العدد 2844 - السبت 19 يونيو 2010م الموافق 06 رجب 1431هـ

مانديلا و«الاينوت»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أول جولةٍ عالميةٍ له بعد خروجه من السجن في التسعينيات، زار الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا الولايات المتحدة وكندا قبل أن يتجه للقارة الأوروبية. وفي الطريق حطّت طائرته بمنطقة كندية نائية في مطار صغير يقع على خليج الأوزة، فطلب أن يخرج من الطائرة ليتمشّى في الهواء الطلق.

لم يكن قد مرّ على إطلاق سراحه غير بضعة أشهر، ولكنه فوجئ بتجمع اثني عشر شاباً لم يسبق أن رأى مثلهم من قبل، فاستفسر عنهم فقال له المسئول الكندي المرافق إنهم من «الاسكيمو»، جاءوا للمطار لمّا سمعوا بهبوط طائرة مانديلا. وتذكّر أنه قد قرأ في صباه أن اسمهم الأصلي هو «الاينوت»، بينما «الاسكيمو» أطلقه عليهم المستعمرون الغربيون، الذين حاولوا تصوير سكان المنطقة الأصليين على أنهم قومٌ متخلفون جداً.

عندما تحدّث إليهم، عرف أنهم شاهدوا إطلاق سراحه على شاشة التلفزيون، وكانوا يتابعون أخبار النضال ضد التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، بل ان أحدهم هتف بشعار المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يتزعمه.

ما أدهش مانديلا بقوة، هو أن هذا الكوكب قد أصبح صغيراً، خلال العقود الثلاثة التي سُجن فيها، وقد حيّره أن الاينوت الذين يعيشون في القطب الشمالي المتجمد، «استطاعوا مشاهدة إطلاق سراح سجين سياسي من الطرف الجنوبي لإفريقيا، فالتلفزيون جعل الدنيا تنكمش، وأصبح مع التقدم الحاصل سلاحاً عظيماً لإزالة الجهل وتطوير الديمقراطية» كما كتب في مذكراته.

مذكّرات مانديلا كتبها قبل عشرين عاماً، ومنذ ذلك الحين شهد الإعلام قفزات ضخمة، فانتشرت الفضائيات، وتوسع استخدام الإنترنت، ودخلت مصطلحات جديدة من قبيل «صحافة المواطن»، وبدأت الأرض تهتز تحت أقدام الصحافة الورقية. وهناك صحفٌ كبرى أغلقت أو أفلست، وبعضها اقتصر على الإصدار الإلكتروني، وبات التحدي أمامها إما أن تتغير وتتكيف مع الواقع الجديد، أو تقرأ على روحها الفاتحة.

في لقاء وزيرة الثقافة والإعلام مع «الوسط» الأسبوع الماضي، اكتشفنا جانباً من الخلل الكبير في السياسة الإعلامية المتعثّرة، فالوكيل يتحدّث عن قوانين لابد من الالتزام بها، وبلغةٍ عاطفيةٍ تتخللها الدموع، أشار إلى أن «الوسط» لن تقبل أن تتجاوز القوانين المنظّمة للنشر! فلابد من الاستئذان لبث أي مادة مصورة على الموقع الإلكتروني، وهو كلامٌ يوحي بعدم سماع شيء اسمه «يوتيوب».

اليوم بات بإمكان أيّ شاب في الثانوية أن يصنع تقريراًً من عدة لقطات، أو ينتج فيلماً باستخدام كاميرا صغيرة، وبثه على الإنترنت ليطلّع عليه الملايين. التقدم التكنولوجي أسقط الحدود بين الشعوب والدول، بينما هناك من يفكّر بوضع العصي في عجلات التقدم، تشبثاً بقوانين صيغت قبل دخول مانديلا السجن في جزيرة روبين.

المطالبة بالسماح للبث الإلكتروني الجديد على موقع الصحيفة ليس ترفاً وإنّما ضرورة حياة، لتعيش الصحف وتتطور وتواكب العصر. والتشبث بالقوانين القديمة إنما يدل على أن الوقوف في وادٍ سحيق بعيداً عن تيارات التطور والحداثة والعولمة.

الوزيرة طالبت الصحافيين بأن يعرّفوها بأسماء الحرس القديم الذي يعرقل التحديث والإصلاح، ولكنهم لم يجيبوها لأنهم ليسوا وشاةً ولا مخبرين. في اليوم التالي قرأنا خبر «بنا»، صاغه شخصٌ لم يحضر اللقاء، فثلاثة أرباعه كلام مفبرك... ثم يسألون عن الحرس القديم!

مانديلا الذي سجن 27 عاماً، اكتشف في عامه الأول أن الإعلام سلاح عظيم لإزالة الجهل وتطوير الديمقراطية... ونحن مازلنا نضيّق الخناق على الصحافة وتشكل جمعيتنا الموقرة لجنةً مشبوهةً لملاحقة الصحافيين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2844 - السبت 19 يونيو 2010م الموافق 06 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 1:12 م

      طالب اعلام

      شكرا على هذا الحوار الموضوعي، واسمحوا لي بوجهة نظر فأنا طالب اعلام أيضاً. وقد قرأت كثيرا عن ما وصلت إليه حال كثير من الصحف الاجنبية التي انتهت بالتوقف أو التحول للنشر الالكتروني، كما أشار الكاتب بوضوح. واعتقد ان النقد كان موجه للوزارة التي تتشدد في فرض قانون قديم لا يوائم التطورات الجديدة. هذه فكرة المقال من وجهة نظري التحليلية. فمن لا يتكيف مع الواقع الجديد سيغلق أو ينتهي منن السوق كما اشار قاسم حسين. شكرا للجميع.

    • زائر 17 | 7:29 ص

      الزائر9

      أخي الفاضل هناك فرق بين من يدرس أو درس الإعلام وبين من لم يدرس ، الدارس يحلل الموضوع ويستنبط الهدف والفكرة والفئة المستهدفة وهل هو مقال موجه وأين تكمن خلاصة الموضوع وأين قوته وأين ضعفه وماذا يريد الكاتب أن يوصله للمتلقي وبموضوعية ولاعيب إن تم إنتقاد الكاتب أو مدحه ففي الحياة رأينا الكثير من الطلبة تفوقوا على إساتذتهم فهذا ليس عيباً ولا نقصاً.. والتطور حاصل حاصل لا أحد يستطيع توقيفه ولكن التنظيم واجب وشكراً.

    • زائر 16 | 7:10 ص

      الزائر رقم 9

      بعد التحية لو كان لديك شعب واعي يتقبل الرأي الآخر وينصت للإستماع ويحاجج بالمنطق بعيداً عن الطائفية والحزبية ووو ولكن إنظر للتعليقات على مختلف المواضيع وهذه عينة بسيطة إقرأ الشتائم واللعن والسب والتخوين والأسلوب الواطي للحوار بين الزوار فلا نريد أن تنتقل العدوى للصحافة لأن للوسط رأي ولجريدة أخرى رأي وبينهما جمهور متهور غير ناضج وأرجو أن تقرأ ما بين السطور.

    • زائر 15 | 6:00 ص

      مراقب متابع

      هذا الترخيص ليس لمراقبة كل مقطع فيديو.. هذا كلام غلط واللي يقوله مخطيء.. الترخيص في الأساس حماية للمؤسسة وحقوقها.. وما يصير اصلاً تتم مراقبة كل مقطع قبل بثه لا في الصحف ولا في المواقع.. بعدين تنادون بدولة القانون والمؤسسات واذا يات المسألة على احترام الأنظمة تصيحون من ضرب حرية التعبير وغيرها.. يا جماعة الإلتزام بالقانون لمصلحة الجميع، يعني الحين الصحيفة تميزت بحرية التعبير، هل صدرت بدون ترخيص، وهل عندما تميزت قدر أحد يخنقها.. تأملوا في الإدارة والتخطيط وجودة العمل وليس للتفاهات.

    • زائر 14 | 5:16 ص

      التاريخ يعيد نفسه

      صدقت والله... اسمهم الأصلي هو «الاينوت»، بينما «الاسكيمو» أطلقه عليهم المستعمرون الغربيون، الذين حاولوا تصوير سكان المنطقة الأصليين على أنهم قومٌ متخلفون جداً.والتاريخ يعيد نفسه.ومانديلا انسان ذكي جداً.

    • زائر 13 | 4:24 ص

      من الشعب والى الشعب

      مانديلا خرج من رحم السجون والعداب والمرار لدلك اصبح نمودج الى الانسان المقاوم المحترم بين شعوب العالم

    • زائر 12 | 4:06 ص

      ABU ZINAB

      ALL GOVERNMENT ARAB COUNTRIES THE DEVLOPMENT IN THERE MINDS BY LADIES AND WESKY NOT BY WORK AND EDICATION.

    • زائر 11 | 3:25 ص

      معاداة التقدم غباء

      لا اعتقد ان طالبة الاعلام اكثر فراسة من شخص يعمل بالصحافة من سنوات مثل قاسم وزملائه في جريدتنا الوسط، فهو يدرك ما يجري في اليوتيوب الذي له ايجابياته وسلبياته. تماما كالانترنت. مشكلة الوزارة الآن تريد اخذ اذن على كل مقطع فيديو تبثه الصحف، وهو اجراء متخلف يثير الضحك. وهو ما فات طالبة الاعلام. هذا ليس قانون وانما اجراء متخلف. قبل سنوات منعوا الدش والآن موجود على كل بيت. الوقوف في وجه التقدم مصيبة خصوصا انه باسم القانون.

    • زائر 10 | 3:10 ص

      شريعة الغاب

      تطور البلدان يقاس بمدى الإلتزام بالأنظمة والقوانيين فلانريد أن نعيش بشريعة الغاب الصحافة لدينا بها نفس طائفي وسياسي بغيض وآفاقها ضيقة تخاطب العاطفة والبسطاء ولو تركت على عنانها لنشبت القلائل وحرب طائفية للأننا مازلنا متخلفين للأسف الشديد وشكراً للزائرة رقم 2 وبكونها طالبة إعلام أدركت بفراسة أهمية الموضوع سيد هل أنت مقتنع بما يعرض على اليوتيوب؟ إساءات بالغة وإسفاف دائماً نستخدم التكنولوجيا بشكل خاطيء.

    • زائر 9 | 2:42 ص

      خلكم مرنين

      الوكيل اشار إلى أن «الوسط» لن تقبل أن تتجاوز القوانين المنظّمة للنشر، بينما الصحفية التي علقت تقول كيف تستعيد حقك إذا أحد أساء اليك. اعتقد ان الاشكالية فيما طرحه السيد بقوله: (فلابد من الاستئذان لبث أي مادة مصورة على الموقع الإلكتروني) وهو اجراء مستحيل ويدل على ان المسؤولين في الوزارة فعلا يعيشون ايام ما قبل التاريخ. خلكم مرنين ترى الدنيا تغيرت ولازم تتبدل عقلياتكم.

    • زائر 8 | 2:36 ص

      في البحرين

      في البحرين في ناس يملكون غرور وتكبر وتعالي يكفي العالم

    • زائر 7 | 2:29 ص

      مانديلا وطابور العصر الحجري

      مانديلا الذي سجن 27 عاماً، اكتشف في عامه الأول أن الإعلام سلاح عظيم لإزالة الجهل وتطوير الديمقراطية، والجماعة عندنا اكتشفوا ان التلفزيون والتقدم العلمي يهدد الديمقراطية فلابد من محاربة الاعلام الجديد. هذه هي القضية باختصار. والاغرب ما نشرته جمعية الصحفيين انها ستشكل لجنة لملاحقة الصحفيين أصحاب المواقف والافكار، وتلقي شكاوى الناس ضدهم. صج هزلت.

    • زائر 6 | 2:23 ص

      مسألة تخلف وليس التزام بالقانون

      ما اعتقد ان المسألة مسألة قانون وانما تخلف عن العصر وما يجري فيه. فقضية اليوتيوب مثل واحد على سهولة استخدام التقنية الحديثة والتي اذا لم تلاحقها الصحف فإنها ستصبح من الماضي. ولا أتفق مع ما تقوله الزائرة رقم 2 لأن مؤسسة صحفية مثل الوسط لن تقوم ببث اي مادة تخلف القانون لانها ببساطة تعمل وفق القانون. وفي تقديري ستلتزم بالحدود القانونية التي تحكم نشرها في الصحيفة الورقية، فليس صحيح ما تقوله عن الاساءة والتشهير بالناس أصلاً لانها أصلاً في خدمة الناس.

    • زائر 5 | 2:15 ص

      قاعدة

      اذا قبلت بان يكون عليك مسئول يعتقد بانه فوق البشر، ورضيت بذلك تتحمل عواقب اعمالك، ونشوفكم في مسرحيات اخرى

    • um amal | 1:24 ص

      هاهاها تخلف

      الناس وصلت المريخ واكتشفت عوالم اخرى وربعنا اليوم يكمم الافواه ويمنع النشر ويغلق المواقع .. الدنيا اطورت وهؤلاء لايزالون يعيشون في ضلالهم القديم

    • زائر 4 | 1:03 ص

      القانون قانون ياسيد هناك الكثير تعرضوا للإهانات والتشهير في اليوتيوب فمن يدافع عنهم.. هل تستطيع أن تفعل الصحف ذات الشيء ام لها قانونها

      شكراً سيد لكن أنا كطالبة اعلام لا استطيع قبول المقارنة بين موقع اليوتيوب الذي يشارك فيه كل من هب ودب وفيه من القبح الشيء الكثير وبين مؤسسة صحفية محترمة.. نعم اتفق مع الالتزام بالانظمة فالنظام المؤسساتي لا يقوم على الفوضى.. أنت حينما يقوم بأحد بإهانتك عبر يوتيوب كصحفي كيف تسترجع حقك وتدافع عن نفسك.. لكن لو عملت هذا صحيفة محترمة ملتزمة بالقانون تجاه أي طرف آخر، فإن الحق لن يضيع كما يضيع في اليوتيوب، ولذلك، ليس مهماً أن نعرف يوتيوب.. المهم أن نعرف مستوى ما يقدم وقانونيته

    • زائر 3 | 12:57 ص

      اقول صح السانك ياسيد

      أشار الوكيل إلى أن «الوسط» لن تقبل أن تتجاوز القوانين المنظّمة للنشر! فلابد من الاستئذان لبث أي مادة مصورة على الموقع الإلكتروني، وهو كلامٌ يوحي بعدم سماع شيء اسمه «يوتيوب».
      تدري ياسيد ان الوكيل يمكن ما يعرف شي اسمه يوتيوب او يعتقد ان الناس ما تعرق اليوتيوب.
      الكوثري

اقرأ ايضاً