمانينات يؤكدون أن وجودهم خارج منظومة دول مجلس التعاون الخليجي يعد أمرا غير طبيعي، ولا يتفق مع الحقائق الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، التي تجمع بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي الست. وربما كان إعلان القمة الخليجية في مسقط في العام في دورتها الـ () قبول اليمن في مؤسسات المجلس - غير السياسية والاقتصادية - هو بداية النهاية لعقدة سياسية كانت تعترض طريق العلاقات اليمنية الخليجية منذ زمان، وتثير خلافات صامتة.


أسباب الاستبعاد

وكان من الواضح أن تركيبة مجلس التعاون الخليجي تثير بذاتها إشكالات حتى مع دول أخرى منذ تأسيس المجلس؛ فبينما كان الخليج - كقاسم جغرافي مشترك - هو مبرر استبعاد دولة مثل اليمن، فإن دولا أخرى أيضا مطلة على الخليج استبعدت أيضا لأسباب مختلفة. ويمكن القول إن عوامل عدة كانت تجعل من استبعاد اليمن من عضوية المجلس أمرا مقبولا إلى حد ما، ولو بصورة مؤقتة:

- فاليمن كان حينذاك مشطورا إلى وطنين متعاديين إلى حد ما، وكان ذلك يوفر فرصة للخليجيين للاعتذار عن قبول «صنعاء» دون «عدن» التي لم يكن ليخطر ببالها التفكير في الانضمام - نظرا إلى نظامها الشيوعي - إلى منظمة إقليمية لا تتفق مع الشيوعية في شيء وترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك فإن التمايزات التي تفرق بين اليمن بشطريه ودول الخليج في الجوانب الاقتصادية والمالية والمعيشية كانت سببا قويا يضع عائقا حقيقيا أمام انضمام إحدى الدول الأشد فقرا في العالم إلى عضوية منظمة أثرياء المنطقة بل العالم كله!

- ومع مطلع التسعينات استجد عائق جديد في مسار العلاقات اليمنية الخليجية، فقد أدت أزمة احتلال العراق للكويت إلى وضع اليمن - الذي كان قد توحد في دولة واحدة قبل التسعينات قبل سبعين يوما فقط من الاحتلال - في قائمة الدول المؤيدة أو المتعاطفة مع العراق، بعد أن رفض اليمن في مجلس الأمن الموافقة على بعض القرارات الخاصة بالأزمة، وفي مقدمتها شن الحرب على العراق من الكويت، وفرض الحصار البحري عليه، وعدم استثناء المواد الغذائية والأدوية من العقوبات. وظل هذا العائق قائما طوال السنوات الماضية حتى تمت تصفية الآثار العالقة بسببه، وخصوصا بين اليمن والكويت وقبلها بين اليمن والسعودية.

- ومن العوائق التي كانت تضع حواجز حقيقية دون انضمام اليمن لمجلس التعاون، كان هناك الخلاف الحدودي الشهير بين اليمن والسعودية، الذي بدأ بحرب شرسة، واستمرت آثاره طوال السنوات المتبقية من القرن العشرين، وكان شائعا أن المملكة تضع «فيتو» على انضمام اليمن إلى المجلس قبل أن تتم تصفية المشكلة الحدودية، وهو أمر لم يتحقق إلا في يونيو/ حزيران فقط! ويبدو من خلال ما تناولته الصحافة اليمنية بُعيد الاتفاق الحدودي مع السعودية أن قبول اليمن في عضوية المجلس كان التزاما سعوديا مقابل حلحلة بعض المشكلات المهمة أمام اتفاق الحدود، وأهم هذه المشكلات كانت مطالبة اليمن باستعادة المميزات والتسهيلات الكبيرة التي كانت تمنحها السعودية لليمنيين، الذين يعيشون فيها بناء على اتفاق الطائف بين البلدين في العام ، الذي يمثل اتفاق تكامل يساوي - ضمنيا - ما هو قائم بين دول المجلس الأعضاء، لكن السعوديين كانوا يصرون على عدم إعادة الوضعية السابقة التي كان يتمتع بها اليمنيون - التي ألغيت إثر احتلال الكويت - لأسباب شتى، من بينها عدم حاجة السوق السعودية للأيدي العاملة اليمنية كما كان سابقا؛ نتيجة المتغيرات الاقتصادية، وفي زمن تنتشر فيه البطالة بين السعوديين أنفسهم، كما أن المملكة ارتبطت بعد حرب الخليج بعلاقات وثيقة مع دول مثل مصر وسورية، ولم يكن من الممكن منح اليمن تسهيلات وامتيازات لا تمنح لحلفاء أقوياء! ولذلك كان الحل الذي توصل إليه اليمنيون والسعوديون هو تشجيع الاستثمارات السعودية في اليمن لاستيعاب الأيدي العاملة، بدلا من رحيل العمال اليمنيين إلى المملكة.

ومنذ العام أعلن اليمن صراحة رغبته في الانضمام لمجلس التعاون، لكن طلبه قوبل بالاعتذار. ومع ذلك ظل اليمنيون يعلنون دائما أن بقاءهم خارج المجلس أمر طبيعي، وحاول اليمن بعد رفض طلبه الانضمام للكومنولث البريطاني، باعتبار أن نصف اليمن كان محتلا لمدة عاما من قبل بريطانيا، كما أعلنت صنعاء انضمامها لمنظمة إقليمية خاصة بالدول المطلة على المحيط الهندي. لكن الحلم الحقيقي كان الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، الذي بدا لليمن أن قمة مسقط ستكون مهيئة للبت فيه ايجابيا بعد تجاوز العوائق السياسية السابقة.


اليمنيون غير متحمسين للانضمام!

وفي خضم ردود الفعل والتعليقات الرسمية والشعبية على قرار القمة الخليجية في العام بقبول اليمن في عضوية بعض المجالس الخليجية، كان هناك تعليق يدل على جانب مهم من الصورة، فقد أبدى بعض المواطنين اليمنيين عدم حماستهم للقرار، حتى وإن كان سيؤدي في النهاية إلى عضوية كاملة، لأن دول الخليج - ببساطة - لم تعد في مستوى اقتصادي قوي، كما كان الحال في الثمانينات؛ وهو ما يبرر الحماس للانضمام إليها. وفي كل الأحوال، فإن الرأي يظل نادرا وإن كان متميزا؛ ففي الأخير أثار الإعلان استبشارا في اليمن، واعتبره كثيرون خطوة مهمة نحو الانضمام إلى المجلس، وإن كانت دون المستوى المأمول وفي الوقت الضائع

العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً