العدد 2861 - الثلثاء 06 يوليو 2010م الموافق 23 رجب 1431هـ

السيد فضل الله... والبوصلة السياسية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدءاً من هذا الأسبوع، لن تصلنا على بريد «الوسط» خطب السيد محمد حسين فضل الله، ظهر كل جمعة... فقد انتقل إلى خير جوار.

جيلان من الناس أو أكثر، تأثّروا بإنتاج السيد فضل الله الفكري، وعند المراجعة الذاتية تتبين لي مرحلتان، مرحلة الاطلاع كقارئ على عددٍ من مؤلفاته في فترة عزلةٍ عصيبة (الثمانينيات والتسعينيات)؛ ومرحلة التعاطي المهني المباشر مع أفكاره ومواقفه السياسية في «الوسط»، حيث اهتممنا بنشرها في صفحات الرأي، لما تمثله من رؤى ومواقف سياسية متقدمة لشخصية دينية بارزة تعيش في قلب العصر.

في مرحلة القراءة الأولى، اكتشفت أن من أكثر المفردات تردّداً في كتب السيد فضل الله... «الانفتاح» و «الحركية» و «من هنا وهناك». فقلما يخلو كتاب أو خطاب من هذه المفردات التي تكشف عن طوايا نفسٍ حركيةٍ منفتحةٍ على الآخر... «هنا» و «هناك».

في المرحلة الثانية، ومنذ السنوات الأولى لصدورها، كانت «الوسط» تهتم بنشر نُبَذٍ من أفكاره وأخباره ولقاءاته، حيث كان يستقبل في دارته المسئولين والوزراء ومندوبي الأمم المتحدة وسفراء وسفيرات الدول والوفود الشعبية، فضلاً عن ممثلي مؤسسات المجتمع المدني العرب والأجانب، والصحافيين والمفكّرين، كان آخرهم الأميركي الشهير نعوم تشومسكي.

كان لقاءً بين قطبين كبيرين في 27 مايو/ أيار الماضي، في ظلّ أجواء إقليمية مشحونة، فحذّر تشومسكي من احتمال أن تلجأ «إسرائيل» للحرب والعدوان مجدَّداً إذا ما شعرت بأنها محاصرة، بسبب عقلية الجنون التي تتحكّم بقادتها، فردّ عليه فضل الله: «إن هذا الجنون لن يدفع كيان العدوّ إلا إلى الانتحار، فبحوزة المقاومة من الخبرات والإمكانات والاستعداد والخطط الاستراتيجيّة، ما قد يقلب الطاولة على رأس هذا الكيان، أو إرباك الواقع الصّهيوني وخلق مشاكل كبرى له». واعتبر ما يقدّمه تشومسكي من رؤيةٍ نقديةٍ تؤكّد بناء عالمٍ جديدٍ يحمل عمق القيم ويبتعد عن التوحّش والمنفعة، مؤملاً أن تخرج أميركا من العقليّة الظلاميّة التي تعيشها، إلى رحاب السياسة الإنسانية المنفتحة على قضايا الشعوب.

كان يعلن مواقفه السياسية في خطبه كل جمعة، حيث تعتبر بوصلةً لتحديد الاتجاه في وضعٍ مضطربٍ، لعب فيه الكثيرون على حبل المذهبية السياسية والرهان على الخلافات الطائفية لتعميق الخلافات بين المسلمين وشق الصفوف. وكان يدرك أن اللاعب الأول هو الطرف الأميركي الذي أعد مشروعاً يمينياً متطرفاً، كان كفيلاً بإغراق منطقة الشرق الأوسط في الظلام لعقودٍ طويلةٍ مقبلة. وكان موقفه واضحاً في دعم بؤر المقاومة التي تصدّت لإسقاط هذا المشروع.

العقد الأخير كان حافلاً بالكثير من الأنفاق المظلمة، حيث تنعدم الرؤية لكثافة الضباب، وكان يرفع الشعلة للمدلجين. بعض المتعاونين مع المشروع الأميركي تولّى تخويف السنّة من «هلال شيعي» سيبتلع العالم الإسلامي، تغطيةً على الخطر الصهيوني الذي أغرق المنطقة في حروب متوالية منذ ستين عاماً، مسلّحاً بالسلاح النووي منذ الستينيات. ومن أسفٍ أن انطلت الحيلة على قيادات إسلامية كبيرة فانجرفت مع تيار العاطفة. وكان حرياً بابن طائفةٍ مضطَهَدةٍ، في بلدٍ صغيرٍ يعيش تحت التهديد، أن يستشعر الخوف من الابتلاع، وليس ابن المحيط السني الكبير.

كان بوصلةً سياسيةً يُرجع إليه حين تدلهم الأمور. لم يتورط في المخاوف الوهمية باكتساح مذهبٍ لمذهبٍ آخر، ولم يغيّر حربه من «إسرائيل» إلى إخوانه في الدين. اضطجع أمس في مثواه الأخير، وبدءاً من هذا الأسبوع سيخلو الجامع وتنقطع خطبه الجامعة... فقد انطفأ السراج.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2861 - الثلثاء 06 يوليو 2010م الموافق 23 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:41 ص

      انطفأ السراج

      ستخلو الساحة السياسية.. الساحة الفكرية.. الساحة الدينية.. الساحة الأدبية من حضور هذا الانسان الذي ندُر نظيره
      شكرا على المقال الجميل
      وخطبة الجمعة سيفتقدونها كثرا قراء الوسط
      في أمان الله سيدنا المبجل

    • زائر 4 | 4:22 ص

      مع السيد ضد مناوئيه

      مقال شجي .. انطفأ السراج
      السيد افكاره نيرة واعدائه مجموعة من الحساد

    • زائر 3 | 2:44 ص

      فضل اللة وسيد عبداللة الفريفي وبوصلة حزب اللة والوفاق

      من الخطا ان تقول من هو سيد عبداللة الغريفي ولكن الصحيح ان تقول من هي عائلة الغريفي-كما هو الحال في لبنان مع فضل اللة ومغنية-ونفس النهج في العراق مع الصدر والحكيم-طهور السيد عبداللة وتلاوة البيان للعالم يعني حجم العلاقة مابين ابناء العم-وهل اصبح السيد الغريفي الاب والمرشد الروحي الى حزب اللة والوفاق-مع العلم ان الحوزات والعلم في البحرين هي الاقدم من قرون ساحقة-وهل استعد الشيعة والوفاق الى المرحلة القادمة وهل اصبح الحلم حقيقة بعد انتطار طويل وماهو دور الغريفي في الايام القادمة-من هنا وهناك للمغنية

    • النعيمي2 | 1:16 ص

      فعلا انطفأ السراج

      فعلا انطفأ السراج ورحل شيخنا الجليل ولكنه جعل لنا ميراث من نور وعلم لا ينفذ وعلمنا كيف نحب الأخر المختلف وجعلنا أحرار في الأختيار ومنفتحين البصيرة فرحمة الله عليك يا سيد فضل الله مثواك جنان الخلد..

    • زائر 1 | 11:20 م

      سهمان وجها للسيد

      سهم ذو القربى و سهم من معسكر مروان فرحل الرجل هاديا مهديا ولم يكن يدعو الى ضلال كما كان يتغنى البعض. ايتام السيد هم اكثر الناس يعرفون قدره ، المقاومة هم اكثر الناس يعرفون قدره بل ان اسرائيل و امريكا بعض الانظمة التي حاولت اغتياله تعرف قدره الا الجهلة و الحاقدين. يكفيه انه لم يرد على الحاقدين و البلهاء بكلمة لانه يعلم ان معركته ليست شخصية. رحم الله ابا علي و اسكن في مقام عال مع اجداده اهل بيت النبوة.

اقرأ ايضاً