العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ

«عندما ينطق الصمت... تتكلم الجراح»

رجاء قاسم comments [at] alwasatnews.com

-

كان المغاربة يومي الثلثاء 21 والأربعاء 22 ديسمبر/ كانون الأول على موعد مع انعطافة تاريخية كبرى، أبسط ما يمكن أن توصف بها أنها خطوة حضارية كبيرة بكل ما في هذه الكلمة من معنى. إذ تجسد إصرار القيادة الحكيمة الممثلة في جلالة الملك محمد السادس على الاختيار الديمقراطي المبني على سيادة دولة القانون، وطي صفحة الماضي بما فيه من نتوءات وانتهاكات لكرامة وحقوق الإنسان.

فقد انعقدت على مدى هذين اليومين جلسات الاستماع العمومية التي تتبناها «هيئة الانصاف والمصالحة». تم من خلالها - ولأول مرة في تاريخ دولة عربية - إعطاء الفرصة لبعض ضحايا التعذيب من السجناء السياسيين أو المفترى عليهم في الفترة بين 1956 و1999 (أي منذ الاستقلال إلى وفاة الملك الحسن الثاني) للتعبير علنا ومن خلال القنوات الثلاث المغربية عما لاقوه من تعذيب جسدي ونفسي في السجون المعلنة والمخفية.

والملفت للنظر والإعجاب في الوقت نفسه أن هذه الجلسات، وما دار فيها من «فضفضة» لبعض الضحايا، بل ووصف للانتهاكات التي يندى منها الجبين، و«يطير» من هولها لب كل ذي عقل! إلا أنها تدفع المستمع والمشاهد إلى أن يزداد إعجابا بهذا الملك الشاب، الذي ومنذ ولايته للعهد كان نمودجا واعداً للراعي الصالح، القادر على خلق تناغم بينه وبين رعيته، وها هو اليوم يأبى إلا أن يطمر تلك الصفحة السوداء من تاريخ شعبه، ويعمل على إحقاق الحق - ولو بعد حين - ويقول لكل المغاربة «هذا ما كان عليه المغرب في حكم أعز الناس إلى قلبي». بل ويسلخ المغرب من جلد قذر متقرح لزمه عقوداً، ليلبسه جلدا سليما معافى - على حد قول أحد الحقوقيين المغاربة.

تحدثت مجموعة من الضحايا عن تلك الممارسات اللا إنسانية التي كان يتفنن في ابتكارها حفنة من عديمي الضمير ممن باعوا انفسهم للغرور والتذلل إلى مدير المخابرات الفلاني، أو رئيس التحقيقات العلاني - وأجمعوا كلهم على أن الهدف من عرض مظلوميتهم أمام الملأ لا ولن يكون هو المطالبة بتعويض مادي، أو مكرمة مالية، بقدر ما هو حرص من كل واحد منهم على عدم تكرار ما حدث في العهد المظلم، وأن يدخل المغرب في عهد تمارس فيه أساليب سياسية تتجاوز سياط الجلادين وأساليب الزبانية، ويتوجه فيه المغرب نحو المستقبل بثقة وثبات.

وتوافق انعقاد هذه الجلسات مع الاحتفالات الدولية بحقوق الإنسان، كما اختارت «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان» شعاراً يتلاءم وهذه الخطوة الحضارية الكبيرة «تعابير فنية للمصالحة الوطنية».

فهل لنا أن نأخذ العبرة ولو من المغرب؟

العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً