العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ

التعامل مع «مجاهدي خلق» امتحان للدولة العراقية

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

من حق الدول أن تتمسك بملفات عالقة مع دول أخرى تتفاوض من خلالها للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية أو أمنية في إطار مصلحة الدولة العليا.

ونماذج ما نقول كثيرة وعديدة في العالم وفي منطقتنا بالتحديد، فأميركا وروسيا بنوا مصالحهما منذ الحرب الباردة على خلق ملفات حساسة تثير القلق عند الدولة الأخرى، لتبدأ بعدها مسارات التفاوض والاتفاق على التخلي عن بعضها مقابل مكاسب محددة.

وفي منطقتنا تملك معظم الدول أو كلها ملفات معلقة وجاهزة للتفاوض للحصول على مكاسب خاصة، وهو أمر كما قلنا مقبول سياسيا بين الدول، والقرائن عديدة، بغض النظر عمن يستطيع أن يستثمر الملفات الممسك بخيوطها.

زيارة الرئيس التركي عبدالله غول إلى العراق ليست بعيدة عما قلناه، فالملفات العالقة بين العاصمتين موجودة منذ اتفاقية سايكس بيكو التي منحت العراق السيادة على ولاية الموصل (تقع ضمنها محافظة كركوك) التي كانت الدولة التركية التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية تطالب بها وتفكر باستعادتها عبر عملية عسكرية لولا العصيان الكردي الذي بدأ حينئذ في جنوب الأناضول. واستمر تكدس الملفات العالقة بين البلدين ليمسح التاريخ معظمها أو ربما يؤجل الخوض فيها. واستمر هذا الحال لحين ظهور حزب العمال الكردستاني - التركي واختياره الحل العسكري في العام 1984 لفصل المحافظات ذات الغالبية الكردية في جنوب وجنوب شرق الأناضول عن سيطرة أنقرة. وهو الموضوع الذي مازال يقلق الساسة والعسكريين الأتراك ويحثون الخطى لطردهم من معسكراتهم في شمالي العراق وتحديدا من إقليم كردستان. فكانت زيارة الرئيس التركي عبدالله غول إلى بغداد، والتي حملت معها حرص تركيا واضحا على غلق هذا الملف المقلق لأنقرة. وبعد يومين من هذه الزيارة خرج العراق (بفعل وجود حزب العمال الكردستاني) بمكاسب كبيرة منها:

1. تعاون مثمر بين العراق وتركيا بنسبة 100 في المئة حسب وصف الرئيس التركي.

2. مضاعفة حصة العراق من المياه القادمة من تركيا.

3. إعلان تركيا استعدادها لمنح العراق مختلف أنواع الأسلحة.

4. استعداد تركي لتدريب قوات الأمن العراقية.

5. اعتراف تركي بإدارة إقليم كردستان، وهو اعتراف غير مسبوق من أنقرة وكانت تتشدد لرفضه، وتكلل باجتماع الرئيس التركي برئيس وزراء إقليم كردستان العراق نجيرفان البرزاني.

6. اتفاقات ثنائية اقتصادية وتجارية واسعة ترسخ التعاون بين البلدين.

7. وغيرها من الاتفاقات التي ظل بعضها حبيس جلسات الحوار الرسمية التي عقدها الطرفان.

كل هذه النتائج التي تمخضت عنها زيارة غول إلى العراق قابلها استعداد عراقي - كردي لغلق معسكرات حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أميركا وأوروبا على أنه منظمة إرهابية.

إن هذا النجاح الكردي - العراقي في الحصول على مكاسب كبيرة من الدولة الجارة تركيا مقابل «وعود» كردية بطرد وغلق معسكرات حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية، لا يشبه طريقة تعامل بغداد مع قضية مشابهة، اسمها تواجد معسكر لـ «منظمة مجاهدي خلق» فوق الأراضي العراقية.

فمنذ أشهر والمسئولون السياسيون والأمنيون العراقيون يعملون لطرد هذه المنظمة، بعد أن وعدوا الحكومة الإيرانية (الجانب المتضرر من تواجد مجاهدي خلق المعارضة في دولة مجاورة لها) بذلك.

إن إصرار بغداد على طرد هذه المنظمة لا خلاف عليه، خصوصا وأن لإيران فضلا على الكثير من المسئولين في العراق خلال مرحلة المعارضة، لكن الخلاف يكمن في مجانية هذا الطرد الذي تسعى له الحكومة العراقية دون قيد أو شرط ما، يمكن أن يستثمر هذا الطرد لتحقيق مطالب، وغلق ملفات عديدة مازالت عالقة منذ سنين مع طهران. فالعراق وإيران يشتركان بحدود طويلة تقدر بنحو 1450 كيلومترا، وللبلدين في كل شبر على طول هذه الحدود مشكلات في مقدمتها ترسيم حدود شط العرب الذي كان أحد الأسباب المعلنة لحربين خاضهما البلدان بشكل غير مباشر في العام 1975 ومباشر في الأعوام من 1980 وحتى 1988 راح ضحيتهما مئات آلاف القتلى وملايين الجرحى، بالإضافة إلى ملفات أخرى متعلقة بحقول نفط مشتركة، وأسرى يقول عراقيون أنهم مازالوا معتقلين في إيران، واتهامات أميركية وعراقية بشأن تدخلات سياسية وعسكرية إيرانية بالشأن العراقي، فضلا عن قضية الطائرات العراقية التي ترفض إيران أعادتها. وغيرها الكثير من القضايا التي كان يمكن للعراق وسياسييه أن يستثمروها في إيجاد حلول لها مقابل إنهاء تواجد «مجاهدي خلق» المصنف أصلا على إنه منظمة إرهابية.

التسرع في إنهاء ملف مجاهدي خلق والتسابق لطردهم من العراق دون مقابل، قد يدلل على أن عقلية رجل المعارضة مازالت تسيطر على البعض من الساسة الحاكمين في العراق، وهي عقلية لابد لأي رجل دولة أن ينزع ثوبها، وإلا فإن الدول لا تبنى بعقليات رجال المعارضة.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً