العدد 2852 - الأحد 27 يونيو 2010م الموافق 14 رجب 1431هـ

جدوى قمة سرت العربية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يلتقي اليوم (الإثنين) الموافق 28 يونيو/ حزيران 2010 في مدينة سرت خمسة من القادة العرب الأعضاء في اللجنة العربية الخماسية المكلفة بدراسة تطوير هياكل الجامعة العربية وأطرها الإدارية، والتي تضم الجماهيرية العربية الليبية ومصر وقطر واليمن والعراق، إضافة إلى الأمانة العامة للجامعة.

هذا هو الهدف المعلن من وراء ذلك اللقاء، أما الهدف الذي رشح مما ورد في وسائل الإعلام فهو إذابة الجليد المتراكم فوق العلاقات المصرية – القطرية، والوصول إلى مصالحة بين الدوحة والقاهرة.

من النواحي الشكلية والإدارية، ليس هناك أي غبار على هذه القمة، فهي تنفذ قرارات قمم عربية سابقة نصت على تطوير هياكل جامعة الدول العربية التي مضى على تأسيسها ما يزيد على ستين سنة. لكن علامة استفهام كبيرة ترتفع حول جدوى هذه القمة، وقدرتها على تنفيذ تلك التوصيات، في مثل هذه الظروف القائمة، وفي ضوء قراءة سياسية للأوضاع التي تسود العلاقات العربية، سواء في نطاق جامعة الدول العربية، أو خارجها.

لنفترض، توافر النوايا الحسنة، ونقبل بأنها تنعقد من أجل العمل على تطوير هياكل جامعة الدول العربية، لكن منطق الأمور يخالفنا هذا الاستنتاج، ويقول إن القيام بمثل هذه المهمة ليس في حاجة إلى قمة رئاسية يشارك فيها قادة خمس من الدول العربية، من بينها دولة عربية كبيرة من حجم مصر. بل ربما يعقد اللقاء الرئاسي الأمور بدلاً من تسهيلها بفضل عاملين هما: قصر الفترة الزمنية التي بوسع أي من الرؤساء العرب تخصيصها لهذه القمة، وبالتالي فمن الطبيعي، إما أن يسلق الرؤساء القضايا، أو أن يؤجلوا البت فيها بانتظار رأي مستشاريهم كي ينيروا الطريق الصحيح للقرار السليم، والثاني أنها بحاجة إلى خبراء إداريين، وفقهاء قانونيين، أكثر من حاجتها إلى قيادات سياسية، مهما كانت مرتبتها.

هذا يدفعنا نحو ترجيح ما رشح مما نقلته وسائل الإعلام والذي يقول بأن هذه القمة، إنما انعقدت من أجل الوصول إلى مصالحة مصرية - قطرية، تحاول أن تعيد المياه إلى مجاريها بين العاصمتين، بعد أن كدرت صفوها المهاترات الإعلامية، وأقامت جدران الجفوة بين الأشقاء حوادث، مثل تلك التي ولدتها قمة الدوحة العربية الأخيرة، أو برامج محطة «الجزيرة» الفضائية التي تبث من الدوحة.

ومثلما توقعنا عدم جدوى القمة، نظراً إلى عدم قدرتها، موضوعياً بغض النظر عن حسن النوايا، على الوصول إلى خطة الإصلاح المطلوبة، فهي بالقدر ذاته قد تولد، وهي في سياق إذابة ذلك الجليد، إلى توليد حالة توتر عربية أخرى بين دول عربية لن تشارك في قمة سرت، ولا تنظر بعين الرضا إلى حل المشاكل العالقة بين العاصمتين.

وإن كانت القمة صادقة في «حلحلة» الأمور بين القاهرة والدوحة، دون إثارة مشكلات عربية جديدة، فهي، أكثر من غيرها من القمم العربية الأخرى، بحاجة إلى توافر مجموعة مساعدة من العوامل الأخرى يمكن تصنيفها وفق الفئتين التاليتين:

1. سياسياً، تفتقر القمة إلى الحد الأدنى من الحضور السياسي العربي الذي يمارس دوره في تسريع عمليات التفاعل بين العاصمتين من جهة، ويضمن نيل موافقة، أو كحد أدنى صمت، الدول العربية الأخرى التي قد تثير حفيظتها أية نتائج إيجابية في اتجاه تصحيح مسار العلاقات بين الدولتين. من هنا ستفقد قمة سرت أهميتها، ومن ثم جدواها إذا ولدت حالات سلبية أخرى خارج إطار العلاقات المتردية بين البلدين.

2. اقتصادياً، إذ ليس هناك شك من حاجة ترطيب العلاقات بين العاصمتين، إلى رافعة مالية/ اقتصادية يصعب أن تتحمل العاصمة القطرية وزرها منفردة، من أجل إعادة الأمور إلى مجاريها. هذه الرافعة تدرك قطر مستتبعاتها المستقبلية، ومن ثم قد لا تكون، قادرة، أو حتى راغبة، في تحملها منفردة، وخاصة في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد المصري، والتي تسعى، القاهرة اليوم، أن تحقق أقصى فائدة مالية ممكنة من مساعي المصالحة هذه.

رغم ذلك، وإن أرادت الدول الخمس المشاركة في قمة سرت أن تكتسب هذه القمة الأهمية التاريخية التي تتوخاها، فما عليها إلا أن تجري إضافات جذرية إلى جدول أعمالها غير العلني، كي ينتقل من مجرد محاولة إزالة الجليد بين الدولتين العربيتين، إلى الوقوف بنضج أمام مجموعة أخرى من القضايا العربية التي هي في أمسّ الحاجة إلى كتلة عربية متجانسة، يمكن أن تكون الدول الخمس نواتها الصلبة، تأخذ على عاتقها معالجتها.

القضية العربية الأولى الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة، هي الملف النووي الإيراني، الذي لا يزال يثير الكثير من الخلافات في صفوف حكومات البلاد العربية، ومن يتابع تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يلمس بسهولة انعكاس تلك الاختلافات في تلك التصريحات، يضاف إلى ذلك المسافات المختلفة التي تفصل بين مواقف عربية اتخذتها دول مجلس التعاون، وأخرى غير منسجمة معها، أفصحت عنها دول مثل سورية وليبيا والجزائر.

القضية العربية الثانية التي تطل بوجهها وتطالب الدول العربية أن يلقوا بثقلهم وراءها اليوم هي حصار غزة، ومعه الملف الفلسطيني، التي لا تزال أسيرة، والحديث هنا يتجاوز العواطف والمشاعر، كي يصل إلى الإشارة إلى المنعطف الحاد الذي تمر به القضية الفلسطينية، والذي يحتاج إلى موقف عربي جريء، موحد، وملموس يعين الفلسطينيين على تحقيق بعض المكاسب الملموسة التي تساعدهم على أخذ شيء من النفس يساعدهم على الوقوف في وجه الهجمة المتوقعة من المؤسسة الصهيونية، سياسية كانت أم عسكرية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2852 - الأحد 27 يونيو 2010م الموافق 14 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:44 م

      متى سيعى الأخوة العرب ويتصدون لأصحاب الفكر الميكافيلي

      متى سيعى الأخوة العرب ويتصدون لأصحاب الفكر الميكافيلي ... هم يحتمعون وهناك أناس تخطط لهم وترصد لهم مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً