العدد 2875 - الثلثاء 20 يوليو 2010م الموافق 07 شعبان 1431هـ

الفرعنة «الإسرائيلية» والخنوع العربي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فصلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية إحدى كبار محرريها أوكتافيا نصر، بسبب تعليق نشرته على صفحتها الخاصة في «تويتر»، أبدت فيه «إعجابها بالمرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله وحزنها لسماع خبر وفاته، وعَدّته واحداً ممن تحترمهم في قيادة حزب الله اللبناني».

يأتي طرد نصر من عملها بعد نحو شهر، شبيهاً باضطرار عميدة صحفيي البيت الأبيض، هيلين توماس، إلى الاستقالة من منصبها عن عمر يناهز 89، بعد تصريحات لها، أثارت، هي الأخرى، جدلاً كبيراً، دعت فيها الإسرائيليين إلى «مغادرة فلسطين، والعودة إلى ديارهم». وبين هاتين الحادثتين كانت الانتقادات الحادة التي وجهتها الخارجية «الإسرائيلية» على لسان ناطق رسمي باسم حكومتها للسفيرة البريطانية لدى لبنان فرانسيس غاي عندما رثت، هذه الأخيرة، المرجع الشيعي اللبناني الراحل آية الله محمد حسين فضل الله في مدونتها الشخصية على الإنترنت قائلة بأن «فضل الله كان رجلاً محترماً، ومن أكثر الناس الذين حازوا إعجابها». وبينما تبرعت وزارة الخارجية البريطانية طوعاً «برفع الرثاء من مدونة السفيرة مضيفة بأن ما جاء فيه (الرثاء) يعبر عن رأي السفيرة الشخصي ولا يمثل السياسة الرسمية للحكومة البريطانية»، لم يتورع الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية عن القول بأن «المرجع لا يستحق الثناء».

العنصر المشترك بين الحوادث الثلاث المتفرقة هو، إسرائيل والموقف منها. والتي لم تعد تستحمل أن تسمع أو ترى ما يمكن أن يمس، من بعيد أو قريب، السياسات غير الإنسانية التي تمارسها، أو تتقبل أن يحظى بالاحترام من ليس في قائمة من تضعهم في خانة أصدقائها. وبالتالي، ولكي تستقيم الأمور في العالم، لابد أن يقبل هذا العالم ما تقوم به، ويحارب ما تنفر منه.

ما يجري اليوم في المؤسسات الإعلامية والحكومية الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة ما حذر منه قبل عقدين من الزمان أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في كتابه المعنون «من يجرؤ على الكلام»، من احتمال تراجع هوامش حرية التعبير التي يفترض أن يتمتع بها من يقطن الولايات المتحدة.

تريثت قبل أن أتناول موضوع إقالة نصر «تحاشياً لأن يقال أن العرب أمة سريعة الانفعال ويسهل استفزازها، ومن ثم فهي أمة غير قادرة على التحكم في سلوكها أمام أية ظاهرة لا تعجبها، ممنياً النفس بأن تمعن محطة «سي إن إن» النظر في قرارها، وتعيد الاعتبار إلى نصر، وأن تراجع وزارة الخارجية البريطانية موقفها فلا ترغم سفيرتها على الاعتذار ومسح ما جاء في تصريحاتها، وأن يتبصر البيت الأبيض فلا يضحي بخمسة عقود من العمل المضني الذي قامت به توماس كي يرضي المؤسسة اليهودية. لكن ها قد مضى أكثر من أسبوعين على آخر تلك الحوادث دون أن يتغير قرار أي من المؤسسات الثلاث.

ينتاب المرء منا شعور داخلي مقزز يستفز المشاعر ويهز الكبرياء ويتحول إلى تساؤل: هل يعقل أن تصل الفرعنة «الإسرائيلية» إلى هذا المدى فتضرب عرض الحائط بكل المقاييس السياسية والمهنية، وتضع مكانها شروطها العنجهية التي تحرم من يرفضها من حقه، ليس في التعبير عن رأيه فحسب، وإنما قد يصل الأمر إلى قطع لقمة عيشه؟ فاليوم، ومع تنامي الحركات المنادية بالمزيد من الحريات الفردية، نشاهد الدلائل الراسخة على تراجع مؤسسات عريقة، في هذا المجال، مثل البيت الأبيض ووزارة الخارجية البريطانية، ومعهما الـ (سي إن إن)، مئات الخطوات نحو الوراء عن تلك الحقوق التي طالما نادوا جميعاً بها، دون أن يكون هناك أدنى سبب سوى الخوف من «الفرعون» اليهودي.

هذا على الجانب اليهودي، لكن ماذا عن ردة الفعل العربية؟

تريثت كثيراً قبل تناول المسألة من زاويتها العربية، ترقباً بأن أسمع عن مبادرة عربية إيجابية تجاه واحدة من السيدات الثلاث اللواتي «تجرأن»، وقلن شيئاً من الحقيقة التي لا تريد «إسرائيل» أن يسمعها العالم، ممنياً النفس، خاصة بالنسبة إلى المواطنة العربية اللبنانية الأصل، أوكتافيا نصر، أن تبادر مؤسسة عربية إعلامية فتعرض عليها، وهي الكفاءة العالمية، منصباً مهنياً يليق بها هي ويسد حاجة لدى الفضائية، إن لم يكن من أجل أي منهما، فمن باب مقارعة اللوبي الصهيوني ووضع حد لعربدته غير المقبولة، فلم أسمع أو أرى ما ينبئ بحصول ذلك، وأصبحت قضايا السيدات الثلاث في خبر كان، وبات على أوكتافيا أن تدفع الثمن غالياً لجملة قصيرة بثتها عبر هاتفها المحمول.

في هذا الصمت العربي دليل واضح على عمق «الخنوع» في السلوك السياسي العربي.

أرجو أن نتوقف عن الاكتفاء بتوجيه اللوم للحكومات العربية، وتعليق أثواب ضعفنا على مشاجبها، فمؤسسات القطاع الخاص، تقف معها هنا على قدم المساواة، فهي لا يضرها لو لم يكن «الخنوع» مغروساً في أعماقها، لو بادرت وعرضت على نصر وظيفة، حتى وإن كانت أدنى بقليل من مؤهلاتها المهنية.

تحضر المرء هنا مقولة كان يكررها الرئيس الصيني الراحل على قيادات جيش التحرير الشعبي، يحذرهم فيها من «الخوف من المهام الصعبة الخطيرة، أو احتقار واستصغار شأن البسيطة». وكما يبدو فإننا نحن العرب، في مواجهتنا للعدو الصهيوني، لا يسكننا الخوف من المواجهات الكبيرة ضده، فحسب، لكننا أيضاً غير قادرين على إنجاز المتطلبات الصغيرة أيضاً. وهذا يجعل من «إسرائيل» فرعوناً عربيداً ومن العرب قزماً ذليلاً.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2875 - الثلثاء 20 يوليو 2010م الموافق 07 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:17 ص

      حســـبي علــيهـم

      احفـــاد مــوردخـــاي عــندنـــه هم يــامــرون بـالمــعروف ويــنهــون عـــن المنــكر ... مـــاذا تــريــد هـــذا بــعد كــثير علـــيهم ؟؟؟؟ هـــم يــأمـــرون وامــريــكا تــنفــد كـل شـــيء وازيـــد اشـــويه ؟؟؟

    • زائر 2 | 5:54 ص

      بعد سنوات ستملك امريكا اقتصاد دول العالم وتوظف رؤساء الدول براتب شهري

      مافي سيدي الموقر ومع احترامي لاطروحاتك القويه شي اسمه خنوع ، بل في شي اسمه عقل وانا طفل الى اليوم سمعت من يدتي كلام ما انسيه ابداً والقول عن حكمه ( اللي عنده قرن ما ينطح اليبل ) وليس من العقل ان ينطوحون اخواننا العرب الجبل لأن النتيجه تكسر القرون ويبقى كل منهم خسران ، يا استاذي امريكا التي استطاعت ان تسيطر على اليابان والمانيا وروسيا وغيرهم من الدول الصناعيه المتمكنه ، نحن ماذا نكون بالنسبه لتلك الدول وكأنما سمعت ان امريكا سوف تسير نظام الدول في العالم وسوف تدفع للرؤساء رواتب شهريه فقط .

    • زائر 1 | 3:38 ص

      حب الكراسي ؟؟

      يعلم البعض أنه:
      --
      من أحب إسرائي .... فقد أحب أمريكا
      --
      ومن أحب أمريكا .... فقد أحب كرسيه.
      --
      مستحيل .. مستحيل ... مستحيل ... إلى أن ينقطع النفس.
      --
      أن يتعدل الوضع العربي المخزي في ظل الوضع الرهاهن.

اقرأ ايضاً