العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ

ماذا عن الأكراد في الانتخابات العراقية؟

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

يسأل هذه الأيام كثيرا عن موقف الأكراد من إجراء الانتخابات في العراق، مع أن موقف الأكراد الرسمي هو مع إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في أواخر الشهر الجاري. هذا السؤال لا يطرح فقط في الوسط الإعلامي أو في وسط القوى والفعاليات العراقية بل يطرح أيضا في الأوساط الكردية، إذ يجرى نقاش كثيف وجدي في الأوساط الكردية، إذ تحاول هذه الأوساط الضغط على الموقف الرسمي الكردي ليكون طرفا مطالبا بتأجيل الانتخابات. ومرد هذه النقاشات يعود إلى عدد من الأسباب سنتحدث عنها بالتفصيل في مقالنا هذا.

وقد يسأل البعض: لماذا هناك موقفان لدى الأكراد، أو يظهر على العلن أن لديهم موقفا مزدوجا من العملية الانتخابية التي يبدو أنها حساسة جدا؟ ولعل السبب يعود إلى أمرين يوحدهما الجانب الأخلاقي، الأول: ان الأكراد جزء أساسي من العملية السياسية، وهم بالتالي جزء من الحكومة العراقية، وموقفهم الرسمي يجب أن يعكس الموقف الرسمي العراقي. بمعنى آخر ان كون الأكراد جزءا من الحال العراقية فموقفهم يجب أن ينسجم مع الموقف العام في العراق ومع موقف الحكومة العراقية.

الأمر الثاني مرتبط بالجانب الحسي المادي، إذ هناك عدد من الأسباب لا تساعد العراقيين على إجراء الانتخابات، بالإضافة إلى الموقف الأخلاقي من الأكراد الذي يتطلب منهم أن يكونوا إلى جانب حلفائهم الذين كانوا طرفا وشريكا للأكراد في كل الاجتماعات والتحالفات في الفترة الماضية "أي عندما كانوا في المعارضة".

نستطيع القول إن هذين العاملين لا يساعدان الأكراد على اتخاذ قرار منفرد "انتهازي" بقدر ما يساعدهم على أن يكونوا حريصين على التمسك بالموقف المتوازن بين الطرفين "المعارض لتأجيل الانتخابات والموافق". وربما يكون ذلك لصالح العراق مستقبلا، ويفتح أمام العراقيين الطريق نحو إجراء حوار كاف وجدي، وقد يسهم هذا الموقف في إزالة الشكوك حول الأكراد من انهم يقفون إلى جانب "العرب السنة".

ثمة من يرى أنه مهما يكن الموقف فإنه إذا ظل الوضع كما هو، فإنه قد لا يتحمل اتخاذ قرار سريع حتى وإن كانت للانتخابات ضرورة قصوى، ومن السذاجة السياسية ان يهمل طرف رئيسي مثل السنة في الانتخابات. وبدا أن الأكراد يشغلهم هذه الأيام هذا التوجه، إذ من المنطقي أن يتريث الأكراد برهة حتى يتكون في العراق إجماع وموقف منسجم بين سائر الاطراف، حتى يكون للانتخابات التي ستجرى طابع شرعي حقيقي، فبات من الضروري أن تشترك الأطراف الرئيسية كافة، الأكراد والشيعة والسنة. هذا فضلا عن الوضع الأمني الذي لا يساعد أي طرف في أن يفكر بصورة حرة.

ومن السذاجة الاستسهال بالوضع الأمني، لأن للوضع الأمني دورا كبيرا في تسيير العملية الانتخابية، إلا لماذا يوافق مجلس الحكم على عدم اجراء الانتخابات عندما طالبت الأطراف العراقية وخصوصا الشيعية بإجرائها قبل تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة، ألم يكن تأجيل الانتخابات في ذلك الوقت سببه الوضع الأمني؟ مع انه كان للتأجيل ضرورة في ذلك الوقت، ولكن ربما أقل مما تفرضه الحال هذه الأيام كونه يخدم الديمقراطية ويقويها، لأن الغاية من التأجيل هنا هو إشراك القدر الكافي من المواطنين العراقيين في العملية الانتخابية.

لكن وعلى رغم ذلك، لا أعتقد أن الأكراد سيصرون على تأجيل الانتخابات، بل ان مطالبتهم بالتأجيل مرده المشاركة الفاعلة لجميع الأطراف. كما انه يصبح من غير الصحيح التقليل من شأن تطلعات الأحزاب الحليفة الرئيسية في العملية السياسية كالحزب الإسلامي العراقي وغيره.

وهناك نقطة أخرى ضرورية باعتقادنا، وهي ان الحكومة العراقية هي أيضا غير جاهزة لإجراء الانتخابات، ولعل بنود قانون إدارة الدولة العراقية لم تنفذ حتى الآن. وعندما تستند الحكومة العراقية في إجراء الانتخابات بقولها إن قانون إدارة الدولة العراقية يفرض ذلك، إلا ان الكثير من بنود هذا القانون لا تنفذ لحينه، ولعل البند 58 من القانون والمتعلق بكركوك على سبيل المثال لا الحصر غير منفذ.

من الوارد أن يكون الأكراد طرفا مطالبا بالتأجيل، لأن هناك عوامل مهمة يأخذونها في الاعتبار:

كركوك: إذ يطالب الأكراد بتأجيل الانتخابات على مستوى مجلس المحافظة، لأنه مازال هناك توتر في أوج عنفوانه، وكذلك هناك آثار الحكم السابق التي مازالت قائمة ولم يتم إزالتها.

العامل الآخر مرتبط بعامل الطقس، إذ هناك مئات الطرق تغلق في هذا الشهر، وهناك العوامل الجوية الضاغطة التي تمنع الناس من الحركة نتيجة كثافة الثلوج.

العامل التحالفي على المستوى القومي العراقي والحرص على صيغة التحالفات والتنسيقات السابقة، ومن المعروف ان كل هذه الأحزاب كانت قد شاركت الأكراد في السراء والضراء وليس من المنطقي أو الأخلاقي التخلي عن مطالبهم.

وزيادة على هذه العوامل، فإن تأجيل الانتخابات يعني أن هناك فرصة ذهبية أمام الحكومة العراقية بإجراء حوار نشط مع جميع العراقيين وخصوصا المتضررين من الوضع الحالي. كما ان هناك فرصة أخرى لتلبيس الشرعية للعملية السياسية من خلال إصرارها على مشاركة كل الأطراف العراقية.

نعم هناك ضرورة لتوفير الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات، بأن يكون هناك وضع أمني يتيح إجراء الانتخابات أولا، والثاني يجب ان تكون هناك نية جدية وروح صادقة لإجرائها.

في كل الأحوال، المشكلة هي ان الطرفين يعيشان في أزمة، فبالنسبة إلى من يريد مقاطعة الانتخابات فإنه لا يملك خيارا أو برنامجا بديلا ناضجا، فقط هم يقاطعون للمقاطعة، وهذا ما يعارض الحال السياسية، التي تقضي بوجوب طرح البديل واستخدام قوة الإقناع والحجة، وليس عن طريق استخدام العنف والقوة والتفجيرات. والمشكلة أن هؤلاء لا يملكون حتى الآن أي برنامج سياسي، وليس لديهم حجة تبرر أسباب رفضهم للانتخابات. بل ربما لا يكون الكلام المطاط عن "خروج الاحتلال" مفيدا في العملية السياسية العراقية أكثر ما يعود بالضرر على صاحبه.

أما بالنسبة إلى الحكومة العراقية، الطرف الآخر من المعادلة، فإنها أيضا تعيش في الدوامة السياسية لأنها مازالت متمسكة بالخيار العسكري. وهي أيضا لا تملك برنامجا بالنسبة إلى هؤلاء الرافضين. فمن الأفضل لهذه الحكومة أن تحسب عواقب إجراء الانتخابات في هذا الوقت، والأولى لها أن تعرف أن عدم مشاركة هذا الطرف "أي السنة" سيهدد الدولة بالخطر، ويبقى الخيار الوحيد أمام العراقيين هو خيار الحرب الأهلية.

ثمة من يرى أن على الحكومة العراقية أن تدرك بانه لا يمكن أن يقبل الأكراد نتائج الانتخابات في كركوك، ولا يمكن أن يقبل السنة النتائج في مناطقهم، وليس الحال أحسن من غيره بالنسبة إلى الشيعة، فهناك أيضا تباين في المواقف والآراء.

ربما الصيحات لإجراء حوار جدي وبناء والعمل على تكوين إجماع على المستويات كافة بدءا من الانتخابات وانتهاء بإيجاد عقد اجتماعي سياسي وقومي هي التي أصبحت الراجحة اليوم

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 867 - الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 08 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً