العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ

أصولية ألمانيا تتحفظ على الأجانب وأصولية أميركا تزيد دعم "إسرائيل"

المسيحيون المتعصبون في الغرب لم يعودوا يخفون تشددهم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يورغن روتغرز، هو رئيس الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ولاية شمال الراين وستفاليا، أكبر ولاية ألمانية يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، ويعيش فيها أكبر عدد من الأجانب خصوصا العرب. والرجل لا يصف نفسه بأنه خصم للأجانب، ولكن لديه تحفظات مشددة تجاه الأجانب الذين يقيمون بصورة دائمة في بلده. وسيخوض قريبا معركة انتخابية حاسمة أملا بأن يصبح رئيسا للوزراء في هذه الولاية التي يحكمها ائتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. لذلك يجد روتغرز أن ورقة الأجانب ستخدم حملته الانتخابية في ظل المناقشات الدائرة في ألمانيا بشأن مسألة إدماج الأجانب والمصاعب التي تعترضها.

وليس سرا أن الحزب الذي ينتمي إليه روتغرز يستخدم هذه الورقة في تدعيم موقفه المعارض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. واقترح روتغرز على حزبه حين انعقد مؤتمر استثنائي للاتحاد المسيحي الديمقراطي بمدينة دوسلدورف مطلع الأسبوع الماضي، فرض تشديدات صارمة على الأجانب الراغبين بالعيش على الدوام في ألمانيا كي يعترفوا بالثقافة الألمانية وإجبارهم على تعلم اللغة الألمانية. كما طالب روتغرز في اقتراحه على المؤتمر أن تجري دعوة الروابط الإسلامية في ألمانيا إلى إعلانها علنا التنصل من الأصوليين والتعاون مع أجهزة الأمن الألمانية في مكافحتهم.

وروتغرز مثل كثير من السياسيين الألمان، وخصوصا الذين ينتمون للمعسكر المسيحي المحافظ، يستغلون كل طارئ ليشيروا إلى فشل المشروع الذي نادى به الاشتراكيون والخضر، ما يعرف بالمجتمع "متعدد الثقافات". وكان الكشف عن محاولة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي خلال زيارته الأخيرة لبرلين، على رغم أن المدعي العام الفيدرالي لم يقدم للرأي العام أدلة دامغة غير ترديده أنه تبين من خلال استراق السمع على مكالمات هاتفية أجراها ثلاثة من العراقيين، أنهم كانوا يخططون للاعتداء على علاوي، ما دفع سلطات الأمن للتدخل قبل بدء التنفيذ.

ومازال بعض رجال السياسة والإعلام يستغل هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 لإشاعة أن ألمانيا بين الدول المهددة بالتعرض لعمل إرهابي واسع النطاق، لأنها تساند الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، ولأن لديها أكبر قوة عسكرية في أفغانستان. وأتمت محطة التلفزيون الثانية "زد دي اف" فيلما يشير إلى تعرض ألمانيا لاعتداء بأسلحة الدمار الشامل، وهو السيناريو الذي يشير إليه السياسيون المحافظون خصوصا. والرسالة التي تركها هذا الفيلم أن ألمانيا معرضة لاعتداء بمستوى هجمات سبتمبر، وأنها غير مستعدة لمواجهة مثل هذا الاعتداء. ففي حال وقوع اعتداء بأسلحة كيماوية ليس هناك أسرة كافية وغرف عمليات في المستشفيات الألمانية لاستقبال عدد كبير من المصابين. بين عالم الخيال والشاشة الفضية والواقع شعرة.

الخليفة على مدينة كولون

ألمانيا دولة مسيحية تجد صعوبة بالغة في قبول الواقع الجديد، أولا أن أوروبا تغير لونها، ثانيا أن المجتمع في ألمانيا أصبح متعدد الثقافات أراد السياسيون الألمان ذلك أم أبوا. فهناك نحو 3 ملايين مسلم غالبيتهم من الأتراك من أصل 8 ملايين أجنبي يقيمون بصورة دائمة في ألمانيا. وباعتراف البوليس السري الألماني فإن عدد الأصوليين بين المسلمين لا تزيد نسبته عن 1 في المئة. وتشعر الروابط الإسلامية بالرضا لكل عملية إحباط عمل إرهابي سعت إليه منظمة أصولية أو إبعاد أصولي عن البلاد. وكان موقف مسلمي ألمانيا جليا حين تم إبعاد الأصولي التركي محيي الدين قبلان الملقب بـ "خليفة كولون" إلى بلده، إذ يحاكم حاليا بتهمة الخيانة العظمى. ولم تحتج أية منظمة إسلامية على قرار إبعاده، بل أثار ذلك القرار ارتياح المسلمين في ألمانيا عموما لأن قبلان "نجل مفتي أضنه السابق"، كان يمارس نهجا يسيء لسمعة الإسلام. فقد أعلن نفسه خليفة على مدينة كولون التي منحته المأوى بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي، ثم أعلن وثيقة قسم ألمانيا إلى ولايات تابعة لدولة الخليفة، ثم أصدر فتوى لقتل أحد منافسيه بعد انشقاقه عنه!

غير أن تصرفات بعض المسلمين الفردية لا تعبر عن الصورة الحقيقية للإسلام. فالصورة الحقيقية عن الإسلام لم تحصل على فرصة واقعية بعد ليطلع الغرب عليه. فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران اتخذ الغرب موقفا تجاه الإسلام، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي تم استبدال الخطر الشيوعي بما يسمى اليوم الخطر الأخضر. وكان من أبرز نتائج هجمات سبتمبر إعلان ما سمي الحرب المناهضة للإرهاب التي مكنت الأميركيين من غزو أفغانستان، ثم القيام بحملة عسكرية على العراق بناء على أدلة كاذبة كحيازة أسلحة الدمار وعلاقة صدام بالقاعدة.

في الولايات المتحدة أصبح الدين يلعب دورا بارزا في الحياة السياسية، وكان هذا واضحا في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة. ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" فإن 25 مليون أميركي يعيرون أهمية كبيرة للمبادئ، وأن اعتقادهم هذا ساعدهم في اتخاذ قرار انتخاب جورج بوش. يذكر أن بيانات مؤسسة "غالوب" لاستطلاع الرأي أوضحت أن غالبية الأميركيين كانوا في الستينات يحبذون الفصل بين الكنائس والسياسة.

كتب وكنائس وتلفزيونات

وكشف خبير الأديان الألماني غايكو مولر فارنهولز في آخر كتاب له تنامي نفوذ التيار المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة وأن هذا التيار بدأ مرحلة الانتشار خلال القرن التاسع عشر وحاليا بلغ أوجه. وأمضى الخبير الألماني سنوات في الولايات المتحدة للتحضير لمادة الكتاب. من بين المنظمات المتشددة الواسعة النفوذ منظمة حزام الإنجيل التي تساند "إسرائيل" بصورة تفوق الدعم الذي يوفره اللوبي اليهودي في أميركا لها. وحين زار شارون الولايات المتحدة حديثا طلب زيارة أصدقاء "إسرائيل" في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة، إذ يوجد غالبية مؤيدي منظمة حزام الإنجيل، وذلك قبل اجتماعه مع أركان اللوبي اليهودي. ويعتقد فارنهولز أن انتشار الأصوليين بين المسيحيين في الولايات المتحدة ليس ظاهرة وإنما بات واقعا نسبة للانتشار الواسع للمنظمات الأصولية في الولايات المتحدة والتي تمتلك محطات تلفزيونية.

كما يعزز ذلك النجاح الكبير لسلسلة كتب Left Behind من عمل تيم لاهايي وجيريمي بي جنكنز والتي يجري فيها وصف الأيام الأخيرة التي تسبق القيامة ونهاية البشرية، وفيها وصف لعودة ظهور المسيح. منذ ظهور الطبعة الأولى من الكتاب المؤلف من 12 كتابا في العام 1995 تم بيع 60 مليون نسخة منه. إلى جانب وجود نسخة للأطفال ونسخة صورت في أفلام للسينما والتلفزيون، وغالبية الذين قرأوا الكتاب هم من النساء في سن متوسط وكبار السن وجنود يخدمون في العراق.

ويعتقد فارنهولز أن ما بين 30 مليون إلى 50 مليون أميركي يعتقدون أن نهاية البشرية دنت. وكثير منهم يجد الدليل في قيام دولة "إسرائيل" العام ،1948 إذ حين يسيطر اليهود على فلسطين كاملة سيظهر المسيح على الأرض. وهذا هو السبب الديني وراء دعم المسيحيين المتشددين في الولايات المتحدة لـ "إسرائيل" في النزاع مع الفلسطينيين

العدد 865 - الإثنين 17 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً