العدد 2863 - الخميس 08 يوليو 2010م الموافق 25 رجب 1431هـ

أقلام الفئات في مرحلة الانتخابات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت عقارب الساعة تدور، وبدأ معها مارثون الاستعدادات لانتخابات 2010، وبتنا نطالع الكثير من المقالات والتحليلات الصحافية التي تجتهد، كل من داخل خندقه السياسي، أو من وراء متراسه الإيديولوجي، من أجل تسليط الأضواء على موقف من هذا المرشح أو ذاك، أو يمعن في تحليل مواقف هذا التيار أو ذاك.

العنصر المشترك الذي يوحدها جميعاً هو الموقف من البرلمان كمؤسسة، بما يشمل النواب المنتخبين فيه. وكأية ظاهرة أخرى، يتداخل، فيما تكتبه هذا الأقلام، الغث مع السمين، ويتشح برداء النصوح من يدس السم في العسل، ومن يصب الزيت على النار كي تزداد اشتعالاً. ويمكن تصنيف المشاركين في مد هذه الظاهرة بالحياة والنمو إلى خمس فئات أساسية:

1. المخلصة، وهي المتمسكة بالبرلمان، وترى فيه مكسباً من المكاسب التي انتزعتها الحركة السياسية البحرينية، ومن الجريمة التفريط بها، دون أن يعني ذلك الصمت على أخطاء أداء الكتل السياسية أو الشخصيات المستقلة العاملة تحت قبة البرلمان، أو التغاضي عن هفواتها.

ما يميز هذه الفئة عن سواها هو موقفها الإيجابي من البرلمان كمؤسسة، ونظرتها المستقبلية التطويرية القائمة على تحاشي العنف، وتجنب التضحيات غير المدروسة، ولا المبررة سياسياً. تدعو هذه الفئة، وعلى نحو مستمر، المعارضة إلى توحيد قواها ورصّ صفوفها، وتقليص الخلافات فيما بينها من أجل تشكيل كتلة معارضة قوية قادرة على تطوير أدائها من جهة، وفرض شروطها المنحازة لصالح بناء مجتمع المملكة الدستورية من جهة ثانية. أقلام هذه الفئة تسيرها مصلحة واحدة تسبق كل المصالح الأخرى، وتلك هي مصلحة المواطن البسيط الذي هو أكثر من قدم التضحيات، وأكثر من اكتوى بنيران العقوبات التي فرضتها السلطة التنفيذية، في مختلف مراحل نضال شعب البحرين على قواه السياسية المعارضة.

2. السلطوية، وهي الأقلام التي تحاول «تسفيه» سلوك المعارضة، وتبييض وجه السلطة التنفيذية، من خلال تضخيم أي خطأ، مهما صغر حجمه، ترتكبه المعارضة، وتصغير، وبشكل مفتعل كل مكسب تنتزعه المعارضة. يتكامل ذلك، مع موقف مغاير من السلطة ومؤسساتها، حيث تبذل هذه الفئة قصارى جهدها لتبرير مثالب السلطة وإخفاقاتها، وتحسين صورتها في كل المحافل من خلال تكبير حجم أي إنجاز تحققه، بغض النظر عن الحيز الفعلي الضئيل الذي يحتله.

والهم الأساسي لهذه الأقلام وضع العصي في دواليب المشروع الإصلاحي كي تتوقف عن الدوران، ويكف هو عن النمو والتطور. من الخطأ تبسيط الوصف الذي يمكن أن نطلقه على هذه الفئة، كما يحلو للبعض منا، عندما يضعها في الأقلام المأجورة، لأنها مقتنعة تماماً بصحة «تسفيهها» للمعارضة، وصحة دفاعها عن السلطة.

3. العدمية المؤيسة، وهي التي تهشم في المؤسسة البرلمانية ذاتها، وتستغل خطأ يرتكبه نائب هنا أو آخر هناك، كي تبني عليه منهجاً متكاملاً ينتهي عند الدعوة لإغلاق البرلمان والعودة إلى ما كنا عليه من قبل من سيادة «قانون أمن الدولة» أو نسخة منقحة منه. هذه الفئة، لا تكف عن تكرار مقولات مثل، «كنا بأحسن حال قبل أن يأتينا البرلمان»، أو «ماذا عمل النواب غير قبض مرتباتهم في آخر الشهر، والدفاع عن مصالحهم الشخصية؟»

ينبغي لنا هنا أن نميز هذه الفئة عن تلك التي تبدو من صنفها، وهي التي تحاول، وبقناعة كاملة مخلصة، تقليص مساحة مساهمة البرلمان الحالي، وبالصلاحيات المنقوصة التي يبيحها له الدستور الحالي. الفرق بين فصيلي هذه الفئة، أن الأول يقف في صفوف السلطة التنفيذية، فيما ينضوي الثاني تحت قوى المعارضة.

4. المتقوقعة، الضيقة الأفق، وهي التي ماتزال متخندقةً في دائرتها الذاتية الضيقة، وترفض الانفتاح على الآخر. وتتدرج أقلام هذه الفئة من مخلفات التجربة الحزبية القديمة، وتحط رحالها اليوم عند محطات الانتماء الطائفي الأعمى، الذي يرفض، إما بفعل تخلف سياسي غير مبرر يسيطر على تفكيره، أو لمصالح فئوية محدودة، في الطائفة، حزباً كان أم عقيدة دينية أم قبيلة، أن يخرج من تلك القوقعة الضيقة نحو فضاء الوطنية والمواطنة الرحب.

5. القنديلية (نسبة إلى قنديل البحر)، والمعروف لدينا باسم «الدول»، وهذه الفئة التي تسير مجروفة بتيارات البحر أو الرياح، دون أن تمتلك الحق أو القدرة، بفعل تكوينها الفسيولوجي، في تحديد الوجهة التي تسبح نحوها. أقلام هذه الفئة، تماماً كقنديل البحر، تنتظر الموجة السائدة كي تحدّد الموجة اتجاهها.

ممثلو هذه الفئة، يجلسون، وبثقةٍ يُحسدون عليها، فوق السياج كي ينحازوا، في الوقت المناسب، إلى الفريق الفائز أو التيار المسيطر. هذا السياج لا يفصل بين المعارضة والسلطة التنفيذية فحسب، لكنه في أحيانٍ كثيرةٍ يميّز بين فصائل المعارضة المختلفة، التي تحرص تلك الفئة على السير في ركاب التيار الأكثر حضوراً أو تأثيراً أو انتشاراً، وأحياناً أكثر تلبية لمصالحها الذاتية. يغلب على هذه الفئة الانتقال السريع من صف إلى صف آخر، وتجيير أقلامها لصالح من يجلس في صف آخر كرسي قررت هي الجلوس عليه، ولذلك نرى كتاباتها عن البرلمان مرآة مصقولة تعكس بوضوح حركة الانتقال تلك.

الجميل في منظر اصطفاف تلك القوى، كلٌّ منها يعرض مهاراته ومحاسنه، إننا اليوم، وليس كما كنا أيام قانون أمن الدولة، قادرون على رؤية كل فئة على حدة، ووضعها في المقعد الذي نعتقد، وليس كما تتوهم هي، أنه الأنسب لها، والقادر على الكشف عنها على حقيقتها دون أية رتوش تجميلية مصطنعة. وبالتالي فربما تنجح هذه الفئة أو تلك في إخفاء سحنتها الحقيقية لبعض الوقت، أو عن فئة من الناس، لكن ليس في وسعها تمويه صورتها طيلة وقت الانتخابات، أو على كل القوى المشاركة فيها.

وما ينبغي أن تعرفه جميع تلك الفئات، ويعمل جميع المخلصين من أجله، هو أن الحالة السياسة، وفي كنفها يعيش البرلمان، تحققت بفضل نضالات هذا الشعب، الذي لا يريد أن يفرّط فيها، فليس هناك ما يبرر عودته إلى الخلف، أو استدارته نحو الوراء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2863 - الخميس 08 يوليو 2010م الموافق 25 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً