العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ

استراتيجية القوة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في ملحق خاص صدر عن "مركز الخليج للأبحاث" الملف الأول عن "الشرق الأوسط وأسلحة الدمار الشامل". وتقول كلمة التحرير عن سبب إصدارها مثل هذا الملف إنها تنوي القاء الضوء "على أحد أهم مصادر التهديد في الشرق الأوسط" واحتمالات "المواجهة بين طهران وواشنطن". مادة الملف كتبها أربعة من الباحثين الاستراتيجيين في الشئون العسكرية وترجمت عن مجلة "الشرق الأوسط للشئون الدولية". وتتناول في معظمها مسألة إنتاج السلاح النووي وتطوير برامج الصواريخ في المنطقة والتنافس الحاصل في هذا الصدد بين إيران "والعراق سابقا" وسورية من جهة و"إسرائيل" بالتعاون مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.

مثل هذه الملفات مهم جدا على رغم الطابع السياسي الذي يسيطر عليها وميل البحوث نحو الدفاع عن استراتيجية "إسرائيل" في تطوير برامجها النووية والصاروخية. فالبحوث المترجمة من دون ملاحظات أو تعليقات أو مقدمات توضيحية تكشف عن خطورة الوضع والتهديد الذي يطاول دول المنطقة عموما على رغم أن الباحثين "الأجانب تحديدا" يركزون على خطورة الجانب الإيراني في هذه المسألة ويخففون من المخاطر الإسرائيلية في الجانب المذكور. فالبحوث في النهاية حتى لو كانت أكاديمية لها وظيفة سياسية. والوظيفة السياسية كما يتضح من بحوث الملف دافعت عن حق "إسرائيل" في إنتاج منظومة دفاعية "هجومية" صاروخية ونووية وأسقطت هذا الحق عن دول المنطقة العربية وإيران.

البحث الأول في هذا الملف كان الأكثر وخصوصا في المعنى المذكور. فالباحث يرى أن "إسرائيل" اضطرت للدخول في السباق في مجال الترسانة النووية وبرامج الصواريخ. فهي، برأيه، دولة صغيرة "من حيث المساحة الجغرافية"، وتعتمد على نظام الاحتياط "لتعزيز جيشها النظامي الصغير" "نصف مليون جندي!"، وأخيرا فهي معرضة للتهديد من دول "تمتلك أسلحة دمار شامل من نوع ما". ويعدد الباحث أسماء الدول وحتى المنظمات التي تشكل خطورة وهي طبعا سورية والعراق "سابقا" وإيران والسعودية وليبيا "سابقا" ومصر "ربما لاحقا" وتنظيم "القاعدة" وملحقاته. وبسبب هذا التهديد المزعوم "اضطرت" تلك الدولة إلى دخول سباق التسلح النووي والصاروخي لردع أي هجوم محتمل. وهكذا وبكل بساطه. ومن دون شرح وتفصيل يبدأ الباحث بتعداد إنجازات هذه "الدولة الصغيرة والمهددة" في هذا الصدد. فهذه الدولة "المسكينة" كما يقول الباحث تمتلك ما بين 100 و400 قنبلة نووية، ويرجح أن لديها قنابل نووية حرارية "هيدروجينية"، إضافة إلى غاز الخردل وعوامل مؤثرة في الأعصاب، وربما تمتلك "برنامجا صغيرا للأسلحة البيولوجية".

البحوث الثلاثة الأخرى تنسج على المنوال نفسه. فهي تتحدث عن مخاطر أسلحة الدمار الشامل في العراق "سابقا" وكذلك عن احتمالات أن تحرز سورية وإيران خطوات متقدمة في هذا المجال، مشيرة إلى التهديد المفترض الذي ستتعرض له المنطقة في حال نجاح طهران ودمشق بعد سنوات طويلة في التوصل إلى امتلاك مثل هذه الأسلحة والصواريخ. فالبحوث تتحدث عن مخاطر محتملة وتهديدات غير منظورة وتتناسى الخطر القائم أو تغيب "إسرائيل" عن المعادلة "معادلة القوة" وكأن نجاحها المدعوم أميركيا هو تحصيل الحاصل وخارج دائرة النقاش.

المهم في هذا الملف الذي صدر عن مجلة "اراء حول الخليج" انه ينقل الحقائق كما هي من دون تدخل أو توضيح. فالملف ينقل ما يدور في مراكز الأبحاث والمؤسسات الاستراتيجية التي لا تتحدث عادة ذاك الكلام "الساذج" عن "الديمقراطية" و"العدالة" و"حقوق الإنسان" وإصلاح منطقة "الشرق الأوسط" من الخارج أو من الداخل. فهذه الوعود المعسولة تقال في تصريحات للضحك على الناس وخداع العامة بينما وظيفة مراكز البحوث العلمية والاستراتيجية والعسكرية قول الحقيقة كما هي من دون ايديولوجيا والتطرق إلى الدول كمراكز قوى في إطار معادلات القوة والصراع على تطوير أنظمتها للدفاع أو للهجوم. وظيفة هذه البحوث عدم التحدث عن الحقوق والعدالة والإنسان بل عن وسائل القوة وتطوير أنظمتها الرهيبة لسحق الحقوق والعدالة والإنسان. فالكلام الاستراتيجي هو كلام القوة والبحث في معادلات الصراع التي تعتمد على أسلحة متطورة لمنع تطور العدالة وحقوق الإنسان وما يدور حولها من مفردات "إصلاح" و"ديمقراطية". فالمسألة في النهاية مسألة قوة كما تقول النظريات الاستراتيجية ومن يملك القوة يسيطر على الحق ويغير الحقوق ويعدل العدالة.

هذا النوع من البحوث والملفات والمقالات الاستراتيجية نحن بحاجة إليه "حتى ولو كان جوهره ضد العرب والإسلام والمسلمين" لأنه في النهاية يسهم على الأقل في تطوير التفكير العربي ونقله من المعادلات الساذجة والقراءات المبسطة إلى درجة أرقى من الوعي يدفع نحو التفكر في القضايا من موقع متقدم وأكثر تعقيدا وتركيبا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً