العدد 2859 - الأحد 04 يوليو 2010م الموافق 21 رجب 1431هـ

فضل الله في ذمة الله

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل عشرة أيام، حمل البريد الإلكتروني رسالةً من المكتب الإعلامي للسيد محمد حسين فضل الله، تتضمن خبراً عن إصدار شعري جديد، بعنوان «في دروب السبعين»، وكان الغيب يخبّئ للمتلقين أنه سيكون آخر إصدارات المرجع الديني الذي يخطو في الخامسة والسبعين.

مسيرةٌ طويلةٌ على دروب العلم والعطاء والجهاد، بدأها السيّد في النجف الأشرف، حيث وُلد العام 1935، لأبٍ لبناني مهاجرٍ لطلب العلم في حاضرة العلوم الإسلامية الكبرى. وتلقى الدروس الأولى على يد والده وهو دون العاشرة، ليتتلمذ لاحقاً على أيدي كبار مراجعها كالسيّد الخوئي والسيد محسن الحكيم، حتى انتهى أستاذاً للفقه والأصول في الحوزة العلمية. وفي العام 1966 يعود إلى لبنان، ليؤسّس حوزةً دينيةً، وليشارك مع آخرين بعد عشرين عاماً، في تأسيس حزبٍ سيحمل على عاتقه مسئولية تحرير أرض الجنوب وطرد الجيش المحتل، وتسجيل ملحمتين كبريين خلال ستة أعوام، بعدما استسلمت الأمة للهزائم المتراكمة خلال ستين عاماً.

كان فضل الله يدعو إلى ضرورة انفتاح المرجعية على قضايا المجتمع على امتداد الأفق الإسلامي الواسع، ليكون من أبرز دعاة الوحدة ورواد فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة التي تُسقى من ماءٍ واحد. وإلى جانب عطائه الفقهي والفكري والحركي الغزير، اهتم فضل الله كثيراً بحقل العمل الخيري، فقام بإطلاق مشروع «المبرَّات الخيرية»، تلك التجربة المؤسساتية الاجتماعية الرائدة، التي ركّزت على رعاية الفقراء واحتضان الأيتام، في ظلّ اقتصادٍ رأسمالي جائر لا يقيم للأخلاق وزناً. ومثل هذه الرعاية تفسّر طلب الإصلاح من الجذور، فمهما نجحت في السياسة، فإن نجاحك سيكون في مهب الريح مادام مجتمعك مفكّكاً، هشّاً، وقابلاً للانهيار... إذا كان متساهلاً بشأن مصير الفقراء والأيتام الذين قد تجرفهم الحاجة إلى الانحراف.

إلى جانب هؤلاء، شملت تجربة المبرَّات ذوي الاحتياجات الخاصة، من المكفوفين والصم وأصحاب الإعاقات الحركية، وهم من الفئات الضعيفة في مجتمعاتنا التي تسقط سهواً من حسابات السلطتين التنفيذية والتشريعية رغم أنها تمثل ما لا يقل عن خمس عشرة في المئة من أبناء المجتمع. ويمكن اكتشاف الريادة في ذلك عند تذكّر الأدوار التقليدية للمرجعيات الدينية، التي تتركز غالباً في مجالات التبليغ والإرشاد والإفتاء والكتابة والخطابة الموجَّهة للأصحاء دون أصحاب الإعاقات.

إلى جانب تجربة مدارس «المبرّات»، المأخوذة من البِرّ والإحسان، اهتم فضل الله منذ السبعينيات بإنشاء العديد من المؤسسات الصحية والتجارية والإعلامية والسياحية، معتمداً على مساهمات أهل الخير والمؤمنين بأفكاره ومريديه، بالإضافة إلى توظيف الأموال الشرعية، ليقدّم نماذج حيّة فيما يمكن أن تفعله هذه الأموال إذا ما تم توظيفها تحت أعين ورقابة المجتمع، بمنتهى الشفافية والوضوح، فلا يكون ثمة شكوكٌ أو تساؤلات عمّا تنتهي إليه تلك الملايين.

العمل المؤسسي في حالات غياب الدولة أو تقصيرها، يصبح وجوده واستمراره ضرورةً، لضمان كرامة المجتمع وتحصينه من الآفات التي تدمّر الأخلاق، بحماية آلاف الفقراء والمرضى من العوز وانكسار الحاجة وذلّ المسألة.

خمسة وسبعون عاماً قضاها المرجع الكبير، تعلماً وتعليماً، وإرشاداَ وتنويراً، وتحصيناً للمجتمع ورعايةً للفقراء... لمثل هذا فليعمل العاملون.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2859 - الأحد 04 يوليو 2010م الموافق 21 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • محمد الأشتر | 6:32 م

      ذلك هو الفوز العظيم

      ياسيدنا فزت ورب الكعبه

    • زائر 11 | 11:14 ص

      نعم لمثل هذا فليعمل العاملون

      رحم الله السيد وتغمده بواسع رحمته. نعم، لمثل هذا فليعمل العاملون، بدل تضييع الحياة كلها في السياسة الباطلة، ونسيان المجتمع الذي يتعرض للتدمير.

    • زائر 10 | 7:36 ص

      لمثل هذا فاليعمل العاملون

      خمسة وسبعون عاماً قضاها المرجع الكبير، تعلماً وتعليماً، وإرشاداَ وتنويراً، وتحصيناً للمجتمع ورعايةً للفقراء... لمثل هذا فليعمل العاملون.
      رحمك الله يا سيدنا ووفقنا لان نكون كما كنت ...

    • زائر 9 | 5:57 ص

      ال عيد

      وداعنا والى المتقا في الجنة

    • زائر 8 | 5:26 ص

      فضل الله السيد الرائع وداعا

      بقلوب حزينة نودع فضل الله صاحب المبرات والكتب الغزيرة

    • زائر 7 | 4:58 ص

      الثلاثة الدين -الامام الخميني -الصدر-فضل اللة

      قدرة اللة وحكمتة فوق كل شي ولا نملك الى الدعاء-تغير الكون بقدوم الامام ايران -وانتفضت الشعوب مع فكر وعقلية الصدر وكتاب اقتصادنا-وتحركت واستجابات جبال لبنان الى انفتحات فضل اللة -لقد حس صدام بقدوم وحركت الصدر وتحركت اموال الخليج حتى لايتم اللقاء والتلاحم مابين السادة الثلاثة -برحيلك يافضل اللة رجعتني الى 4ابريل 1980 يوم استشهاد الصدر مع اختة بنت الهدى -لو انفتحت بوابة الشرق وهي العراق من دلك اليوم لتغيرت خوارض وانطمة ولكن حكمة الخالق فوق كل شي-الى جنان الخلد ياابا علي

    • زائر 6 | 4:44 ص

      لن يبقى الا العمل الصالح

      رحم الله الفقيد الكبير، الكل سائر على هذا الدرب وشارب من هذا الكأس. والا يبقى غير العمل الصالح والذي رسخ دعائمه المرجع الراحل على اسس مؤسساتية قوية، التي تعتبر من اصدق مصاديق الصدقة الجارية.يوم لا ينفع مال ولا بنون غلا من الله بقلب سليم.

    • زائر 5 | 3:52 ص

      الوسطية الواقعية

      بقلوب مؤمنة برضاء الله وقدره، نتقدم بأحر التعازي والمواساة لفقيد الأمتين الإسلامية والعربية وفقيد لبنان المرجع الإسلامي سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله (رض).
      والسؤال الكبير ماذا استفدنا وماذا قدمنا للامة العربية والإسلامية والعالم من عطاءات مثل ما قدم الفقيد من اعمال خيرية لا تعد ، من المؤسسات الدينية والثقافية المتنوّعة.«لقد كان علماً من معالم الفكر الإسلامي ووتداً حامياً للإسلام وفكره الأصيل، وفقدت الأمة عالماً ربانيّاً لا يمكن تعويضه أو ملء الفراغ الذي تركه».

    • زائر 4 | 3:27 ص

      دروس لنافمن يستفيد؟

      اشكرك على هذه الاضاءات التي تسترعي الانتباه. فالعمل المؤسسي في حالات غياب الدولة أو تقصيرها، يصبح وجوده واستمراره ضرورةً، لضمان كرامة المجتمع وتحصينه من الآفات التي تدمّر الأخلاق.ولكننا نغرق في السياسة للاسف.
      خمسة وسبعون عاماً قضاها المرجع الكبير، تعلماً وتعليماً، وإرشاداَ وتنويراً، وتحصيناً للمجتمع ورعايةً للفقراء... لمثل هذا فليعمل العاملون.انها دعوة لنا جميعا لنتعلم ونصحح مساراتنا الخاطئة.

    • زائر 3 | 3:21 ص

      في الصميم

      بالإضافة إلى توظيف الأموال الشرعية، ليقدّم نماذج حيّة فيما يمكن أن تفعله هذه الأموال إذا ما تم توظيفها تحت أعين ورقابة المجتمع، بمنتهى الشفافية والوضوح، فلا يكون ثمة شكوكٌ أو تساؤلات عمّا تنتهي إليه تلك الملايين.

    • زائر 2 | 1:58 ص

      غريب الرياض

      رحمه الله. الفاتحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

    • زائر 1 | 1:34 ص

      عاشقة البحرين

      الى جنان الخلد ياسيدنا الجليل .... اخر مقال قرأته للسيد رحمة الله عليه في الوسط يوم السبت تاريخ 3 /7 / 2010 في صفحة اعمدة

اقرأ ايضاً