العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ

هل من بحرنة للثقافة السيستانية؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الحديث في المطلق وفي العموميات من دون وجود آليات عملية، ومن دون وجود خطة عمل، ومشروع مؤسس من عقليات استراتيجية معرفية غير مؤدلجة بالوهم لا يمكن ان تحول الخل إلى عسل ولا يمكن ان تقرب المسافة. الصراخ في الهواء الطلق لتوزيع اليقينيات السياسية على طريقة "يا اسود يا ابيض" لا يمكن ان تقطع ثمرة ولو كانت نبتة بصل. وللأسف الشديد كل التيارات الفكرية من اديولوجيات العروبة والماركسية بدأت تلعب لعبة أجندات الا الحركة الاسلامية مازالت تعيش في وهم الماضي ان الشعارات الرنانة المدغدغة للمشاعر هي التي ستعيد الحقوق على طريقة الناشط السياسي سعد الفقيه... بالأمس راح يدعو إلى خروج مسيرة تظاهرية مليونية في السعودية فجأة واذا به يحرك البوصلة لتظاهرة من البحرين... هكذا وبلا دراسة. كل ما تحتاج إليه العملية الضغط على زر الكمبيوتر فينتشر المقال في كل مكان. لكن هل هناك أحد سأل وماذا بعد ذلك؟ ما الفائدة؟ هل هذا الخطاب سينفع الاسلاميين أو التيار السلفي ام سيعمل على تقويضه؟ وهل في زعزعة أمن السعودية ربح للكيان الصهيوني أم لا؟ لا شك في أن الخيار المسلح في اي بلد عربي "يزيد من الطين بلة". الزج بالشباب في اتون المحارق ووضعهم بين أسنان التنين لن يخدمهم. اما العمل السلمي المطالب بالحقوق بلا مجاملات بعيدا عن الاستعراض والمزايدات هو الذي يقرب المسافة وهذه هي الواقعية... ان تغيير الواقع بأدوات الواقع في الفقه الاسلامي يسمى "قياس المصالح والمفاسد" وهو ان تضع ميزانا في عقلك وتزيل كل الحشو المغلف بالوهم وتقرأ الواقع بلغة علمية معرفية. وللأسف فإن العقلية الشرقية قائمة على الافكار الجاهزة، وتقاد إلى المسلخ وهي تبتسم. الصحافي الشهير هيكل يقول: "محاولة الفهم" اصعب الامور في السياسة وفي الحياة عموما لانها جهد نفسي وفكري وانساني مرهق. الوهم هو الذي قتل وورط جزءا كبيرا من الحركات الاسلامية، أضرب لكم مثالا: حركة الاخوان المسلمين في حماة في سورية ثوريتهم غير المدروسة الغت وجودهم طوال 23 عاما وهم بعيدون عن آليات الفعل في الساحة السورية. والسؤال: وماذا بعد المواجهة المسلحة مع النظام؟ انها كانت تعيش تطييفا والتطييف في علم النفس هو احلام اليقظة! والسؤال هل نستفيد من الدرس؟ أبدا فإن حركة سعد الفقيه ستجر الشباب للسجون والمعتقلات. وموقف "القاعدة" في ضرب أمن السعودية سيحرق الاوراق ولكن الذي يمثل ضغطا حقيقيا هو الخطاب الاصلاحي السلمي الداعي للتغيير البعيد عن المجاملات غير المنكر للايجابيات.

في العراق أرى السيدالسيستاني هو رسول العقل لأن العقل رسول الحق. لا أقول ذلك تأدلجا ولا لثقة في سياسة الأميركان فإنه من السذاجة بمكان ان يقدم الأميركان كل هذه الخسائر من الارواح والاموال من اجل عيون العذراء المنتهكة في عالمنا العربي اعني "الديمقراطية"! لكن المسألة بين ان تدخل الناس في حمام الدم والمحارق وربما عودة النظام السابق فتنام على بطولات مثقفي القنوات ودغدغتهم للمشاعر، وبين ان تدخل في الواقع فتحرج الاميركان بالانتخابات!

الإمام علي "ع" ضد التطرف في الحكم وفي الشعار لهذا قال في اولئك الذين تصلبوا وقادوا ثورة قبل خلافته قائلا "استأثر فأساء الإثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع". المصدر نهج البلاغة ص .40 دعونا نقف امام الشقين.

الثورية قيمة وسلوك ايجابي لكن لكل ظرف وزمان موقف خاص. الإمام الحسن "ع" عندما اوقع الصلح مع معاوية وقف في وجهه احد كبار اصحابه صارخا في وجهه قائلا: "السلام عليك يا مذل المسلمين". هذا ما قاله سليمان بن صرد في وجه إمام معصوم لكن سليمان لم يكن يمتلك معلومات دقيقة للواقع السياسي في ذلك الوقت، كان واقعا في ثقافة الـ "لا" وكان ضحية نظرية المؤامرة وكان يرى السياسة اسود او ابيض بعيدا عن اللون الرمادي... لم يكن يعلم ان هناك في القوم وممن يصلون خلف الامام هم جواسيس لمعاوية ارسلوا كتبا يقولون له ان أردت الحسن سلمناه قتيلا او اسيرا. السيد نصر الله يقول: "لا يجوز ان يكون احدنا اسير شعارات بالمطلق "هيهات منا الذلة" ليس شعار الحسين فقط كما ان المصالحة ليست شعار هذا الامام او ذاك. في كل مرحلة لنا تكليف". المصدر "خطاب عاشوراء". هل نفهم نحن معنى في كل مرحلة لنا تكليف. يقول السيد "لا احد يناقش في احقية المطالب بل في الاسلوب كيف نخدم شعبنا". صحيح ان السياسة نجاسة وان السياسة في اللغة المكيافيلية انتهازية وانه لابد من الا ننساب من مجاري الصرف الصحي السياسي إذ الكذب والدجل والضحك على الذقون وخلط الأوراق والانتهازية وبيع الشعارات وتجميل قبح الكلام، ولكن ما نفهمه ايضا ان ليس في الاسلام دروشة ورهبانية. نحن نصبح رهبانيين عندما نستشار في القشور ونترك اللب على طريقة ملف الأوقاف الجعفرية والتأمينات وملف الكهرباء والبونس وهموم الناس في الصحة والتعليم وطلب الوظيفة والاسكان. هذه القضايا لا تستثير كثيرا الخطاب السياسي في عالمنا العربي على رغم اهميتها لدى الناس. نحن نعاني العقلية المقلوبة والوعي المعكوس. "الشارع العربي لا يتظاهر ضد تعيين وزير فاسد، لا يتظاهر ضد تزوير الانتخابات في العالم العربي وضد النتائج المبكية 99,999 لا يتظاهر ضد ارتفاع الاسعار او تدني الاجور أو انتشار البطالة او حرمان المرأة من الحقوق السياسية أو لأسباب ثقافية منها عدم وجود مدارس كافية خصوصا في الريف، تدني مستوى المناهج، عدم وجود فرص تعليمية متكافئة" شاكر النابلسي "كتاب زوايا محرجة". لكنه يقيم الدنيا ولا يقعدها على سواقة المرأة للسيارة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 850 - الأحد 02 يناير 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً