عمل المدربون على مدى سنوات عدة على إبراز وصقل مواهب الكثير من النجوم الرياضيين في مختلف الألعاب، وأوصلوا بجهودهم مئات اللاعبين إلى العالمية ليصبحوا من أعظم مشاهير العالم، ولايزال المدربون يشكلون أحد أهم الأسباب الرئيسية لنجاح الفرق، لكنهم يبقون أول شماعة يعلق عليها المسئولون أسباب فشل فرقهم، وظل مستقبلهم في الاستمرار مع الفرق مهدداً وبانتظار قرار قد يكون ارتجاليا من الإدارة، أو بسبب الخضوع لضغوط الرأي العام، ويشهد الوسط الرياضي العالمي تغيير المدربين بصورة فجائية وبصورة مستمرة، فبات من المسلم مع انتهاء أية بطولة أن هناك ضحايا من المدربين أوراق إقالتهم مجهزة مع ختام البطولة، ولم يخل وسطنا الرياضي في البحرين من هذه الآفة فقد انتقلت إلينا العدوى واستقبلناها بما تحمل من سلبيات وانعكاسات على تطور الرياضة بصدر رحب ويكون للإعلام الرياضي دور كبير ومساهمة فعالة في هذا الأمر، وسنحاول من خلال هذا المقال أن نسلط الضوء على أسباب كثرة تغيير المدربين وما ينتج عنه من افرازات قد تعيق تطور كرة القدم البحرينية.
فقد سبق أن ذكرنا في المقدمة أن المدرب دائماً ما يكون الشماعة لتبرير الإخفاقات لسبب بسيط هو أنه فرد واحد يمكن أن يضحى به ولكن هل باستطاعة الإدارة أن تضحي بعدد كبير من اللاعبين بمعاقبتهم وتوقيفهم بعد أن يثبت تقصيرهم؟ وهل ستحاسب الجمعية العمومية بالنادي مجلس الإدارة لعدم اختياره المدرب الكفء وفق معايير محددة؟ وهناك الكثير من الأسئلة لابد أن يجد لها إجابات شافية قبل أن نعلق الإخفاقات على المدربين وسأحاول أن أوجز بعض الأسباب والمبررات لإقالة المدربين:
إرضاء الرأي العام
قد تشن وسائل الإعلام حملات إعلامية على المدرب وهذا يحدث عادة لمدربي المنتخبات ويتجلى في أوضح صوره ما يتعرض له مدرب منتخبنا الوطني ستريشكو ومساعدوه في حين نرى أن مدربي الأندية قد يكونون معفى عنهم لأسباب تتعلق بحسابات وانتماءات ومصالح شخصية، فعندما يتدنى مستوى الفريق ويبدأ الإعلام في توجيه أصابع الاتهام إلى المدرب وتحميله المسئولية المطلقة يتسرب في نفوس الشخصيات الإدارية الضعيفة شعور بضرورة احتواء الأزمة، فتقوم باتخاذ قرارات عشوائية ارتجالية بعيدة عن المنطقية والواقعية وتستجيب للضغط الإعلامي بإقالة المدرب، وخصوصاً عندما يتأثر الجمهور الداخلي للنادي بما ينشر في وسائل الإعلام وتبدأ الجماهير بالتحرك لتشكل ضغطاً على الجهاز الإداري وأعضاء مجلس الإدارة وتطالب بالإقالة وهناك شواهد كثيرة حدثت لو أدرنا الطرف لأي مدرب تولى تدريب المنتخبات لوجدنا أن تأثير وسائل الإعلام كبير في إقالتهم... دراسة علمية أجراها أحد الباحثين في مصر واسمه أحمد فاروق وهي عبارة عن رسالة ماجستير بعنوان «الإعلام الرياضي وعلاقته بالقرارات الصادرة عن الاتحاد المصري لكرة القدم» والخاصة بإقالة الجهاز الفني للمنتخب المصري خلال الفترة من 1995 حتى 2000 ونشرت إحصاءات وأرقام بعدد ما نشر عن المدربين الذين تولوا قيادة المنتخب المصري خلال تلك الفترة وهم «محسن صالح، رودي كرول، فاروق جعفر، جيرار جيلي، ومحمود الجوهري».
التطوير
بعض الإدارات تريد أن تبرهن أن لديها فكراً تطويريا حينما يعتقدون بأن تغيير المدربين باستمرار هو ذروة ما توصل إليه تخطيطهم النموذجي مدعين أنهم دائماً ما يبحثون على الأفضل حتى لو كان ذلك له آثار سلبية تربك استقرار الفريق فنياً، فالتطوير لا يكون بتغيير المدرب والبنية التحتية والإمكانات معدومة في حين أن توافرها يعني أنك وضعت اللبنة الأساسية للتطوير، إضافة إلى تقديم الحوافز للاعبين وتفعيل نظام المكافآت على أقل تقدير في ظل غياب الاحتراف فكل ما سبق ذكره يجنبك تدني المستوى ويؤدي إلى التطوير والإبداع، فمن يقوم بإقالة مدرب بحجة التطوير وخصوصاً بعد موسم واحد فقط بالتأكيد هو بعيد كل البعد عن أوليات العمل الإداري.
الطموح
إن معنى الطموح لدى البعض يعني أن يكون المدرب عالمياً واللاعبون هواة، ولذلك يأتي المدرب ويكون طموحه وأهدافه في واد واللاعبون في واد آخر، إن الطموح أمر حسن ومطلوب في كل زمان ومكان ولكن يجب أن يكون منطقياً وواقعياً، فما الفائدة أن أحضر مدرباً قديراً وهناك أولويات أساسية للعب أفقدها لذلك التدرج في الطموح هو المطلوب حسب برنامج معد به جدول زمني يتناسب مع الإمكانات، فربما البعض يدفع للمدربين العالميين مبالغ طائلة والمدربون الوطنيون الذين يشرفون على فرق الفئات السنية لاتزال مستحقاتهم تنتظر الفرج بحكم صادر من أروقة المحاكم.
التقليد الأعمى
وهذه طامة كبرى عندما تتأثر بعض الإدارات بعدوى رياضية من جراء أحاديث جانبية أو محاولة تقليد أندية أخرى، فعندما يحقق مدرب وطني إنجازاً بتحقيق بطولة مع فريق ما فيصاب البعض بهستيرية التعاقد مع المدربين الوطنيين معللين بأنه الأصلح والأقرب لنفسيات اللاعبين والأدرى بظروف معيشتهم وعشرات من التبريرات التي لا نهاية ولا حصر لها والمضحك في الأمر أن في الموسم المقبل تتغير النظرة تجاه المدرب الأجنبي، وينعكس الأمر عندما يحرز منتخب ما بطولة قارية أو عالمية وأشرف على تدريبه مدرب من جنسية معينة فيبادر الجميع بالتعاقد مع مدرب من الجنسية نفسها ويجودون بالمبررات بأن المدرسة التدريبية الفلانية هي التي تلائم مستوى وإمكانات لاعبينا وكأنما أجريت دراسة علمية أو استفتاء لمعرفة المدرسة الأنسب حسب ما يلائم تركيبة اللاعبين الفسيولوجية.
الموازنة
قد تكون الموازنة سببا منطقيا في بعض الأحيان لتغيير المدرب ولكن اليوم من يعتمد على الدعم الحكومي فقط ستظل يده مكتوفة وستفرض عليه الظروف أكثر من أمر منها تغيير المدرب والتعاقد مع مدربين بحسب الموازنة وهنا لفتة لابد أن يشار لها قضية الموازنة قد لا تكون سببا لاختيار مدرب متواضع وإنما سوء الاختيار وإطلاق العنان للسماسرة لاختيار من يشاءون هو السبب الرئيسي للتعاقد مع مدربين متواضعين، وخير مثال هناك أندية كبيرة تعاقدت ولسنوات طويلة مع مدربين من دون المستوى.
العلاقات الشخصية
وهذه طامة كبرى في بقاء وإقالة المدربين، فمتى ما كان المدرب ضعيف الشخصية وينفذ ما يملي عليه الجهاز الإداري فإذن هذا مدرب قدير ومطيع ينفذ أوامرنا بحذافيرها، ولكن عندما تكون للمدرب شخصية قوية ولا يسمح لأحد بالتدخل في شئونه الفنية ويضع التشكيلة المناسبة حسب ما يراه ولا يحابي أحداً حينئذ تشوه سمعة المدرب وتحاك له المؤامرات ويؤجج الوضع ضده من خلال الجهلة والغوغائيين.
عدم الاختصاص
وأعني به أن هناك أعضاء بالجهاز الإداري لكرة القدم لم يمارس اللعبة أساسا فكيف يستطيع أن يتعامل مع المدرب، فربما يتعامل بالمقلوب لأن الأمور والقرارات الصحيحة قد يراها خاطئة والعكس صحيح، إضافة إلى أن على رئيس وأعضاء الجهاز الإداري أن يعرف مهماته الإدارية من دون التدخل في الأمور الفنية، فالأمور الإدارية تعني باختصار تهيئة المناخ الملائم للفريق لتذليل جميع الصعاب التي تواجه المدربين واللاعبين، ولعدم التخصص تأثيرات سلبية كثيرة أهمها افتقاد الإداري للغة التفاهم مع المدرب في الأمور الفنية.
سوء التقييم
وهذا ما عانت ولاتزال تعاني منه رياضتنا، فهل يعقل أن يتعاقد مع المدرب بإجماع مجلس الإدارة والإقالة كذلك من دون وجود مبررات منطقية ومعايير محددة على ضوئها يتم التقييم، فلو كانت هناك لجنة مختصة في النادي أو الاتحاد تشرف على تقييم المدربين لما كانت القرارات بهذا الشأن ارتجالية أو قد تكون صائبة في بعض الأحيان ولكن عن طريق نظرية المحاولة والخطأ، وحتى لا نكون متشائمين وسلبيين ونطلق عموميات على الجميع لابد من الإشادة ببعض الأندية التي أوجدت تموجات ايجابية في الرياضة على كل الأصعدة سواء في التعاقد مع اللاعبين المحترفين، أو طريقة تقييم المدربين، ونتمنى أن يتعلم منهم أسس التقييم حتى لا يتم التخبط.
تغيير الإدارة
إن تغيير مجلس الإدارة وخصوصا إذا كان جوهريا فإن بطبيعة الحال سيكون هناك الكثير من الضحايا ومنهم المدربون الذين يتحدد مصيرهم بوجهة نظر الإدارة الجديدة، وعندما تظهر النزعة الجاهلية في تصفية الحسابات فإن سياسة الأرض المحروقة والقرارات التي تشبه القصف العشوائي تطال الصالح والطالح وتحرق الأخضر واليابس، فغالبية الإدارات الجديدة لا تؤمن بالعمل التراكمي بتاتا وتريد أن تبدأ من نقطة الصفر حتى ينسب ما يتحقق من إنجازات أنه تم في عصره
العدد 844 - الإثنين 27 ديسمبر 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1425هـ
منطقى
لك كل التحية على مجهودك وأرجو أن نتعلم من دراستك