العدد 857 - الأحد 09 يناير 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1425هـ

استئناف حروب التهديد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع العراقي المعين حازم الشعلان ضد سورية وإيران ليست جديدة. الجديد فيها انه هدد وللمرة الأولى بنقل المعارك إلى شوارع دمشق وطهران. لم يحدد الشعلان كيف سينقل تلك المعارك ولكنه ألمح إلى استعداد الحكومة المعينة على فتح هذه الجبهة العسكرية وتوسيع دائرة الفوضى من داخل العراق إلى خارجه.

خطورة هذا الكلام في قلة عقلانيته. لأن مثل هذه التهديدات تريح الاحتلال وتعطيه المزيد من الذرائع على توسيع نطاق حروبه التي هدد بها دول المنطقة لتغيير خريطة «الشرق الأوسط».

قلة العقلانية في التفكير السياسي هي مشكلة الهيئات التي أدارت المؤسسات العراقية بعد الاحتلال. وهذه الخفة في تناول مشكلات العراق الحقيقية أسهمت كثيراً في تعطيل إمكانات تطوير العلاقات مع الدول المجاورة وساعدت على تعزيز مخاوف «دول الجوار»... وهي الدول التي اتفقت في اجتماع عمان وقبل ساعات من تصريحات الشعلان على دعم التوجهات السلمية في بلاد الرافدين.

السؤال إذاً، لمصلحة من تطلق مثل تلك التهديدات ومن هو الطرف المستفيد منها؟ الجواب ليس بحاجة إلى طول تفكير. فالمسألة واضحة وهي ان الاحتلال هو المستفيد بل هو الطرف المحرض عليها لانها في النهاية تخدم مشروعه التقويضي في المنطقة وربما تعطيه الذريعة لتأجيل موعد الانتخابات... والعودة إلى سياسة «الحروب الدائمة» التي يبدو ان إدارة بوش الجديدة لن تسقطها من حساباتها العامة.

الاضطرابات الأمنية وما يعقبها من فوضى في التصريحات السياسية ربما تكون مقصودة وهي على خفتها خطيرة وليست مجرد تهويل. فالقصد منها اثارة البلبلة السياسية واطلاق اشارات متضاربة لاحداث الارباك في مواقف الأطياف الأهلية العراقية وجرجرة دول الجوار إلى معارك وهمية لمنعها من الاتفاق على تصور مشترك أو استراتيجية الحد الأدنى للتعامل مع الاحتلال كما حصل حديثاً في اجتماع عمان.

ما حصل في عمان لا يرضي الولايات المتحدة لأن واشنطن لا تريد الهدوء والاستقرار في المنطقة وبالتالي فانها تشجع على اطلاق تصريحات وتهديدات مثل تلك التي تعود عليها الشعلان حتى يبقى التوتر سيد الموقف. فالتوتر يفيد واشنطن ويخدم مصالحها الآن وخصوصاً هناك مخاوف أميركية من احتمال سقوط اللوائح التي تدعمها في الانتخابات وفوز تلك اللوائح التي تتمتع بحد معقول من الاستقلال النسبي عن الاحتلال. والكلام الذي قيل عن وجود اتصالات سرية بين الحكومة المعينة وإدارة البيت الابيض بشأن البحث في تأجيل موعد الانتخابات ليست مستبعدة. فالانتخابات في حال انعقادها ربما تكشف عن ضعف الجيوب السياسية الموالية لأميركا الأمر الذي سيزيد من صعوبات الاحتلال ويعطل على واشنطن خططها التقويضية.

ما يصدر عن بعض وزراء الحكومة المعينة لا يمثل بالضرورة وجهة نظر مشتركة للقوى المعنية بمستقبل العراق ولكنه على الأقل يمثل الطرف الأكثر تضرراً من حصول الانتخابات وتحديداً تلك الفئات التي رهنت وجودها بالاحتلال.

وبهذا المعنى يصبح قرار مقاطعة الانتخابات يصب في إطار سياسة لا تتناسب مع الاستراتيجية العامة لتحرير العراق ومحاصرة الاحتلال في اصغر الدوائر. فالمقاطعة/ المشاركة إذا لم تكن عامة وشاملة ومتفقاً عليها وطنياً ستعطي نتائج سلبية وربما تقدم ذريعة مضافة للاحتلال لمضاعفة قواته وتهديد الدول المجاورة وابتزازها.

المقاطعة لاشك تقلل من صدقية الانتخابات، الا انها لن تخفف من شرعيتها وبالتالي ستبقى مقبولة دولياً وخصوصاً انها تتمتع بغطاء دولي وقرار صادر عن مجلس الأمن. ولذلك يتخوف ان يستخدم الاحتلال تلك الثغرات والنواقص بعد الانتخابات لاستكمال مشروعه عبر اسناد المسئوليات للفئات المتعاملة معه لانها تشكل بالنسبة اليه الضمانة الوحيدة لسياسته التقويضية في المنطقة.

وبسبب تلك المخاوف والاحتمالات يبقى التوافق الوطني هو الأهم لأنه في النهاية يحدد الاستراتيجية العراقية الموحدة لطرد الاحتلال. فالمشكلة ليست في من يفوز ومن يقاطع بل الاحتلال هو المشكلة. والانتخابات مجرد إجراء فرضته الضرورة الدولية وهي ليست مشكلة برأسها الا إذا تحولت إلى نوع من الاحتراب الداخلي... وهذا ربما ما تريده واشنطن أو ما يخطط له الاحتلال.

المسألة في النهاية من يحكم العراق الآن ومن هو صاحب القرار في تحديد الاتجاهات، وما هو السبيل الوطني لإخراج الاحتلال من بلاد الرافدين؟ واجوبة هذه الأسئلة تملكها القوى العراقية المعنية مباشرة بشأن السيادة والاستقلال. فاتفاقها قوة وانقسامها نهاية الدولة الواحدة... والقرار في النهاية لهذه القوى وليس لتلك التصريحات والتهديدات التي تصدر عن وزراء ارتبطت مصالحهم باستمرار الاحتلال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 857 - الأحد 09 يناير 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً