العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ

فوضى الرافدين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التهديد الذي أطلقه وزير الدولة المعين قاسم داوود عشية انعقاد قمة "دول الجوار" في عمان باجتياح مدينة الموصل في شمال العراق مسألة خطيرة. فالموصل ليست الفلوجة فهي أكبر مساحة وتعدادا للسكان قرابة سبع مرات. فالموصل مدينة تاريخية وتعتبر الثالثة حجما بعد بغداد والبصرة. والتهديد أيضا جاء قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات المقرر في نهاية الشهر الجاري وهذا يعني ان قوات الاحتلال تريد اجتثاث المدينة وتدميرها وارتكاب مجزرة فيها في مدة أقل من 21 يوما أي أنها تريد قتل وتشريد سبعة أضعاف ما فعله الاحتلال في الفلوجة.

التهديد مجنون ويدل على عقل سياسي غير ناضج وقراءة أمنية للملف العراقي. وبسبب خطورة التهديد اضطر رئيس الحكومة المعين إلى نفيه أو على الأقل إلى التلطيف من انعكاساته السلبية على البلاد. فاياد علاوي حاول شرح سوء الفهم الذي صدر عن وزير الدولة المعين وأكد ان الاحتلال لا يخطط الآن إلى ارتكاب مثل هذه الفعلة حتى لا تؤثر على مشروع الانتخابات. فالنفي خفف قليلا من المخاوف لكنه لم يذهب بعيدا في استبعاد حصول الاجتياح في فترة لاحقة. فالمسألة واردة والمشروع كما يبدو قيد الدراسة بينما الخلاف على التوقيت. كلام الوزير العشوائي ومحاولة رئيس الحكومة إعادة ترتيبه وتلطيفه يكشفان عن وجود خلل بنيوي في السياسة وطرق فهم الصراع ووسائل إدارة ملفات الأزمة. فالأزمة كما تبدو لا تقتصر بين وزير ووزير أو بين وزير ورئيس وزراء وإنما أيضا اخذت تشمل رؤوس السلطة. فهناك قراءات مختلفة بين رئيس الدولة المعين غازي الياور ونائبه ابراهيم الجعفري وبين الجعفري ورئيس الحكومة. فكل فريق يغني في ديرته وكل وزير يحطب في غابته بينما بلاد الرافدين تتجه بسرعة وبإشراف الاحتلال ورعايته نحو الاصطدام بحائط الفتنة الأهلية. الاختلافات في القراءات السياسية بين رئيس الدولة ونائبه ورئيس الحكومة ووزيره ليست بسيطة ولا تقتصر على مسألة اجتياح الموصل أو عدم اجتياحها أو تأجيل الاجتياح إلى ما بعد الانتخابات أو قبل عيد الأضحى أو بعده. المسألة أبعد بكثير من تلك الحدود الأمنية. وتشعبات المسألة المختلف عليها تتجاوز حدود المدينة فهي متفرعة في مناطقها وتتركز أصلا على السلطة والطرف الذي يديرها وصاحب القرار فيها.

قراءة سريعة لتصريحات هؤلاء المسئولين المعينين تكشف عن وجود وجهات نظر يعلن عنها مرارا وأحيانا تتم تغطيتها بالابتسامات المتبادلة. إلا أن الأنياب حين تبرز لا يعني دائما أنها تبتسم. فهناك حكايات تكمن وراء كل ابتسامة. الرئيس مثلا حذر من خطورة اجتياح الموصل وهو نفسه سبق وحذر أيضا من خطورة اجتياح الفلوجة. واجتيحت المدينة ودمرت وزلزلت وسكت الياور عن تصريحه. كذلك يميل الرئيس إلى تأجيل الانتخابات أو تحديد موعد آخر لها أو الاتفاق مع الاطراف المقاطعة على ترتيب تفاهم حتى لا يقع الشقاق وتدب الفتنة. نائب الرئيس "ابراهيم الجعفري" يميل إلى المسالمة والموادعة ومواقفه تتميز بالحكمة والروية ولا يؤيد استخدام القوة كوسيلة وحيدة لردع المخالفين أو المقاومين للاحتلال. فنائب الرئيس يفضل السياسة واتباع الحنكة في معالجة الملف الأمني ولا يوافق على اجتياح المدن ودك الاحياء الآمنة بذريعة ملاحقة "الارهاب". الا ان نائب الرئيس الذي يتفق مع الرئيس في اتباع السياسة بدلا من الحربة في معالجة الفلتان الأمني يختلف معه على موضوع الانتخابات فهو يميل إلى عقدها في موعدها وبمن حضر لأنه يتخوف من ان تتحول مسألة التأجيل إلى سابقة يتذرع بها الاحتلال دائما لتأجيلها في كل مرة... وبالتالي يضمن عدم اجرائها نهائيا. رئيس الحكومة بين وبين. فهو مع الضرب بيد من حديد "حديد الدبابات الأميركية طبعا" ولكنه يخاف من انكسار الدولة وتشرذمها إلى دويلات تعجز جيوش الاحتلال عن احتواء تداعياتها وخصوصا اذا تحولت المواجهة إلى معارك طائفية ومذهبية ومناطقية. فرئيس الحكومة مع نظرية القوة في التعاطي مع الملف الأمني ولكنه لا يذهب بعيدا في الافراط أو التفريط بها كما يريد وزير الدفاع حازم الشعلان أو وزير الدولة قاسم داوود. والعلاوي ايضا حائر في موقفه الانتخابي فهو مع الموعد ومع تأجيله وهو يريد الانتخابات ويتخوف من هزيمة لائحته. وبسبب هذا التذبذب فإن مصالحه تتلاقى وتتعارض في آن مع مصالح "الزرقاوي". فهو ضده أمنيا ولكنه يتمنى ان يؤدي انفلات الوضع الأمني إلى تأجيل الانتخابات وبالتالي تمديد صلاحيات فترة حكومته.

هذه المواقف وغيرها يمكن قراءة ملامحها السياسية من خلال تصريحات المسئولين الذين يعتمد عليهم الاحتلال في بناء "العراق الجديد" او ما يسمى "النموذج الديمقراطي" في منطقة "الشرق الأوسط".

التهديد باجتياح الموصل قبل ساعات من قمة "دول الجوار" وأسابيع من الانتخابات ثم سحب التهديد، كلها علامات سيئة على مستقبل غامض ينتظر العراق. ومن يمتلك الصبر يصرخ أخيرا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً