العدد 2873 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ

إنه ماديبا العظيم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

درسٌ آخر من جنوب إفريقيا التي تحرّرت من أغلال العبودية والعنصرية والاستعباد، بعدما كان نظامها السياسي رمزاً للتخلف والاستعباد.

فقد تناقلت وكالات الأنباء أمس، الثامن عشر من يوليو/ تموز، في تقاريرها من جوهانسبرغ، أن آلافاً من أبناء جنوب إفريقيا كرسوا جزءاً من وقتهم أمس لمساعدة مواطنيهم، تكريماً للرئيس الأسبق والبطل القومي نيلسون مانديلا في عيد ميلاده الثاني والتسعين. وهو التاريخ الذي حدّدته الأمم المتحدة باعتباره «اليوم العالمي لنيلسون مانديلا»، وهو غاية التكريم.

مانديلا وفي لمحة إنسانية نبيلة، طلب أن يستغل عيد ميلاده في أعمال الخير، فاستجابت له عشرات المتاجر والمؤسسات العامة بتعبئة العاملين فيها لتكريس 67 دقيقة على الأقل للعمل الخيري، رمزاً لـ 67 عاماً التي كرّسها مانديلا للنضال من أجل ولادة جنوب إفريقيا ديمقراطية سليمة من العاهات والتشوهات العنصرية.

التقارير الإعلامية أشارت إلى استجابة الكثيرين بتقديم الطعام لأطفال الشوارع، أو إصلاح منشآت البنية التحتية التالفة، أو غيرها من أعمال خيرية أخرى.

قبل يوم واحد، توجّه 95 طفلاً من بلدته الفقيرة (مفيزو) إلى جوهانسبرغ للاحتفال معه بعيد ميلاده الـ 92، وهي قريةٌ فقيرةٌ بائسة من الأكواخ، تلفها أشجار الغابة، ويمر بها نهرٌ صغيرٌ كان يسبح فيه مع أترابه في طفولته. ومع ذلك ظلّ يحن إليها كثيراً أثناء سجنه في جزيرة روبن، حيث ظل سجيناً 27 عاماً، وكان كل جرمه أنه كان يقاوم السياسات العنصرية الشاذة للتمييز بين البشر بسبب ألوانهم. وهي السياسة التي شرعنها المهاجرون القادمون من أوروبا في عصر التنوير، وصاغوها قوانينَ رسميةً في أعقاب الحرب العالمية الثانية منتصف القرن العشرين وإعلان شرعة حقوق الإنسان. وظلّ الغرب المتمدن يدعم هذا النظام العنصري البغيض حتى وصل إلى الطريق المسدود.

حين نتغنى ويتغنى العالم الحر باسم مانديلا، فلأنه كان رمزاً للإنسانية المعذّبة التي كافحت طويلاً للتخلص من الأغلال. وإذا كان الروائيون والأدباء يخلقون شخصيات نموذجية من وحي الخيال ليخلّدوها على الورق، فإن سيرة مانديلا تقدّم رجلاً من لحمٍ ودمٍ وصبرٍ وعذابات. كان رجلاً محاصراً في السجن، تمنع عنه الدراسة، ويقنن دخول الكتب، ولا يقابل زوجته إلا مرة كل ستة أشهر، وربما يطول اللقاء لسنوات. وحين ماتت أمه رفض السجّان طلبه بحضور جنازتها ليؤدي واجب العزاء، وهو ما ظلّ يتألم منه طويلاً، ولما خرج كان من أولوياته أن يزور ذلك القبر الذي نبتت فوقه الأعشاب، ليقف مُطرِقاً حزيناً يستذكر تلك اليد الحانية التي ربته.

في تلك اللحظات التي يضعف فيها الفؤاد وتقل الحيلة، يأخذ بلوم نفسه: ماذا لو لم أسجن؟ ما الذي استفدته من سلوك الطريق الوعر؟ أكانت أمي ستموت بكل أحزانها؟ ثم يعود مرةً أخرى ليضع آلامها في كفة، وفي الكفة الأخرى آلام وعذابات شعبٍ بالملايين، تسوقه السياسات العنصرية إلى مصيرٍ كالحٍ مجهول.

كان بشراً من البشر، يتألم ويحزن ويتحرق شوقاً لرؤية صورة أطفاله، وحين استقبل ابنته لأول مرة بعد عشرين عاماً، بعدما فارقها وهي طفلة رضيعة، ظل ممسكاً بها طويلاً. أيّ ظلمٍ يحيق بالإنسان في السجون؟ أي بربريةٍ التي تصادر حرية البشر؟ ولماذا؟ من أجل استمرار المصالح الطبقية الجائرة والاستئثار بالمال؟ ألهذا خلقت الدنيا بأفلاكها؟ فيالتعاسة الإنسان.

لقد مضى زمن العذاب وجاء زمن الحصاد، وقدّم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شهادته حين قال: «إن تضحيات مانديلا لم تخدم شعبه في جنوب إفريقيا وحسب، بل ساهمت في صناعة عالم أفضل للجميع... وفي كل مكان».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2873 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 2:15 م

      هذا الرجل

      هذا الرجل عظيم بكل معنى الكلمة، عظيم في نضاله، عظيم في السنوات الطويلة التي قضاها في غياهب السجون، عظيم في رئاسته لبلاده، عظيم وهو في هذا العمر ويفكر بشعبه. لا استطيع أن اوفي هذا الرّجل حقه مهما أوتيت من بلاغة وبيان.

    • زائر 10 | 8:14 ص

      حبا في افريقيا

      اتمنى لشعب مانديلا الرفاهيه وان يكون لهم مكانه في عالم الاقتصاد والتجاره ونرى بضاعتهم في اسواقنا....لانني احبهم جدا جدا

    • زائر 8 | 3:15 ص

      قائد حقيقي صاحب اخلاق

      هذا هو النبل والتواضع. لم يكن يسعى لشهرة، وعندما جاءته الشهرة لم يفكر في مجد شخصي وانما حاول ان يفيد الناس في هذه المناسبة بتقديم خدمة لهم. انه قائد حقيقي وليس مفروضاً بالباراشوت

    • زائر 7 | 3:06 ص

      الحجى

      امثال ماندنلا كثر في الدول العربيه . مناضلون ومجاهدون ويناصرون المظلوم لاكن اين هم واين ذكراهم!

    • زائر 6 | 3:01 ص

      جدحفصي

      العنصرية والطائفية ذالك الداء البغيض الذي يفتك بالمجتمعات الانسانية وطبعا مجتمعنا لايخلو منة حتى بين العرق الواحد والطائفة الوحد يوجد تفاوت طبقي .وهناك الكثير ممن ان نعتبرهم مانديلات في مجتمعاتنا المريضة بهذا الداء وما عليك سوى ان تفتش عنهم !.

    • زائر 5 | 2:53 ص

      مانديلا البحرين

      هل لدينا مانديلا نحن ؟
      نعم الكثير منهم ، ولكن كسرنا أجنحتهم
      فالجمري وغيرهم الكثير ممن همشوا ، كانوا مانديلات البحرين
      ولكن نحن لم نفهم كيف نرتلهم بتجويد صحيح
      فأصبح من يدعي المانديلا بطلاً ومانديلا حقيقاً
      واصبح مانديلات الاصل مهمشة هذا ان لم تكن منسية اصلا
      وشعب البحرين لا يستحق ان يكون له مانديلا حقيقي
      ليفهم المانديلا الحقيقي انه سيكون لعنة ملعون كما قال احد المعلقين
      وما أشبهنا بالققط ناكرة الجميل

    • زائر 3 | 1:03 ص

      كم مانديلا مجهول لدينا؟

      لا أومن بالحظ كعامل أساسي في حياة الناس,, ولكني أرى إن مانديلا ما كان ليصبح إسطوره لو ولد في بلاد من بلادنا العربيّة بل سيصبح (لعنة ملعون )تطارده الأقاويل ويترا منه أهله وذووه ,, ولن يجد ما يقتات منه . وجود ماديلا بجنوب إفريقيا حيث الخليط من الأجناس الشرقية والغربية والإفريقية ,, ساعده على أن يبرز كمظلوم ,, ولا ننكر كفاح الأفارقة ,, لكن ذلك لم يكن ليفيده لو لا وجود الأجناس الأخرى المتحضرة ....

    • زائر 2 | 12:38 ص

      رجل عظيم فعلا ؟؟

      خلد اسمه مع العظماء.

    • زائر 1 | 12:10 ص

      زائر رقم ن

      كم منا يتمنى في قرارة نفسه لو كان هو نيلسون مانديلا ؟

اقرأ ايضاً