العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ

فرصة لن تتكرّر: راتب تقاعدي بـ 30 مليون دولار!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للزميل غسّان شربل «ربما لا تصدق، لكنني لا أحب شيئين، السلطة والمال». قال الرجل ذلك، ونَسِيَ أن القارئ الذّكي شاهَد عضّه بالنواجذ على موضوع ترشّحه قبل خمسة أسطر في ثنايا المقابلة (فقط) عندما سأله شربل: هذا يعني أنّك مُرشّح؟ فردّ قائلاً: بالتأكيد مُرشّح ومن قائمة أكبر». (راجع نصّ المقابلة في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 26 مايو/ أيار 2010).

هذا ما خصّ السلطة وعلاقته الشخصية بها. فيما يتعلّق بعدم حُبّ المالكي للمال، فقد تبيّن أن الراتب التقاعدي المخصص له (حسب تصريحات أحد النواب الصّدريين) إذا فشل في الحصول على الأصوات التي تجعله قادراً على الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء، «سيصل إلى 30 مليون دولار أميركي سنوياً! مع تخصيص قوة عسكرية مزدوجة الوظائف تُقدّر بلواء كامل لحمايته (اللواء يضم 5500 جندي بمطابقته الافتراضية مع اللواء 19 البريطاني العامِل في العراق)».

النائب شذى الموسوي هي الأخرى قالت وفي موضوع ذي صِلة بأن «مجمل مخصصات الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب)، تتجاوز الـ 800 مليون دولار أميركي سنوياً. بمعنى أن العراق وفي كلّ أربع سنوات هي العمر الفعلي لتغيير السلطة المُنتخبَة سيُنفق ثلاثة مليارات ومئتي مليون دولار كمصروفات إدارية للرواتب والمُخصّصات.

وفي الدرجات التالية من بُنيَة السلطة في العراق وهم الوزراء، فإن المُعضلة الأخرى في الموضوع، هي تضخّم وزارات الحكومة طبقاً لمقاس السياسات والتحالفات والاسترضاءات التي تجري بين الكتل والأحزاب النافذة. لك أن تتخيّل أن هذه الوزارات وفي كلّ مرة يزداد عددها طبقاً للتعقيد السياسي، عندما تفرز الانتخابات، أو خارطة الميدان ظروف سياسية جديدة، كالذي جرى في انتخابات مارس/ آذار الأخيرة.

إبّان حكم إبراهيم الجعفري الأشيقر (7 أبريل/ نيسان 2005 – 20 مايو/ أيار 2006) ازداد عدد الوزارات العراقية من 27 وزارة إلى 33 وزارة ما بين سيادية وخدمية وخلافها. وفي عهد نوري المالكي (20 مايو 2006 – إلى الآن كحكومة تصريف أعمال) قفز الرقم من 33 وزارة إلى 37 وزارة حسب ذلك التصنيف أيضاً. وحسب الائتلافات الجديدة اليوم، ومحاولة استرضاء القائمة العراقية بزعامة إياد علاّوي التي جاءت أولاً في الانتخابات فقد يزداد الرقم من 37 وزارة إلى 42 وزارة!

وإذا ما علمنا أن الوزير العراقي يتقاضى (حسب إفادة الوزير السابق وائل عبد اللطيف) راتباً شهرياً يصل إلى 12 مليون و900 ألف دينار، (10 آلاف و800 دولار أميركي) دون احتساب المُخصصات الأخرى والتفضيلية والامتيازات الإدارية والمالية المُصاحبة، فهذا يعني أنهم سنوياً سيتقاضون 22 مليار و722 مليون دينار عراقي سنوياً (5 ملايين و443 ألفاً و200 دولار). وهو رقم سيكون من الصعب على المواطن العراقي الفقير تصوّره أو تحمّله.

في الدرجات الأخرى من هيكل السلطة العراقية أيضاً، فقد أفرزت الانتخابات الأخيرة نتائج تفيد باحتفاظ 62 نائباً سابقاً بمناصبهم النيابية، وخروج 200 نائب آخرين من البرلمان ولأسباب متعددة (الفشل الانتخابي/ العزوف عن الترشيح)، وهم اليوم بدأوا في ترتيب أوراقهم وأوضاعهم القانونية لاستلام مُرتّباتهم التقاعديّة المُجزِية جداً. وحسب القانون العراقي الخاص بتنظيم ذلك، فإن الراتب التقاعدي لكلّ نائب (سابق) سيكون سبعة ملايين دينار شهرياً (5943 دولاراً).

وأيضاً وحسب قانون التعديل الذي أجري على قانون مجلس النواب رقم (50) لسنة 2007، فإن هيئة الرئاسة النيابية والأعضاء النيابيين السابقين سيمنحون إضافة إلى الراتب التقاعدي الشهري والامتيازات والحوافز الأخرى المصاحبة له موالاةً، «جوازات سفر دبلوماسية لهم ولأزواجهم وأولادهم أثناء الدورة التشريعية, وثماني سنوات بعد انتهاء الدورة التشريعية».

أما النوّاب الفعليين داخل قبّة البرلمان فإن النائب العراقي الواحد يتقاضى في الدورة التشريعية الواحدة (مدتها أربع سنوات) 518 ألف دولار أميركي. بمعنى أن مجموع النواب سيتقاضون في نهاية الدورة الحالية 167 مليون و 314 ألف دولار. وهي أرقام مُوجعة، وتنمّ عن تغوّل هذه الطبقة السياسية وأحزابها في عصر آخر قطرة من النفوذ والمال ما داموا في السلطة، وكأن الموضوع بالنسبة لها فرصة لن تتكرّر.

وللعلم، وحسب التقارير الواردة، فإن متوسط عمر النائب العراقي في هذه الدورة هو خمسة وثلاثين عاماً (راجع تصريحات عضو مجلس المفوضية العليا للانتخابات إياد الكناني). فواحد وسبعون نائباً تتراوح أعمارهم ما بين 30 و 40 عاماً. بمعنى أن الطموح لديهم وهم في هذا العُمر النابِه غالبة في بلد ترتخي فيه المحاسبة إلى أدنى مستوياتها.

ليس مشكلة أن يتقاضى المالكي أو وزراؤه أو نوّاب البرلمان رواتبهم مُجزية. فالرئيس الأميركي يتقاضى راتباً سنوياً بحدود 400 ألف دولار، و 50 ألف دولار كمصاريف إضافية، غير شاملة للسكن والسفر والحماية الشخصية. ويتقاضى الرئيس (السابق) راتباً تقاعدياً سنوياً يصل إلى 151 ألف دولار، و150 ألف دولار إضافية لمدة أربع سنوات لمكتبه ومرتبات مساعديه. ويتقاضى الوزير راتباً سنوياً يبلغ 183.1 ألف دولار. وراتب رئيس رئيس مجلس النواب 203 ألف دولار. وعضو الكونغرس 165 ألف دولار. (راجع تقرير واشنطن لعدد يوليو/ تموز 2008).

المشكلة هي أن العراق ليس الولايات المتحدة. ومشاكله ليست كمشاكلها. وخدماته المدنية ليست كخدماتها. وهو اليوم يعيش بلا قضاء نزيه، ولا مؤسسات دستورية ورقابية حقيقية، وبلا شركات قابضة، ولا حدود آمنة، ولا بُنية اقتصادية تحتية، ولا سِلْم أهلي، ولا حكم مدني راشد؛ ولا حتى بيئة نظيفة توفّر ظروف صحيّة للعيش، لأن ديمقراطيته تتحكّم في رقبتها أحزاب متنفّذة وطوائف نَهِمَة على وليمة السلطة.

قبل أيام نشر التقرير العالمي لجودة مستويات المعيشة المعروف بـ «ميرسر» أن العاصمة العراقية بغداد هي أسوأ مدن العالم من حيث جودة مستويات المعيشة، حين سجّلت الرقم 221 بين دول العالم. بل إن مدينة بانغي في جمهورية إفريقيا الوسطى جاءت أفضل منها من حيث النقاط رغم حصولها على المرتبة الثانية. (راجع نصّ التقرير المذكور).

وعلى مستوى البيئة قال التقرير، بأن بغداد هي أسوأ مدينة على المستوى العالمي من حيث «معايير توفر المياه وصلاحيتها للشرب، والتخلص من النفايات، ونوعية أنظمة مياه الصرف الصحي، ومدى تلوث الهواء والازدحام المروري» حيث جاءت في المرتبة رقم 214 من بين الدول. وبالتالي فإن إقرار مثل تلك الرواتب الفلكيّة لسياسيي العراق أمر لا يُمكن أن يقبله المواطن العراقي، وقد يدفعه ذلك إلى مزيد من النقمة عليهم وعلى التجربة السياسية برمّتها.

لا يدّخر أحدٌ نصحاً لأحد أكثر من ادّخار النصيحة للسياسيين والحُكّام. ليست الشّهامة أن نخلق «سيمفونية» اسمها الشعب وخياراته نلوكها صباح مساء، بل المهم أن يحظى الناس بذات العيش الذي يعيشه السياسيون والقادة، وأن يتساوون في الحقوق، والمزيد من القرب نحو نقطة المواطنة الجامعة، وإلاّ أصبحت تلك السيمفونية الأثقل على آذان الناس وصدورهم المُتعبَة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2831 - الأحد 06 يونيو 2010م الموافق 23 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:46 ص

      السلام عليك

      م أقول إلا سلام الله عليك يا أمير المؤمنين يإذ تخشى أن تبيت شبعانا و هناك بطون حرى في شرق الأرض أو غربها..يا مهدي أدركنا..

    • زائر 13 | 7:27 ص

      إذا كان هذا البوق في العراق

      فكيف يكون في البحرين؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    • زائر 12 | 7:20 ص

      الراتب

      ليس خطر الوظيفة مهما كان يشكل سبب وجيه لأن يتقاضى أحدهم راتباً بملايين الدنانير .. ففي النهاية من يتقلد منصب فهو يخدم من خلاله لا أن يستثري من خلاله

    • زائر 11 | 4:20 ص

      بريق المال ورنة الدرهم

      إنه بريق المال والسلطة وقلما يستطيع أحد أن يقاومهما ونحن نلاحظ الكثير من الناس العاديين عندما يمتحن بقليل من المال أو منصب فيغير وينقلب على مبادئه ويبيع الآخرة بالدنيا الفانية ويبرر ما يفعله الآن بالذي كان يحاربه بالأمس..

    • Ebrahim Ganusan | 3:41 ص

      طعنك في المالكي دليل أنك قنصل ايراني

      فجر مرارتكم تفجير المالكي يوم رفع شعار الدولة المدنية دولة القانون والمؤسسات ليش ما كتبت عن مخصصات وأموال ولي الفقيه في ايران والرئيس ومخصصات الحرس الثوري والاسهم والشركات التي يسيطرون على اغلبها ولماذا كل شيء في يد الميليشيات التي تحرس ولاية الفقيه فقط وبقية الشعب مسحوق ,, ما قلنا ليك قبل قنصل ايراني بلبوس الصحافة

    • زائر 9 | 2:18 ص

      لا توجد مقارنة بالدول الاخرى

      إذا احتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء، «سيصل إلى 30 مليون دولار أميركي سنوياً! مع تخصيص قوة عسكرية مزدوجة الوظائف تُقدّر بلواء كامل لحمايته (اللواء يضم 5500 جندي .
      في بعض الدول الميزانية كلها وما فاض يوزع على .. والجيش بأكمله والشرطة والامن جميعه مسخر للخدمة
      ألا ترى إن السيف يزرى بحده
      إذا قيل أن السيف خير من العصا.

    • زائر 8 | 2:03 ص

      الله كريييم

      ما نبي 30 مليون نبي بس 3000 دولار خخخ الى متى هالحاله

    • زائر 7 | 1:27 ص

      رد على رقم 3

      هل من المعقول وحين يكون صدام سارقاً أن نكون نحن أيضاً سراق؟؟؟ هذا منطق أعوج لأننا جئنا من أجل التغيير نحو الأفضل وليس لتطبيق ذات البرامج والسياسات وإلا ما فائدة التغيير!!!!!!!!!!!

    • زائر 6 | 12:36 ص

      عزيزي الكاتب خلك من العراق وتعال للبحرين

      في البحرين ما فازوا فيها إلا النواب هههه اللي كان قبل يركب في سني اليوم عنده لندكروزر... وضع الديره مسخره من قلب ونته رايح ليي الى العراق ... الله يهديك بس

    • زائر 5 | 12:07 ص

      ياحسره على الشعب البحريني

      علق آماله على النواب لكن طلعوا مو كلفوا كل واحد همه نفسه

    • زائر 4 | 12:06 ص

      ثروات العراق

      ثروات البعث دهبت للقاعدة والارهابيين فياخدونها الشرفاء اشرف وابرك

    • زائر 3 | 12:04 ص

      صدام وثروته

      بس صدام جم كان يحصل؟؟؟ 60 قصر ومليارات طارت في الحروب وثروات في الخارج لاسرته وعائلته

    • زائر 2 | 11:56 م

      المعارضة

      قلة قليلة من المعارضات هي من تبقى شريفة

    • زائر 1 | 11:07 م

      الوجه الاخر

      معك ابها الكاتب الكريم في معظم ما كتبت , ولكن هناك وجه اخر للامر : كلما زادت ( خطورة ) الوظيفة زادت ( مخصصاتها ) , ففي العراق ان تكون في منصب مدير مثلا فان احتمالية اغتيالك ترتفع الى رقم معين , اما اذا كان المنصب وكيل وزارة فان احتمالية الاغتيال ترتفع اكثر اما اذا كان المنصب وزير او رئيس وزراء فانت تواجه محاولات تصفيتك او افراد عائلتك في كل لحظة

اقرأ ايضاً