العدد 2846 - الإثنين 21 يونيو 2010م الموافق 08 رجب 1431هـ

ما بعد «مرمرة»

عبدالجليل النعيمي comments [at] alwasatnews.com

خلال الأسبوع الماضي حاولتُ من دمشق قراءة أهم ما ترتب من آثار المجزرة الإسرائيلية ضد سفينة مرمرة التركية والعدوان ضد باقي سفن أسطول الحرية نهاية مايو/ أيار الماضي على تطورات القضية الفلسطينية وموازين القوى الإقليمية. ففي دمشق، أكثر من غيرها، تتجمع كل خيوط قضايا المنطقة. وفيها يمكن أن يلتقي ممثلو مختلف الاتجاهات السياسية الفلسطينية والعربية والأجنبية. ومن مختلف المناقشات والقراءات تخرج بالاستنتاج الرئيسي التالي: إن أكبر المستفيدين مما جرى هي تركيا. المستفيد الثاني «المحتمل» هي حركة المقاومة الإسلامية «حماس». الخاسر الأول هي إسرائيل، والخاسر الثاني «المحتمل أيضاً» هي إيران.

ولنأْتِها من الآخر. بدأ الإيرانيون يشعرون بمرارة وقع تفاعلات الحدث عليهم. بعض ممثلي المصالح الإيرانية بدأ يهمس بعتب في آذان الحلفاء بأن الإيرانيين الذين قدموا للثورة الفلسطينية والحركات الإسلامية في المنطقة دعماً شاملاً طيلة العقود الثلاثة الماضية يرون الآن أنهم لا يلقون ذلك الثناء والتقدير الذي تلقاه تركيا، التي لم تدخل على قضية الشرق الأوسط من باب الدعم المباشر لفصائل فلسطينية أو من باب المحاور الدولية الإقليمية إلا في السنوات القليلة الماضية. فقد كانت قبل ذلك تلعب مجرد الوسيط الذي قد تقبله أطراف وترفضه أخرى. أصبحت إيران تشعر بمرارة بأن تركيا، منافسها الأساسي على النفوذ والتأثير في منطقة الشرق الأوسط، ضربت ضربتها الكبرى بعملية أسطول الحرية التي ستخفف من الزائد الكثير في علاقاتها مع الإسرائيليين وتعوض الناقص في علاقاتها مع الفلسطينيين ودول المنطقة، وبالتالي ستمتلك ذلك التوازن الاستراتيجي في علاقاتها الإقليمية، الذي سيدخلها كوسيط وشريك مقرر في القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط عموماً.

بكثير من الانفعال، سربت إيران أخباراً عن نيتها تسيير «أسطول حرية» إيراني إلى غزة. وقالت تسريبات أخرى بأن السفن الإيرانية قد تُسََيّر تحت حماية الحرس الثوري الإيراني مباشرة. ووأضح أن هذا قد لا يأتي على إيران بالمردود السياسي الذي جنته تركيا، بل، بالضد، فقد ينقلب تعقيداً في الظروف الإيرانية الداخلية وما حولها، وهي معقدة أصلاً. وفي الوقت نفسه سرعان ما دفعت تركيا باقتصادها، السابع عشر من حيث الحجم عالمياً، إلى أن يتوطد إقليمياً هو الآخر بإعلان التوجه نحو إقامة منطقة للتجارة الحرة والسفر الحر تضم سورية ولبنان والأردن إلى جانب تركيا. وبما حققته تركيا من كسب استراتيجي على مختلف الصعد، فإنها تستطيع الآن التحدث مع أي طرف فلسطيني، إسرائيلي، عربي، غربي أو أميركي مباشرة، وربما نيابة عن طرف ثالث. وهنا تكمن إرهاصات عصر تركيا الذهبي الجديد.

حماس قد تنشد بقوة إلى مفرزات هذا العصر. تطورات ما بعد أسطول الحرية لم تجعلها في موقع متقدم في الإعلام وفي اهتمام الرأي العام العالمي، بل وفتح أمامها قنوات اتصال تركية وأميركية وأوروبية. وهذا الوضع مريح جداً لحماس التي تعتبر أن الهم الداخلي الفلسطيني الأكبر بالنسبة لها في الظرف الراهن هو أن تقف نداً سياسياً قوياً لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما أن هذا الوضع يسهل لحماس مخرجاً من أسار علاقاتها المتعددة الجوانب مع إيران. فبينما تتضاعف فرص تحقيق المكاسب السياسية فقد يرى قادة براغماتيون من حماس بأن الدعم السياسي التركي أهم بكثير من الدعم العسكري والمالي الإيراني في الوقت الراهن، ويسمح بالخروج إلى «العالمية». أكثر من ذلك فلتسارع تقارب حماس مع تركيا وابتعادها عن إيران أساس مذهبي وأيديولوجي قوي. حماس هي جزء من حركة الإخوان المسلمين العربية والدولية. وهي أقرب إلى حكومة أردوغان الإسلامية التركية منها إلى حكومة نجاد الإسلامية الإيرانية. وبدورها ستنظر تركيا إلى حماس حليفاً محتملاً أقرب وأداة مستقبلية فعالة في الصراع التركي – الإيراني على النفوذ في المنطقة.

وكما في تحالفاتها الخارجية ومسلكها السياسي في الداخل سابقاً، كذلك في تحالفاتها الخارجية وسلوكها السياسي في الداخل فإنها لن تستشير ولن تأخذ بالاعتبار مصالح أي طرف فلسطيني آخر. وفي حين لحد الآن يشتكي حلفاء حماس الفلسطينيون من انفراديتها بالقرارات وتوريطهم في أحيان كثيرة بمواقف تخالف نداء طبيعتهم الفكرية والسياسية، فإن القلق من مستقبل هذه العلاقة بات أشد. وفي حين تجد الفصائل الديمقراطية والتقدمية الفلسطينية جفاءً مماثلاً من جانب فتح الماسكة بزمام السلطة المركزية، فإنها لاتزال عاجزة، للأسف، عن تجميع قواها وطرح برنامج البديل - الواقعي، الديمقراطي والوطني حقاً.

على الأقل قد يجبر هذا الطرح الموحد حماس وفتح على الاقتراب من بعضهما اقتراباً من البرنامج الوطني الديمقراطي لهذه القوى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل النعيمي"

العدد 2846 - الإثنين 21 يونيو 2010م الموافق 08 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً